متى يتعلم اليمين الإسرائيلي الدرس

متى يتعلم اليمين الإسرائيلي الدرس؟

المغرب اليوم -

متى يتعلم اليمين الإسرائيلي الدرس

إميل أمين
بقلم - إميل أمين

الآن وبعد أن صمت دوي الصواريخ وهجمات الطائرات المتبادلة، بين طهران وتل أبيب، هل من نتيجة مؤكدة ينبغي أن يخلص إليها اليمين الإسرائيلي، الذي أدمن أوهام القوة العسكرية، من دون أن يفكر عميقاً في معنى ومبنى السلام؟

يحيد يمين الحرب عن فهم معنى «الشالوم» دينياً وإيمانياً، ومن منطلق توراتي، ما يعني أن هناك من يتلاعب بالمقدرات الروحية، ويسخرها لصالح أهداف سياسية ضيقة.

تعني كلمة «شالوم» الطمأنينة والأمان، لكن من الجلي أنه يتعذر الحصول عليهما من دون عدالة ترد الحقوق لأصحابها، وصدق مع الذات، لا يتخذ من المناجل والسيوف أدوات للعيش.

لثمانية عقود، لم تتعرَّض المدن الإسرائيلية لقصفات جوية مؤثرة، كما تعرضت الأسبوعين الماضيين، وعليه فإن السؤال المطروح على مائدة النقاش: ما الذي خلفته الصواريخ الإيرانية؟

صباح الرابع والعشرين من يونيو (حزيران) الحالي، كتب الصحافي الإسرائيلي أورن زيف، يقول: «سواء صمد وقف إطلاق النار أم لا، فإنه يحق لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو أن ينسب لنفسه إنجازاً رئيسياً واحداً، وهو تحطيم شعور الإسرائيليين بالحصانة».

مثيرة هي الأقدار التي خُلقت في الداخل الإسرائيلي، مشاهد مطابقة لما تابعه العالم من مآسٍ في غزة. الناس الفارون بملابس النوم مع أطفالهم، وممتلكاتُهم بين أيديهم، الرعبُ والذعر في عيونهم، والخوف على محياهم، والتكدس في الملاجئ تحت الأرض، هذا رغم الرقابة الذاتية المشددة التي قمعت، إلى حد كبير، وسائل الإعلام الغربية والشرقية ومنعتها عن نقل الصورة كاملة.

والشاهد أن هذه الحرب التي أودت بحياة نحو ثلاثين شخصاً إسرائيلياً، جعلت الآلاف من الإسرائيليين، خصوصاً في تل أبيب وضواحيها، يشعرون بخوف حقيقي على حياتهم، كما أن غالبيتهم رسخ يقينهم بأن القبة الحديدية لن تفلح في توفير الأمان المطلق.

منذ استيلائها على الأراضي الفلسطينية، لم تعرف إسرائيل أو تذق معنى الطمأنينة، أو تهنأ بالسلام الباطني والخارجي معاً، سواء من جراء الحروب الكبرى من الدول المجاورة، أو بسبب إطلاق النار والطعن، والانتفاضات، وجولات القتال مع «حماس» و«حزب الله».

غير أن هذه المرة بدا الأمر مختلفاً، إذ لم يعد مجرد قلق وجودي، كما هي الحال دوماً، بل أضحى خوفاً شخصياً آنياً، خصوصاً بعد أن شعر الجميع أن الموت بات حاضراً في قلب البلاد، والشعور به قريب جداً، في صوت انفجار صاروخي، أو تحت ركام الدمار الذي تخلفه الضربات التي لم تُعترَض.

هل أدرك اليمين الإسرائيلي المتطرف، أن الحياة عبر العداء للآخر، من مآلاتها موتٌ مشابه؟

الثابت أن ما كان يمكن قمعه أو إدارته سابقاً من خلال مظاهر الروتين، أصبح الآن يتطلب مواجهة مباشرة. إن القتل وتدمير المنازل وتعطيل الحياة اليومية، كلها تشير إلى نتيجة وأجندة واحدة. نتيجةٌ مفادها أن إسرائيل لم تعد مكاناً صالحاً للعيش الإنساني؛ الأصلُ فيه السلام، والاستثناء هو الحرب.

أثبتت الهجمات الصاروخية الإيرانية، أن إسرائيل لا تتمتع بالحصانة المطلقة، حتى وإن تدرعت بمنظومات «باتريوت» و«ثاد» و«حيتس» الصاروخية المضادة، ولهذا كان من الطبيعي للغاية أن يتسرب الخوف والقلق والسخط، عبر النفوس، ويدفع ذلك الكثيرين إلى التفكير في الهجرة العكسية، عبر المنافذ البرية، ومنها إلى الدول التي يحملون جنسياتها، الأمر الذي يعد بالنسبة إلى إسرائيل، خسارة أشد هولاً.

متى تنفتح أعين اليمين الإسرائيلي على الحقيقة المُرَّة، وهي أن ما يهدد الدولة العبرية، في حقيقة الحال، ليست إيران ولا «حماس»، لكن غطرستها، وهو ما تقرره الناشطة اليسارية الإسرائيلية، أورلي نُويْ، قبل بضعة أيام.

نُويْ تعتبر أنه على مدى نحو 80 عاماً، أثبتت انتصارات الجيش الإسرائيلي العسكرية، أنها انتصارات مزعومة باهظة الثمن... لماذا؟

باختصار، لأن كلَّ انتصارٍ يدفعُ إسرائيلَ إلى هوة أعمق من العزلة والتهديد والكراهية. خلقت نكبة سنة 1948 أزمة لاجئين لا تزال حاضرة ولو أدبياً وقانونياً، ومهدت الطريق لنظام الفصل العنصري القائم حتى الساعة، وأدى انتصار سنة 1967 إلى احتلال لا يزال يغذي المقاومة الفلسطينية، وأدخل إسرائيل في دائرة انكسار حرب أكتوبر (تشرين الأول) 1973، بينما عملية 7 أكتوبر سنة 2023، تحولت إلى إبادة جماعية جعلت إسرائيل دولة منبوذة عالمياً.

«الأمة التي تستعرض عضلاتها خمسين عاماً ستتعب في النهاية»، هكذا خبر إسحق رابين النائب اليساري السابق يوسي ساريد.

أدرك رابين أن العيش إلى الأبد بحد السيف، على عكس وعد نتنياهو المرعب، ليس خياراً قابلاً للتطبيق. الغطرسة العمياء لن تقود اليمين الإسرائيلي إلى الحياة... السلام أنفع وأرفع من الحرب.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

متى يتعلم اليمين الإسرائيلي الدرس متى يتعلم اليمين الإسرائيلي الدرس



GMT 15:28 2025 الجمعة ,04 تموز / يوليو

مسلم ــ شيوعي ــ يساري

GMT 15:24 2025 الجمعة ,04 تموز / يوليو

مَن يعبر مِن حرائق الإقليم؟

GMT 15:23 2025 الجمعة ,04 تموز / يوليو

«الثنائي الشيعي» و«كوفيد ــ 26»

GMT 15:21 2025 الجمعة ,04 تموز / يوليو

قتل العلماء أو قتل القوة؟

GMT 15:20 2025 الجمعة ,04 تموز / يوليو

الغباء البشري

GMT 15:19 2025 الجمعة ,04 تموز / يوليو

صلاح ومحمود «بينج بونج»!

GMT 00:48 2016 الثلاثاء ,19 كانون الثاني / يناير

شيماء الزمزمي بطلة للمغرب في رياضة الجمباز

GMT 17:43 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

التفرد والعناد يؤديان حتماً إلى عواقب وخيمة

GMT 08:56 2019 الثلاثاء ,22 تشرين الأول / أكتوبر

تنصيب ناروهيتو إمبراطورا لليابان رسمياً

GMT 17:34 2017 الثلاثاء ,12 كانون الأول / ديسمبر

مصر تحتضن أول بطولة عربية في مضمار الدراجات «بي.إم .إكس»

GMT 08:59 2018 الإثنين ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

هيفاء وهبي تؤكد وجود الكثير من النساء الذين يفقنها جمالًا

GMT 04:17 2018 الأربعاء ,03 كانون الثاني / يناير

الدرك الملكي يحجز كمية مهمة من المواد المنظفة المزيفة

GMT 13:09 2012 الأربعاء ,27 حزيران / يونيو

اليمن: حملة توعية بالحديدة بأهمية حماية البيئة

GMT 15:36 2017 الأربعاء ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

تشييع جثمان الجنرال دوكور دارمي عبد الحق القادري
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib