إغراء الشعبوية

إغراء الشعبوية!

المغرب اليوم -

إغراء الشعبوية

محمد الرميحي
بقلم - محمد الرميحي

حسن أوريد، كاتب مغربي غير معروف على نطاق واسع في المشرق، لكنه من المفكرين العرب ذوي الإضافة النوعية، من مواليد ستينات القرن الماضي، وهو صوت عقلاني نقدي، صدر له عدد من الكتب، مؤخراً صدر له كتاب بعنوان «إغراء الشعبوية في العالم العربي»، وهو كتاب يسعى للبحث عن سردية جديدة، بعيداً عما عرف من سرديات جامعة، وربما قاتلة في المنطقة العربية، تقريباً منذ الحرب العالمية الأولى، من القومية إلى الإسلاموية.

يكتب: «أضحى العالم العربي بعد سورة (الربيع العربي) وكبوة (الإسلام السياسي) خلواً من أي سردية أو فكرة جامعة كبيرة: وضع سياسي جامد، دول في أتون حروب أهلية (اليمن، سوريا، السودان)، وأخرى فاشلة، مع سياسة طائفية مُعطِّلة (لبنان، العراق)، ودول راكدة، وخطابات هوية قاتلة وزاحفة على المنطق، وبطالة متفشية، وشبيبة ضائعة، وكساد اقتصادي»، ثم يكمل: «ما عدا دول الخليج».

العبارة المفتاحية هنا «ما عدا دول الخليج» وتفسيري ليس لأنها تصدِّر النفط، فهناك عددٌ من الدول العربية تفعل ذلك، فقد تَوفَّر النفط في بلاد عربية أخرى، ولكنها أُصيبت بمتلازمة «الثورية - الشعبوية» و«الإدارة الجاهلة»، فدخلت في دوامة العنف والتفكك من باب واسع، أغراني الكاتب أن اقترح سردية جديدة نابعة من تجربة دول الخليج كما أفهمها، وهي «ديفيولوجيا» Devology (الاعتماد على منهج التنمية من خلال الكفاءة).

لدينا غالبية عربية تتنازع شعوبُها بين الخوف والحرمان، بين التشريد والفشل في أجهزة الدولة، بين القتل والتهجير، لذلك بضاعة هذه الأنظمة الرائجة المعتمدة من الزعماء هي «الشعبوية» من خلال تضخيم الهويات المحلية/ الطائفية والعرقية، وتعدد الأعداء، وتهميش الجماعات المختلفة المشاركة في الوطن، تحت مسميات مختلفة، كثير منها غير عقلاني.

معظم الفكر العربي يشكو من «تداخل الأزمنة» تاريخياً ومجتمعياً، بين التقليد والتجديد، بين العِتاق والحداثة، بين فئات تعيش في رقعة واحدة، ولا تعيش في زمن واحد. تلك سمة اجتماعية - ثقافية متفاقمة، أججت الصراعات الداخلية، كل ما تم توصيفه ظاهر لذوي أهل البصيرة، هو مغيب لدى معظم الجمهور العربي الراسخ في سرديات غمرت العقول في العقود الأخيرة، وبدا فشلها واضحاً.

العالم العربي لم يفقد جاذبيته للعالم، وزيارة رئيس الجمهورية الأميركية، وهي الأكبر والأغنى والأقوى في دول العالم إلى دول الخليج قبل أسابيع، تعني أن العالم يرى أهمية هذه المنطقة، وعودة جاذبيتها، حيث تمثل النموذج الذي يمكن أن يُحتذى، وقد سمعنا الرئيس السوري الذي يرغب أن تكون سوريا كما الخليج.

هناك سردية جديدة في عالمنا العربي يمثلها «النموذج الخليجي»، هي ليست آيديولوجيا، ولكنها إن صحَّ التعبير «ديفيولوجيا» أي طريق تنموي لإنعاش المجتمعات واستدامة التنمية، سماتها التحول من الاقتصاد الريعي إلى اقتصاد متنوع، في قلبه اقتصاد الخدمات، وإقامة بنية تحتية متينة في الاتصالات والمواصلات والمواني، والاستثمار في الطاقة المتجددة، والتقنية الحديثة، وخلق بيئة أعمال جاذبة، وصناديق سيادية ضخمة، والاستثمار في الإنسان، واللحاق بموكب العلم الحديث.

لا يمكن أن نضرب صفحاً عن «تنوع العالم العربي» من حيث البنية الثقافية، والقوام الحضاري، كما في الوقت نفسه لا يمكن طمس المشتركات مثل اللغة المشتركة والشعور الجمعي، إلا أن سردية الجمع القسري «أمة عربية واحدة»، أو «أمة إسلامية» هي وهم كبير، صدقته بعض النخب، ولا يزال بعضها مصدقاً له، وانصرفت عن أسس بناء الدولة المدنية الحديثة. اليوم أصبح الوقت جاهزاً للجهر بأهمية الوحدات المتجانسة، وطرح سردية جديدة مناسبة للواقع والعصر، يفسرها مصطلح «ديفيولوجيا»، أي اعتماد التنمية منهجاً للاستقرار والتطور.

لعل من أهم الوحدات المتجانسة هو مجلس التعاون الخليجي، الذي يجمع سكانَه كثيرٌ من المشتركات، هنا نجد فعل عاملين يشكلان قاعدةً لها أهميتها، الأول التجانس، والثاني النموذج التنموي، والذي يقدم تجربة فاصلة في التنمية.

الوعي بالمشتركات الجامعة في الخليج يؤهله لأن يكون صاحب سردية جديدة في عالم عربي مضطرب، إلا أن شروط نجاح السردية الجديدة، هي التفكير الجاد والحاسم بأهمية تطوير مجلس التعاون، اقتصادياً وثقافياً وسياسياً، أي تعظيم المشتركات، وتجاوز الصغائر، والمسيرة إن تمت بتلك الثنائية، فإنها تقي هذا الإقليم شرور ما وقعت فيه المكونات الأخرى المجاورة، والتي تشرذمت، رغم ما تملكه أراضيها وما تملكها شعوبها من قوة بشرية وثروة اقتصادية.

المخاطر التي قد تعترض مسيرةً ناجحةً لمجلس التعاون أيضاً معروفة، وبعضها من أمثال تضخيم الخصوصية والهوية المحلية. فالانخراط في التجربة الكونية، يتطلب تخفيض العوائق الخصوصية، والسعي الحثيث للقضاء على الفساد، وتقديم خدمات نوعية للجميع، مواطنين ومقيمين، وتجويد نوعية التعليم، وليس فقط كميته، وسياسة خارجية شبه موحدة ومتوازنة مع الجوار وما بعد الجوار، وأيضاً سياسة سخية للاستثمار في الدول التي تعاني من خلل اقتصادي، مع وجود فرص كبيرة للتطور الاقتصادي فيها، لأن الانقسام العربي بين بحبوحة وفقر، خاصة في الدول المتجاورة، هو جذر حقيقي للاضطراب، وإغراء الشعبوية.

آخر الكلام: يقدم مصطلح «ديفيولوجيا» هنا، بوصفه سرديةً بديلةً للسرديات الوهمية، فهو يمكن أن يكون جامعاً، دون أضرار جانبية، كما هي السرديات الجامعة الأخرى التي ثبت فشلها.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

إغراء الشعبوية إغراء الشعبوية



GMT 00:06 2025 الأربعاء ,03 أيلول / سبتمبر

استقرار واستدامة

GMT 00:01 2025 الأربعاء ,03 أيلول / سبتمبر

نسخة ليبية من «آسفين يا ريّس»!

GMT 23:59 2025 الأربعاء ,03 أيلول / سبتمبر

بضع ملاحظات عن السلاح بوصفه شريك إسرائيل في قتلنا

GMT 23:58 2025 الأربعاء ,03 أيلول / سبتمبر

ليبيا... أضاعوها ثم تعاركوا عليها

GMT 23:55 2025 الأربعاء ,03 أيلول / سبتمبر

الأديان ومكافحة العنصرية في أوروبا

GMT 23:52 2025 الأربعاء ,03 أيلول / سبتمبر

إن كنت ناسي أفكرك!!

GMT 23:49 2025 الأربعاء ,03 أيلول / سبتمبر

سوء حظ السودان

نجمات الموضة يتألقن بإطلالات صيفية منعشة تجمع بين البساطة والأنوثة

دبي - المغرب اليوم

GMT 10:25 2016 الأربعاء ,18 أيار / مايو

أمير قطر يتسلم رسالة خطية من الرئيس السوداني

GMT 18:16 2015 الخميس ,12 تشرين الثاني / نوفمبر

زيت شجرة الشاي لعلاج التهاب باطن العين

GMT 04:56 2016 الإثنين ,04 كانون الثاني / يناير

ارتفاع حركة النقل الجوي في مطارات المغرب بنسبة 1.79 %

GMT 13:04 2017 الجمعة ,06 تشرين الأول / أكتوبر

مجموعة "المغانا" تتبرأ من "تيفو" مباراة المغرب والغابون

GMT 22:00 2017 الإثنين ,09 تشرين الأول / أكتوبر

ناصيف زيتون يحي صيف النجاحات وسط حضور جماهيري حاشد

GMT 19:55 2022 الخميس ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

هبوط أسعار النفط مع تنامي مخاوف الصين من فيروس كورونا

GMT 15:06 2022 الثلاثاء ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

أرباح "مصرف المغرب" تبلغ 438 مليون درهم

GMT 12:29 2022 السبت ,07 أيار / مايو

أفضل أنواع الهايلايتر لجميع أنواع البشرة

GMT 17:41 2022 السبت ,09 إبريل / نيسان

زلزال بقوة 4,3 درجات في إقليم الدريوْش

GMT 23:50 2022 الأربعاء ,26 كانون الثاني / يناير

"ناسا" ترصد مليون دولار لمن يحل مشكلة إطعام رواد الفضاء

GMT 20:42 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

مدريد تستعد لأشد تساقط للثلوج منذ عقود

GMT 01:34 2020 الخميس ,03 كانون الأول / ديسمبر

الحكم على المودل سلمى الشيمي ومصورها

GMT 22:23 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

مُساعد جوسيب بارتوميو يظهر في انتخابات نادي برشلونة المقبلة

GMT 15:54 2020 الخميس ,29 تشرين الأول / أكتوبر

أبرز التوقعات لعودة تطبيق الحجر الصحي الكامل في المغرب

GMT 19:12 2020 الثلاثاء ,13 تشرين الأول / أكتوبر

أمن طنجة يحقق في اتهامات باغتصاب تلميذ قاصر داخل مدرسة

GMT 23:35 2020 الأحد ,13 أيلول / سبتمبر

فساتين سهرة باللون الأخضر الفاتح

GMT 23:41 2020 الأربعاء ,09 أيلول / سبتمبر

بلاغ هام من وزارة "أمزازي" بشأن التعليم عن بعد
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
RUE MOHAMED SMIHA ETG 6 APPT 602 ANG DE TOURS CASABLANCA MOROCCO
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib