تغييرات في تفاصيل المشهد

تغييرات في تفاصيل المشهد

المغرب اليوم -

تغييرات في تفاصيل المشهد

حسين شبكشي
بقلم - حسين شبكشي

يقول الفيلسوف الصيني الشهير لاوتسيه، إن «تراكم التفاصيل الصغيرة يبني الحدث الكبير»، ولذلك ليس مستغرباً ضرورة الاهتمام والانتباه والالتفات إلى التفاصيل الصغيرة وعدم الاستهتار بها. وأمام أعيننا تحصل هذه الأيام مجموعة غير بسيطة من التفاصيل الصغيرة (غير المرتبطة ببعضها حتى الآن)، لكنها تستحق التوقف عندها والتأمل.

رئيس أميركي منتخب جديد يشكل وجوه إدارته القادمة بأسماء غير تقليدية، أهم صفاتها هي الولاء المطلق لدونالد ترمب وانحياز هائل لإسرائيل. أسماء صادمة في مؤهلاتها وكفاءاتها وخلفياتها صدمت إدارات الأجهزة الحكومية المختلفة المعنية والحلفاء والأصدقاء قبل الخصوم والأعداء.

ألمانيا، قلب أوروبا وعماد القارة العجوز الصناعي، تعاني اقتصادياً مرَّ المعاناة، فها هي عملاق صناعة السيارات شركة «فولكس فاغن» تئن وتنزف وتضطر إلى تسريح الآلاف من الموظفين والعمال وإغلاق بعض مصانعها، بسبب تداعي وتراجع أحجام البيع وهي في ورطة شديدة بسبب عدم قدرتها على خفض تكاليف الإنتاج، بسبب إجبارها على شراء الواردات من شركات محلية لم تعد قادرة على المنافسة سعرياً وتجبرها على الاستمرار في ذلك حكومة المقاطعة التي تمتلك 20 في المائة من أسهم «فولكس فاغن»، بالإضافة إلى قيود مكبلة فرضتها نقابات عمال مصانع السيارات عليها تصعب من مهمة تخفيض التكاليف. وما ينطبق على «فولكس فاغن» ينسحب أيضاً على شركات عملاقة ومهمة أخرى مثل «دايملر بنز» صاحبة علامة «مرسيدس» الشهيرة هي الأخرى تئن وتتألم وانخفضت معدلات البيع إلى مستويات مقلقة تراقبها من كثب وباهتمام بالغ شركة «جيلي» الصينية للسيارات، وهي أكبر مساهم فيها، تنتهز الفرصة للدخول منقذاً وضخ مزيد من الأموال لرفع حصتها في الشركة. ولا يقتصر الوضع السلبي على قطاع السيارات فحسب، ولكن يطول قطاعات أخرى أيضاً مثل القطاع المصرفي الذي شهد على محاولة استحواذ من قبل البنك الإيطالي «يوني كريدت» بحق البنك الألماني الكبير «كوميرز بنك»، وكان ذلك بمثابة الصدمة المؤلمة للاقتصاد الألماني برمته. مع عدم إغفال رمزية خسارة شركة «أديداس» الألمانية العملاقة حقوق ارتداء الزي الرسمي للمنتخب الألماني لكرة القدم لأول مرة في التاريخ لصالح شركة «نايكي» الأميركية ومنافستها اللدودة، مما اعتبر أشبه بالصفعة القوية.

وقال وزير الاقتصاد الألماني روبرت هابيان إن الظروف الاقتصادية لبلده «غير مرضية» بعد خفض التوقعات الرسمية من نمو نسبته 0.3 في المائة إلى انكماش بنسبة 0.2 في المائة، ويأتي ذلك في أعقاب انخفاض الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 0.3 في المائة في العام الماضي، مما يعني أن ألمانيا تواجه أول ركود لمدة عامين منذ أكثر من 20 عاماً. وإذا كان هذا وضع ألمانيا أكبر اقتصاد مؤثر على سائر القارة الأوروبية فتخيل وضع باقي دول أوروبا والأثر المنتظر عليهم.

في الشرق الأوسط تتواصل حرب الإبادة الإسرائيلية الممنهجة بحق الفلسطينيين في غزة، بالإضافة إلى الاعتداءات المستمرة ضد لبنان وسقوط العشرات من القتلى بشكل يومي جراء العدوان الإسرائيلي، في خضم كل ذلك أصدرت المحكمة الجنائية الدولية مذكرتي اعتقال بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير دفاعه السابق يوآف غالانت بسبب اتهامهما بارتكاب جرائم حرب. ومنذ صدور مذكرة الاعتقال، قام نتنياهو بسلسلة من الاعتداءات الهائلة بحق غزة ولبنان أدَّت إلى مجازر جديدة مرسلاً رسالة واضحة بأنه ليس مهتماً على الإطلاق بوقف إطلاق النار في لبنان أو صفقة إطلاق رهائن في غزة.

الصين استغلت حالة التيه التي تمر بها حالياً إدارة بايدن بسبب قرب انتهاء ولايته وخسارة نائبته أمام دونالد ترمب، وعززت من حضورها المهم في قارة أميركا الجنوبية تماماً كما فعلت من قبل في القارة الأفريقية لتوسيع رقعة نفوذها الاقتصادي تحسباً لموجة من الرسوم التي سيعلنها دونالد ترمب ضد الصين، بعد وصوله إلى سدة الحكم، ممَّا يعني أن الحرب الباردة بين الصين والولايات المتحدة ستتحول إلى حرب اقتصادية ساخنة جداً.

وطبعاً لا يمكن إغفال السخونة المزدادة مؤخراً في الحرب الروسية - الأوكرانية باستخدام أوكرانيا صواريخَ أميركية متطورة جداً لضرب العمق الروسي بها، في سابقة خطيرة للغاية تحصل لأول مرة، وكذلك وجود آلاف من الجنود القادمين من كوريا الشمالية لمشاركة الروس عسكرياً في الحرب، وكذلك تغيير العقيدة النووية الروسية وإطلاق صاروخ باليستي روسي جديد وخطير جداً. كل ذلك يشي بأنَّ الحرب جاهزة لأن تصبح حرباً عالمية ثالثة ومدمرة في غمضة عين.

كل هذه النقاط غير المترابطة هي تفاصيل صغيرة تسهم بالتدريج في تشكيل مشهد جديد ومهم، مشهد يصفه علماء السياسة بأنَّه «العاصفة النموذجية» التي تتكون فيها وبنجاح كل العناصر. هذا تحديداً ما ستواجهه إدارة الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب المثيرة للجدل بعد أقل من شهرين، وهي مسألة تجعل الناس تضع يدها على قلوبها، وهي تراقب تطور الأحداث وربط النقاط بعضها ببعض حتى تكتمل الصورة مشكّلة المشهد الكبير الجديد.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

تغييرات في تفاصيل المشهد تغييرات في تفاصيل المشهد



GMT 15:28 2025 الجمعة ,04 تموز / يوليو

مسلم ــ شيوعي ــ يساري

GMT 15:24 2025 الجمعة ,04 تموز / يوليو

مَن يعبر مِن حرائق الإقليم؟

GMT 15:23 2025 الجمعة ,04 تموز / يوليو

«الثنائي الشيعي» و«كوفيد ــ 26»

GMT 15:21 2025 الجمعة ,04 تموز / يوليو

قتل العلماء أو قتل القوة؟

GMT 15:20 2025 الجمعة ,04 تموز / يوليو

الغباء البشري

GMT 15:19 2025 الجمعة ,04 تموز / يوليو

صلاح ومحمود «بينج بونج»!

GMT 00:48 2016 الثلاثاء ,19 كانون الثاني / يناير

شيماء الزمزمي بطلة للمغرب في رياضة الجمباز

GMT 17:43 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

التفرد والعناد يؤديان حتماً إلى عواقب وخيمة

GMT 08:56 2019 الثلاثاء ,22 تشرين الأول / أكتوبر

تنصيب ناروهيتو إمبراطورا لليابان رسمياً

GMT 17:34 2017 الثلاثاء ,12 كانون الأول / ديسمبر

مصر تحتضن أول بطولة عربية في مضمار الدراجات «بي.إم .إكس»

GMT 08:59 2018 الإثنين ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

هيفاء وهبي تؤكد وجود الكثير من النساء الذين يفقنها جمالًا

GMT 04:17 2018 الأربعاء ,03 كانون الثاني / يناير

الدرك الملكي يحجز كمية مهمة من المواد المنظفة المزيفة

GMT 13:09 2012 الأربعاء ,27 حزيران / يونيو

اليمن: حملة توعية بالحديدة بأهمية حماية البيئة

GMT 15:36 2017 الأربعاء ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

تشييع جثمان الجنرال دوكور دارمي عبد الحق القادري
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib