بقلم - سليمان جودة
أظن أن إيران لم تُفاجأ بالضربة الأمريكية التى استهدفت ثلاث منشآت نووية، وأظن أنها كانت تتوقعها وتتحسب لها، والسبب أن عندها سابقة قريبة لا يزال دمها ساخنًا لم يبرد بعد.
فالرئيس الأمريكى كان قد أطلق مفاوضات أمريكية إيرانية قبل شهرين تقريبًا، وكانت المفاوضات قد وصلت جلستها الخامسة بين مسقط وروما، وكانت تتأهب للذهاب إلى الجلسة السادسة، وكان ترامب يتحدث عن تفاؤله بما يتم.
وفى لحظة تبين أن هذا كله خداع فى خداع، ولم يكن هناك ما هو أدل على الخداع الأمريكى، إلا أن الجلسة السادسة كان موعدها ١٥ من هذا الشهر فى مسقط، فإذا بإسرائيل تضرب إيران فى يوم ١٣ من الشهر!.. وكان هذا كافيًا فى حد ذاته ليعرف الإيرانيون أنهم يتعاملون مع رئيس أمريكى يقول الشىء ويفعل عكسه!.. والقصة بين الإيرانيين والأمريكيين قديمة، وفيها من الدروس المتراكمة فى التعامل ما لا بد أن حكومة المرشد فى طهران تعيها وتدركها.
وعندما تكلم ترامب- قبل أيام- عن أن أمامه أسبوعين لاتخاذ قرار تجاه إيران، بدا الأمر خارج العقل والمنطق، لأنه لا يوجد طرف فى أى حرب يقول للطرف الآخر إنه سيضربه بعد أسبوعين، ولذلك، كانت حكاية الأسبوعين قريبة من حكاية المفاوضات التى لم تكن أكثر من ستار خادع يخفى وراءه رغبة مُبيتة فى شىء آخر!.
الغريب أن تجد بيننا مَنْ يدهشه هذا المسلك المُخادع من جانب ترامب، رغم أننا نعرف أن الحرب خدعة، وأنه لا يوجد محارب يكشف عما سوف يفعله.. لا يوجد.. وإلا فقدت الحرب الفكرة الأساسية فيها. أما على الجانبين الأمريكى والإسرائيلى، فكلاهما يعرف أن المشروع النووى الإيرانى قديم من أيام الشاه، وأن الخمينى لما جاء أخذه وراح يبنى على ما تم فيه، ومن الخمينى أخذه خامنئى ومضى يُكمل الطريق. والمعنى أنه مشروع إيرانى لا يخص حكومة بعينها فى طهران، ولا فرق فيه بين نظام الشاه ونظام الثورة الإيرانية رغم أنهما خصمان.
المشروع النووى الإيرانى انتقل من مشروع سُلطة إلى مشروع شعب، وهذا ما لا يدركه الأمريكيون والإسرائيليون، أو أنهم يدركونه ثم يتجاهلون ذلك، ولكن النتيجة واحدة من حيث استمرارية المشروع إلى أن يصل غايته الأخيرة.