زمن بين القاهرة وطهران وطرابلس

زمن بين القاهرة وطهران وطرابلس

المغرب اليوم -

زمن بين القاهرة وطهران وطرابلس

عبد الرحمن شلقم
بقلم : عبد الرحمن شلقم

التحقت بجامعة القاهرة سنة 1969. كان الرئيس جمال عبد الناصر يقود حرب الاستنزاف ضد إسرائيل. الغارات الجوية الإسرائيلية على العاصمة المصرية وعلى كل أراضي البلاد لا تتوقف. مرارة هزيمة يونيو (حزيران) 1967 الكارثية حالة اجتماعية ونفسية، تعيش في وجدان كل أبناء الشعب. لكن إرادة المواجهة ودحر الهزيمة كانا القوة الضاربة التي تملأ مشاعر الجميع. خطابات الرئيس جمال عبد الناصر تشحن المعنويات، ومعارك الاستنزاف ترفع زخم الإرادة والإصرار على هزيمة العدو. في سبتمبر (أيلول) سنة 1970، رحل الرئيس جمال عبد الناصر، وشاركتُ في جنازته المليونية الأسطورية. كانت الهتافات والبكاء وصور عبد الناصر، لوحة ناطقة بقوة أمة أبدعت نسغ الحياة، ورفع أعمدة التاريخ.

تولى أنور السادات الرئاسة، بعد القائد الذي ملأ المكان، وفاضت زعامته على دنيا العرب. شكك قريبون من السادات في دائرة الحكم المصرية العليا، في قدرته على حمل ثقل الهزيمة، وقيادة معركة التحرير. لكن السادات بدهاء السياسي، الذي عاش في ظل جمال عبد الناصر يدبج له خطابات الولاء، تمكّن من إزاحة كل المستهزئين به بضربة واحدة، وشرع في التخطيط لمعركة تحرير أرضه. قيل الكثير عن حرب السادس من أكتوبر (تشرين الأول) سنة 1973، وزيارة السادات إلى القدس، واتفاقية السلام مع إسرائيل. لكن الحقيقة التي جعلت قادة إسرائيل، يضعون أيديهم على رؤوسهم، ويفكرون في مستقبل ملغوم، ينذر بخطر وجودي، كان عبور الجيش المصري الصاعق لقناة السويس، وتحطيم خط بارليف في ساعات. لقد تغير كل شيء. بعد هزيمة الجيوش العربية في حرب يونيو 1967، قال الجنرال موشي دايان، لن تستطيع مصر أن تدخل في معركة مع إسرائيل قبل عشرين عاماً. كانت رغبة إسرائيل في السلام لا تقل، إن لم تزد على رغبة مصر. فمصر هي القوة العسكرية والسياسية الأكبر عربياً، ولها ملاءة سكانية متفوقة كثيراً على إسرائيل.

في السنة ذاتها التي وقَّعت فيها مصر اتفاقية السلام مع إسرائيل سنة 1979، شهدت المنطقة بركاناً سياسياً عنيفاً، أعاد تشكيل خريطة القوى السياسية في المنطقة. ثورة شعبية إسلامية في إيران تسقط نظام الشاه صديق إسرائيل، وتعلن دعمها للقضية الفلسطينية، وتتبنى سياسة العداء لإسرائيل. زرت طهران للمرة الأولى سنة 1981، وكنت حينها وزيراً للإعلام، رفقة الرائد عبد السلام جلود، ضمن وفد وزاري ليبي كبير. كان الرائد جلود، معارضاً بشدة لاتفاقية كامب ديفيد بين إسرائيل ومصر، واعتقد أن الثورة الإيرانية ستعيد معادلات المواجهة مع إسرائيل، بعد خروج مصر منها. ليبيا تولت تغطية كل نفقات الخميني ومرافقيه، منذ اليوم الأول لوصولهم إلى فرنسا لاجئين، وتولى التواصل معهم، المرحوم أحمد الشحاتي، مسؤول العلاقات الخارجية في الاتحاد الاشتراكي العربي بليبيا. تحمس الرائد جلود لدعم إيران عسكرياً في حربها مع العراق، في حين كان العقيد معمر القذافي أقل حماسة. توليتُ رئاسة الجانب الليبي في اللجنة المشتركة الإيرانية - الليبية، وتكررت زياراتي إلى طهران وقم. لم يكن بيننا الكثير مما يجمعنا عملياً، فقضية اختفاء الإمام موسى الصدر، فعلت فعلها في إثارة الغبار على مسار العلاقات بين البلدين. تعقيدات الوضع في لبنان، والعلاقات الليبية مع الفصائل الفلسطينية، والقوى اللبنانية المتصارعة، سبَّبت بروداً في العلاقات. الدعم العسكري الليبي لإيران، دفع الحكومة العراقية لاحتضان المعارضة الليبية، وتقديم دعم عسكري لتشاد في حربها مع ليبيا. بدأت ليبيا في التواصل مع العراق، من أجل تسوية الخلافات بين البلدين، وقاد ذلك إلى تبريد العلاقة مع إيران.

كانت تلك سنوات الصدام والتموّج، في منطقة هزّتها الحروب، وتذبذبت فيها التحالفات.

في طرابلس التي تنقلتُ فيها بين الصحافة والثقافة والسياسة، لم أغب عن مصر ولم تغب عني. زارنا في طرابلس مذيع راديو صوت العرب أحمد سعيد. قضينا أياماً في أحاديث طويلة، يتدفق التاريخ فيها وتشتعل الكلمات. له قدرة على استدعاء ما كان، ويجسّده في سرديات لها ألوانها وشجنها، بكل ما بها من مرارة. الأديب الدكتور يوسف إدريس، زارنا في طرابلس وقضينا معاً أياماً في نقاش متنوع. الدكتور يوسف له قدرة فريدة، على الطواف مرفرفاً في رحاب الهموم العربية، وكأنه يكتب في كل حركة ووقفة قصة قصيرة، تضج بالصراخ، وأبطالها لا يدركون ما يفعلون. جاء الدكتور يوسف إدريس إلى طرابلس، في مبادرة إبداعية للمصالحة بين الرئيس السادات والعقيد القذافي. لم يقابله القذافي، وعاد إلى مصر وهو كظيم.

جلسة طويلة بطرابلس مع شخصيتين مصريتين، لعبتا دوراً سياسياً وعسكرياً محورياً، في عهد عبد الناصر، هما الفريق محمد فوزي، وزير الحربية الأسبق، وسامي شرف، مدير مكتب الرئيس عبد الناصر وصندوقه الأسود. جلسات متعددة مع الفريق سعد الدين الشاذلي، رئيس أركان الجيش المصري في حرب السادس من أكتوبر. تلك الجلسات تستحق أن نخصص لها حديثاً طويلاً قادماً...

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

زمن بين القاهرة وطهران وطرابلس زمن بين القاهرة وطهران وطرابلس



GMT 00:06 2025 الأربعاء ,03 أيلول / سبتمبر

استقرار واستدامة

GMT 00:01 2025 الأربعاء ,03 أيلول / سبتمبر

نسخة ليبية من «آسفين يا ريّس»!

GMT 23:59 2025 الأربعاء ,03 أيلول / سبتمبر

بضع ملاحظات عن السلاح بوصفه شريك إسرائيل في قتلنا

GMT 23:58 2025 الأربعاء ,03 أيلول / سبتمبر

ليبيا... أضاعوها ثم تعاركوا عليها

GMT 23:55 2025 الأربعاء ,03 أيلول / سبتمبر

الأديان ومكافحة العنصرية في أوروبا

GMT 23:52 2025 الأربعاء ,03 أيلول / سبتمبر

إن كنت ناسي أفكرك!!

GMT 23:49 2025 الأربعاء ,03 أيلول / سبتمبر

سوء حظ السودان

نجمات الموضة يتألقن بإطلالات صيفية منعشة تجمع بين البساطة والأنوثة

دبي - المغرب اليوم

GMT 10:25 2016 الأربعاء ,18 أيار / مايو

أمير قطر يتسلم رسالة خطية من الرئيس السوداني

GMT 18:16 2015 الخميس ,12 تشرين الثاني / نوفمبر

زيت شجرة الشاي لعلاج التهاب باطن العين

GMT 04:56 2016 الإثنين ,04 كانون الثاني / يناير

ارتفاع حركة النقل الجوي في مطارات المغرب بنسبة 1.79 %

GMT 13:04 2017 الجمعة ,06 تشرين الأول / أكتوبر

مجموعة "المغانا" تتبرأ من "تيفو" مباراة المغرب والغابون

GMT 22:00 2017 الإثنين ,09 تشرين الأول / أكتوبر

ناصيف زيتون يحي صيف النجاحات وسط حضور جماهيري حاشد

GMT 19:55 2022 الخميس ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

هبوط أسعار النفط مع تنامي مخاوف الصين من فيروس كورونا

GMT 15:06 2022 الثلاثاء ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

أرباح "مصرف المغرب" تبلغ 438 مليون درهم

GMT 12:29 2022 السبت ,07 أيار / مايو

أفضل أنواع الهايلايتر لجميع أنواع البشرة

GMT 17:41 2022 السبت ,09 إبريل / نيسان

زلزال بقوة 4,3 درجات في إقليم الدريوْش

GMT 23:50 2022 الأربعاء ,26 كانون الثاني / يناير

"ناسا" ترصد مليون دولار لمن يحل مشكلة إطعام رواد الفضاء

GMT 20:42 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

مدريد تستعد لأشد تساقط للثلوج منذ عقود

GMT 01:34 2020 الخميس ,03 كانون الأول / ديسمبر

الحكم على المودل سلمى الشيمي ومصورها

GMT 22:23 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

مُساعد جوسيب بارتوميو يظهر في انتخابات نادي برشلونة المقبلة

GMT 15:54 2020 الخميس ,29 تشرين الأول / أكتوبر

أبرز التوقعات لعودة تطبيق الحجر الصحي الكامل في المغرب

GMT 19:12 2020 الثلاثاء ,13 تشرين الأول / أكتوبر

أمن طنجة يحقق في اتهامات باغتصاب تلميذ قاصر داخل مدرسة

GMT 23:35 2020 الأحد ,13 أيلول / سبتمبر

فساتين سهرة باللون الأخضر الفاتح

GMT 23:41 2020 الأربعاء ,09 أيلول / سبتمبر

بلاغ هام من وزارة "أمزازي" بشأن التعليم عن بعد
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
RUE MOHAMED SMIHA ETG 6 APPT 602 ANG DE TOURS CASABLANCA MOROCCO
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib