زيارة ترمب

زيارة ترمب!

المغرب اليوم -

زيارة ترمب

عبد المنعم سعيد
بقلم - عبد المنعم سعيد

الجيل الذي شهد الستينات من القرن الماضي، سوف يتذكَّر فيلم «الزيارة» (1964)، حيث كان من أفلام «فوكس» للقرن العشرين التي لا تُنسى، وتقاسمت بطولته الحسناء إنغريد بيرغمان وأنتوني كوين، وأخرجه بيرنارد ويكي. القصة قامت على زيارة سيدة بالغة الحُسن (كارلا) قريةً أوروبيةً جارَ عليها الزمان، وعرضتْ على أهلها صفقةً قوامها تخليص القرية من كل أمراضها فتكون غنيةً وراضيةً، مقابل قتل أحد رجالها (سيرغي ميللر) الذي أنكر بنوة ابنها منه. في بداية الأمر تردَّدت القرية، وتدريجياً ظهرت علامات القبول، وبات ناسها على استعداد لتصحيح خطأ تاريخي، وأكثر من ذلك كان الخروج الكبير لمنع الرجل الذي بات مجرماً من الهرب. السيدة أعلنت عفوها عن الرجل، وفي الوقت نفسه أدانت القرية التي سكتت عن الجريمة، وباتت على استعداد لانتهاك العدالة مقابل المال. قصة الفيلم كانت مأخوذة عن مسرحية فريدريك دورينمات «زيارة السيدة العجوز» (1956) التي كانت فيها الخطوط الرئيسية في الفيلم، وعمدت إلى استكشاف الجوانب المظلمة في الطبيعة الإنسانية التي تجعل الحياة يُشترى فيها كل شيء بالمال. العمل الفني والأدبي تجاوز النص المسرحي والسيناريو إلى التفسير السياسي الذي أعاد تركيب الأحداث، لكي تجعل الهبوط الأميركي على أوروبا خلال الحرب العالمية الثانية، و«مشروع مارشال» لبناء القارة بعد دمار الحرب، بمثابة الزيارة التي كشفت كثيراً من الذنوب الأوروبية.

هذه «الزيارة» المسرحية، وتفسيرها السياسي، كثيراً ما ألحَّا على الذهن كلما جاء وقت زيارة رئيس أميركي سواء إلى أوروبا، أو إلى منطقتنا. وزاد هذا الإلحاح خلال قيادة الرئيس الأميركي دونالد ترمب، سواء خلال فترة رئاسته الأولى، وبالتأكيد خلال رئاسته الثانية، والتي سوف يستهلها بزيارة المملكة العربية السعودية، والإمارات العربية المتحدة، وقطر، ومن الجائز - كما يُشاع - حضور أطراف عربية أخرى مضافة لدول مجلس التعاون الخليجي. أياً ما كان أمر الحاضرين فإن مشهد زيارة الرئيس الأميركي يقرُّ بحالة «السيدة العجوز» في الانتشاء بقوتها ومالها وسلطتها على العالمين؛ أصدقاء وحلفاء، قبل الأعداء والخصوم. لا تغيب عن خلفية الزيارة هذه المرة ممارسات أميركية مثيرة للجدل، من الموقف من القتل الجماعي والتطهير العرقي في حرب غزة الخامسة، مروراً بمطالبة مصر والأردن بقبول لجوء أهل غزة والضفة الغربية، إلى المطالبة بحق المرور المجاني في قناة السويس المصرية مقابل الحرب التي تشنُّها واشنطن على الحوثيين في اليمن. الفارق بين «السيدة العجوز» التي أعطت أوروبا «مشروع مارشال» مقابل «العدالة» وترمب أنه هذه المرة لا يقدم مالاً ولا سلاماً.

ولو أن الدراما والتراجيديا تسريان في مشاهد «الزيارة» فإن المعادلة معها الآن تقطع بأن طالب العدالة يقع على الجانب العربي وليس القادم الأميركي. الشاهد على ما قبل الزيارة تقارب كبير بين الدول العربية الرئيسية؛ وما الجهد المصري - السعودي أمام محكمة العدل الدولية إلا إقامة للحد الأخلاقي والاستراتيجي على دولة لم تحترم أياً منهما لإقامة العدل وتحقيق استقرار إقليمي دائم. الولايات المتحدة في ذلك تحتاج إلى كلام صريح يستمع له ترمب، أن المنطقة تتطلب أمرين: أولهما استمرار النهضة الجارية في دول عربية رئيسية آلت على نفسها أن تكون «أوروبا» العصر الجديد، واستمرار السعي الحادث في دول عربية لبناء نفسها وتنمية أجيالها الجديدة على ثقافة وحضارة تقومان على السلام والتعاون مع الجميع. الولايات المتحدة هنا أمامها فرص كثيرة لا تأتيها بالعجرفة الإمبريالية وإنما بالفلسفة التي يتبناها ترمب، القائمة على الصفقات (Transactionalism)، التي تقوم على تبادل المنافع وفتح الأسواق تحت ظلال السلام والتنمية. وعلى عكس كثير من العلاقات بين الولايات المتحدة مع حلفائها في أوروبا وخصومها في الصين وآسيا، فإن المنطقة لا تحقق فائضاً من العلاقات التجارية والاقتصادية مع الولايات المتحدة التي تحقق عجزاً مع بقية العالم. الشرق الأوسط الجديد، هو صناعة عربية، يعرف جيداً أن للحروب أثماناً باهظة، والتجارب الإقليمية تشهد بأن إحلال السلام هو الطريق الأمثل لتسوية صراعات تاريخية، واستيعاب أقليات مجتهدة في دول وطنية صاعدة.

 

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

زيارة ترمب زيارة ترمب



GMT 00:06 2025 الأربعاء ,03 أيلول / سبتمبر

استقرار واستدامة

GMT 00:01 2025 الأربعاء ,03 أيلول / سبتمبر

نسخة ليبية من «آسفين يا ريّس»!

GMT 23:59 2025 الأربعاء ,03 أيلول / سبتمبر

بضع ملاحظات عن السلاح بوصفه شريك إسرائيل في قتلنا

GMT 23:58 2025 الأربعاء ,03 أيلول / سبتمبر

ليبيا... أضاعوها ثم تعاركوا عليها

GMT 23:55 2025 الأربعاء ,03 أيلول / سبتمبر

الأديان ومكافحة العنصرية في أوروبا

GMT 23:52 2025 الأربعاء ,03 أيلول / سبتمبر

إن كنت ناسي أفكرك!!

GMT 23:49 2025 الأربعاء ,03 أيلول / سبتمبر

سوء حظ السودان

ليلى أحمد زاهر تلهم الفتيات بإطلالاتها الراقية ولمساتها الأنثوية

القاهرة ـ المغرب اليوم

GMT 23:23 2025 الأربعاء ,03 أيلول / سبتمبر

بوتين يبدي استعدادا للقاء زيلينسكي في موسكو
المغرب اليوم - بوتين يبدي استعدادا للقاء زيلينسكي في موسكو

GMT 12:38 2020 الجمعة ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

تركز الأضواء على إنجازاتك ونوعية عطائك

GMT 22:26 2019 الخميس ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

عبيابة يشارك المغربية للإعلاميين الرياضيين أمسية العرفان

GMT 10:10 2019 الأربعاء ,29 أيار / مايو

السرعة وغياب التشوير وراء حادث سير في تطوان

GMT 20:45 2018 الثلاثاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

اختتام برنامج تعريفي لاستكمال الدراسات العليا في أميركا

GMT 02:07 2017 السبت ,09 كانون الأول / ديسمبر

انتهاء ريهام عبدالغفور من تصوير مشاهدها في "سوق الجمعة"

GMT 01:51 2017 الإثنين ,06 شباط / فبراير

الروائية إليف شفق تؤكّد أنها لا تؤمن بالأبطال
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
RUE MOHAMED SMIHA ETG 6 APPT 602 ANG DE TOURS CASABLANCA MOROCCO
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib