الصفقة الكبرى أو الحرب الكبرى

الصفقة الكبرى أو الحرب الكبرى

المغرب اليوم -

الصفقة الكبرى أو الحرب الكبرى

نديم قطيش
بقلم - نديم قطيش

منذ عامٍ على الأقل، خرج النزاع بين إيران وإسرائيل من حرب الظلال إلى المواجهة المباشرة. لم يعد مجرد صدام إقليمي، بل انكشافٌ عميق لصراع وجودي بين نظامين، وسط انهيار تدريجي لقواعد الردع التقليدي، وتداخل مسارات يصعب التكهن بمآلاتها:

1. مسار التصعيد المضبوط

لم تصل المواجهة إلى الحرب الشاملة المفتوحة بعدُ. ستواصل إسرائيل استهداف المنشآت النووية والعسكرية وسلاسل الإمداد، في حين تردّ طهران بضربات تلحق أكبر أذًى ممكن بالمجتمع الإسرائيلي، بافتراض أنهم ما عادوا يتحملون الحروب وكُلَفها.

تراهن إيران على أن إسرائيل لا تتحمل الاستنزاف الطويل، وتراهن إسرائيل على أن مخزون إيران الصاروخي المحدود، بين 2000 و5000 صاروخ، سيقلّص فاعلية الهجمات مع الوقت.

2. مسار الحرب المفتوحة

السيناريو الأخطر يتمثل في انزلاق مفاجئ إلى حرب شاملة، تشمل ضربات على منشآت النفط والبنى التحتية والمدن، في مواجهة بين خصمين غير حدوديين، لكنهما يملكان قدرة هائلة على التدمير.

سيستدعي تصعيد من هذا النوع تدخلاً أميركياً، ويفجّر حرباً إقليمية بكُلَف كارثية على النفط والاقتصاد العالمي. رغم غياب دلائل على نية الطرفين خوض هذه الحرب، يبقى خطر «الخطأ القاتل»، المفضي إليها، قائماً بقوة.

3. مسار التهدئة الدبلوماسية

يظل هذا المسار خياراً مطروحاً، إذا ما توفرت القوة اللازمة لتحريكه بفاعلية. بيد أن المستجدات عقّدت شروط التهدئة وهندسة التسوية التي ما عاد ممكناً أن تظل مقتصرة على «النووي»، وتتجاهل البرنامج الصاروخي ومصير الوكلاء.

يتطلب مثل هذا المسار توافقاً ثلاثياً، يشمل في الحد الأدنى كلاً من واشنطن وطهران وتل أبيب، بالشراكة مع وسيط إقليمي، بغية خفض التصعيد، والتمهيد لحل سياسي شامل. لكن دون ذلك انعدام تام للثقة، بين أطراف النزاع والمتأثرين به، وغياب مسار تفاوضي واضح بعد انهيار مسار المفاوضات النووية، وإمعان كل طرف في استغلال ما يظنه حال التأزم الداخلي للطرف الآخر، ضمن لعبة الرهانات القصوى.

بين هذه المسارات الثلاثة، يتقدم سيناريو استمرار المواجهة التي قد تشهد هدناً مؤقتة، من دون الوصول إلى حرب شاملة.

تدرك إسرائيل أن الذهاب بعيداً في تدمير منشآت النفط الإيرانية سيستدعي رداً غير مسبوق، وسيُرتب عليها ردود فعل من حلفائها، لا سيما الأميركيين، بسبب التداعيات الاقتصادية العالمية لهذا الخيار. ويقر العسكريون الإسرائيليون بحدود قدرة بلادهم على تدمير البرنامج النووي وحدهم. أما إسقاط النظام، بدل إسقاط «النووي»، فهو ما لا تستطيع إسرائيل، حتى إشعار آخر، اتخاذ القرار بشأنه وحدها. كان لافتاً في هذا السياق رفض الرئيس الأميركي دونالد ترمب الموافقة على خطة تطول المرشد علي خامنئي نفسه؛ فسلوك ترمب لا يزال محصوراً بفكرة استثمار التصعيد الراهن، لإعادة إيران إلى طاولة التفاوض من موقع أضعف.

إلى ذلك، تتوفر لإسرائيل سلة خيارات غنية لتعطيل البرنامج النووي الإيراني تدريجياً؛ من الاغتيالات الدقيقة إلى الهجمات السيبرانية والضربات الجوية المركّزة. إن هذا النوع من الحرب مرشح لتحقيق أهداف استراتيجية أفضل، ومن دون التورط في حرب تقليدية.

إيران، من جهتها، لا تستطيع تحمل حرب شاملة في ظل ظروفها الاقتصادية المتردية وخسائرها القاتلة في صفوف القيادة العسكرية والأمنية، واستنزاف مخزونها من الصواريخ، وانهيار شبكة وكلائها. ستراهن على إطالة إلحاق الأذى الاجتماعي والسياسي والاقتصادي بإسرائيل، إن تيسر لها تقنين الهجمات وإبطاء نفاد مخزونها الصاروخي، أو لو استخدمت إمكانات غير معلنة حتى اللحظة.

في ظل هذه المعادلات المعقدة، تبرز الحاجة إلى أفكار من خارج الصندوق. ليس الاشتباك بين إيران وإسرائيل صراعاً تقليدياً بين دولتين، بل منظومة نزاع مترسّخة في آيديولوجيا ثورية، وتوازنات رعب، وشبكة طويلة من الحروب بالوكالة.

وعلى هذه الحال، فإن الأولوية هي لنقل الصراع من منطق العدو الوجودي إلى منطق الخصومة السياسية، وضبط العلاقة بمعايير المصالح لا الآيديولوجيا.

المنطقة تحتاج إلى صفقة استراتيجية كبرى تعيد تعريف العلاقة بين إيران والنظام الدولي، يقوم جوهرها على فك ارتباط إيران بالملف الفلسطيني ونظرية تصدير الثورة، مقابل إعادة تأهيلها إقليمياً ودولياً بضمانات متبادلة. يُعرض على إيران تخفيف تدريجي للعقوبات، وتثبيت وضعها كقوة إقليمية مشروعة، مقابل وقف دعمها العسكري لـ«حزب الله» و«حماس» و«الحوثيين» والميليشيات العراقية، وتجميد نشاطاتها النووية الحساسة، على أن تلعب العواصم الإقليمية الرئيسية دور الضامن الإقليمي.

آن الأوان لإسقاط فكرة «المقاومة» من عقل إيران، والبحث معها في السبل التي تعينها على الخروج من مشروعها الثوري الاستنزافي، إلى منطق الدولة الطبيعية ضمن النظام العالمي.

لن تكون إيران في أي وقت قريب كاليابان الجديدة، ما بعد الحرب العالمية الثانية، لكنها يمكن أن تكون كالصين الإقليمية؛ بمعنى التخلي عن العداء العقائدي كناظم للسياسة والعلاقات، واعتماد الواقعية الاستراتيجية، من خلال إدماجها في مشاريع البنية التحتية والطاقة الإقليمية، وتشجيع التيار التكنوقراطي داخل النظام على تبني مقاربة تؤمن بالبقاء عبر التكيّف لا التصعيد.

ثمة لحظة مواتية لتحالف يجمع بين القدرة والمرونة، ويضم دول المنطقة والهند وإدارة ترمب والتيارات البراغماتية والقومية داخل النظام الإيراني التي باتت تدرك أن الثورة لم تعد مشروع بقاء، بل تهديد وجودي لفكرة الدولة.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الصفقة الكبرى أو الحرب الكبرى الصفقة الكبرى أو الحرب الكبرى



GMT 15:28 2025 الجمعة ,04 تموز / يوليو

مسلم ــ شيوعي ــ يساري

GMT 15:24 2025 الجمعة ,04 تموز / يوليو

مَن يعبر مِن حرائق الإقليم؟

GMT 15:23 2025 الجمعة ,04 تموز / يوليو

«الثنائي الشيعي» و«كوفيد ــ 26»

GMT 15:21 2025 الجمعة ,04 تموز / يوليو

قتل العلماء أو قتل القوة؟

GMT 15:20 2025 الجمعة ,04 تموز / يوليو

الغباء البشري

GMT 15:19 2025 الجمعة ,04 تموز / يوليو

صلاح ومحمود «بينج بونج»!

GMT 00:48 2016 الثلاثاء ,19 كانون الثاني / يناير

شيماء الزمزمي بطلة للمغرب في رياضة الجمباز

GMT 17:43 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

التفرد والعناد يؤديان حتماً إلى عواقب وخيمة

GMT 08:56 2019 الثلاثاء ,22 تشرين الأول / أكتوبر

تنصيب ناروهيتو إمبراطورا لليابان رسمياً

GMT 17:34 2017 الثلاثاء ,12 كانون الأول / ديسمبر

مصر تحتضن أول بطولة عربية في مضمار الدراجات «بي.إم .إكس»

GMT 08:59 2018 الإثنين ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

هيفاء وهبي تؤكد وجود الكثير من النساء الذين يفقنها جمالًا

GMT 04:17 2018 الأربعاء ,03 كانون الثاني / يناير

الدرك الملكي يحجز كمية مهمة من المواد المنظفة المزيفة

GMT 13:09 2012 الأربعاء ,27 حزيران / يونيو

اليمن: حملة توعية بالحديدة بأهمية حماية البيئة

GMT 15:36 2017 الأربعاء ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

تشييع جثمان الجنرال دوكور دارمي عبد الحق القادري
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib