الصراع في سوريا صراع على سوريا

الصراع في سوريا... صراع على سوريا

المغرب اليوم -

الصراع في سوريا صراع على سوريا

إياد أبو شقرا
بقلم : إياد أبو شقرا

المحافظة على النصر أصعب، في كثير من الأحيان، من تحقيقه.

هذا أمر مفهوم، فكيف إذا كانت هناك أطراف حريصة على تغيير ما حصل في سوريا قبل بضعة أشهر؟

لقد بوغتت هذه الأطراف بسرعة التطورات، وعلى رأسها انهيار المنظومة الأمنية في كبريات المدن السورية مدينة بعد أخرى. إلا أن كل مَن يعرف طبيعة النسيج المجتمعي السوري كان يقرّ بأن غير جهة، داخلية أو خارجية، لم تقل كلمتها النهائية بعد!

ليست حالة عابرة... تركة 54 سنة من القبضة الأمنية، و«الدولة العميقة»، وغسل الأدمغة الممنهج، وبناء شبكات مصالح و«تقاطعات تخادمية» عابرة للحدود!

من جهة ثانية، سوريا - كما يتكرّر دائماً - ليست جزيرة نائية. إنها قلب الشرق الأوسط، الذي هو قلب العالم.

سوريا مهد تراكمات حضارية وثقافية ودينية، وعقدة طرق تجارية وعسكرية، ونافذة غربية على الشرق، وبوابة شرقية على الغرب.

صدّرت الحَرْف، وانطلقت منها الديانات لتنتشر في العالم، وخرج منها أباطرة وأطعمت خيرات أرضها الإمبراطوريات.

وتفاعلت مع معظم الأحداث الكبرى التي حدّدت مصير البشرية من الفتح الإسلامي فالحروب الصليبية فتتابع الدول المشرقية - وآخرها السلطنة العثمانية - ووصولاً إلى النظام العالمي المؤسّس بعد الحرب العالمية الأولى. لكن ذلك النظام أثمر في منطقتنا: واقع التجزئة (التقسيم) الذي كانت محطته الأولى «سايكس-بيكو»، ومحطته الثانية «إعلان بلفور». وكما نرى ما زلنا نعيش تداعيات هاتين المحطتين.

في هذه اللحظات المحمومة تعيش سوريا، بحدودها الحالية، تجربة صعبة كان كثيرون يتوقعونها.

بدايةً، تلاشى عنصر المباغتة الذي ساعد على إسقاط نظام الأسد وراعيه الإقليمي نظام «الولي الفقيه» الإيراني. وهكذا، التقطت طهران أنفاسها وعجّلت في الانتقام من التغيير السوري لجملة أسباب، أبرزها الإثبات أنها لا تزال لاعباً إقليمياً فاعلاً، بعد الضربة الإسرائيلية القاسية لها في لبنان. وهي ضربة جاءت بهدف «خفض سقف» الطمع الإيراني بهيمنة إقليمية تأتي على حساب «ضلعي المثلث» الكبيرين الآخرين: إسرائيل وتركيا.

وهنا لا بد من التذكير مجدداً أن لا مصلحة لا لتل أبيب ولا لواشنطن بالقضاء على نظام طهران، لأسباب معروفة، وعبر تدميره الوحدة الفلسطينية والمقاومة الفلسطينية، وإفشاله «مشروع الدولة» في لبنان.

ثانياً، لم تنسَ إسرائيل في أي لحظة من اللحظات أولوياتها «الجيو-سياسية»، التي يبرز في مقدمها الحلم التوراتي القديم «من الفرات إلى النيل». ذلك الحلم الذي يطلق العنان لغلاة التوراتيين والعنصريين ودعاة «الترانسفير» كي يفرضوا مشيئتهم على منطقة مُنهكة ومرتبكة وضائعة.

في هذا السياق كان لا بد من استثمار الانقسام الفلسطيني الذي سهّله نظام طهران ورعاه، والتوجّه منه للمباشرة في تهجير فلسطينيي غزة ثم الضفة الغربية. ومَن يدري إذا كان «فلسطينيو 1948» سيظلون في منأىً عن التهجير... طالما كان في البيت الأبيض من هو على استعداد ليس فقط «للتوقيع على بياض»، بل الذهاب أبعد من ذلك، عبر تعيينات سياسية ودبلوماسية أميركية تسهّل تقسيم المنطقة وتفتيتها؟!

يضاف إلى ما سبق أن سوريا كانت دائماً في قلب الاعتبارات التوسّعية الإسرائيلية، وكانت الفسيفساء السورية عامل جذب لطالما راهن التوسعيون الإسرائيليون على استغلاله. ومنذ فترة غير قصيرة حرصت تل أبيب على استثمار كل الشكوك والمخاوف لإقناع ضِعاف النفوس في سوريا ولبنان بالحاجة إلى حمايتهم من شركائهم في الوطن والهوية والمصير.

وبالتالي، لئن كانت إيران - ذات العلاقة المتينة والطويلة مع نظام الأسد - قد قادت محاولة إجهاض التغيير السوري في منطقة الساحل (محافظتا اللاذقية وطرطوس) محرّكة المخاوف المذهبية العلوية، فإن إسرائيل تولّت المبادرة في منطقة الجنوب السوري (محافظات القنيطرة ودرعا والسويداء) مستخدمة ورقة الموحّدين الدروز، منطلقة من العلاقات القديمة داخل مؤسستهم الدينية قبل تأسيس الكيان الإسرائيلي عام 1948. وطبعاً، سهّل لإسرائيل مهمتها تذكيرها أزلامها بمجزرة «جبهة النصرة» في بلدة قلب لوزة بمحافظة إدلب عام 2015، ثم هجوم «داعش» على شرق محافظة السويداء عام 2018.

وأخيراً، هناك المشروع الانفصالي الكردي في محافظات شرق الفرات، حيث توجد مصالح نفطية وجيو-سياسية أميركية كبيرة، و«نكايات» تنافسية بين إيران وتركيا. وما لا شك فيه، أنه كلما ضعفت السلطة المركزية السورية ازدادت شهية الانفصاليين الأكراد الرافضين لعروبة سوريا ووحدتها، والمستعدين للتعاون حتى مع الشيطان من أجل تحقيق هذا الهدف...

كل ما ورد أعلاه، باعتقادي، تعي الإدارة السورية الحالية أبعاده الخطيرة. إلا أن الخطوات التي تحققت حتى الآن على الأرض - رغم النيات الطيبة غير المشكوك فيها - جاءت دون ما هو مطلوب.

لقد تأخر الانتقال الضروري جداً من منطق «النضال المسلح» إلى منطق «الدولة». وما زالت هيمنة اللون الواحد تطغى، للأسف، على الاعتبارات والتعيينات وتبرير الأخطاء.

ثم إنه بسبب بشاعة تركة السنوات الـ54 الأخيرة، فإن الحاضنة الشعبية السورية نفسها... تبدو أحياناً راضية بالسكوت عن التجاوزات، ومتحمسة للدفاع عمّا لا يجوز الدفاع عنه إنسانياً وسياسياً، ولا سيما أن الحكم السوري باقٍ تحت المجهر الدولي، ناهيك من كونه عرضة للتآمر الإقليمي.

إن ما حصل من تجاوزات في الساحل، وما يخشى منه البعض - ومنهم مشبوهون - في الجنوب، مرفوض لأنه يسوغ الفوضى ويبرّر التآمر، في حين أن المطلوب، وبإلحاح، «العدالة الانتقالية»... لا «العدالة الانتقامية»!

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الصراع في سوريا صراع على سوريا الصراع في سوريا صراع على سوريا



GMT 14:43 2025 الأحد ,26 تشرين الأول / أكتوبر

سوريا الأستاذ وديع

GMT 14:41 2025 السبت ,25 تشرين الأول / أكتوبر

في حب الصحراء: شريان الحياة

GMT 14:38 2025 الأحد ,26 تشرين الأول / أكتوبر

الرئيس والممسحة

GMT 14:33 2025 الأحد ,26 تشرين الأول / أكتوبر

السلاح... أو حين يكون المكسب صفراً والهزيمة مطلقة

GMT 14:28 2025 الأحد ,26 تشرين الأول / أكتوبر

من سيلحق بكندا... في «التعامل بالمثل» مع ترمب؟

GMT 14:24 2025 الأحد ,26 تشرين الأول / أكتوبر

ترمب وخصومه في «حيْصَ بيْص»

GMT 14:23 2025 السبت ,25 تشرين الأول / أكتوبر

سموتريتش وحقد الجِمال

GMT 14:19 2025 السبت ,25 تشرين الأول / أكتوبر

القطبية الصينية ومسار «عالم الغابة»

رحمة رياض تتألق بإطلالات متنوعة تجمع بين الأناقة والجرأة

الرياض - المغرب اليوم

GMT 16:43 2025 الثلاثاء ,28 تشرين الأول / أكتوبر

منع دخول مغاربة إلى تونس يثير موجة شكاوى واستياء
المغرب اليوم - منع دخول مغاربة إلى تونس يثير موجة شكاوى واستياء

GMT 11:40 2025 الثلاثاء ,28 تشرين الأول / أكتوبر

تصميمات رخامية تُعيد إحياء الحمّامات الرومانية في قلب بيروت
المغرب اليوم - تصميمات رخامية تُعيد إحياء الحمّامات الرومانية في قلب بيروت

GMT 19:13 2025 الأربعاء ,29 تشرين الأول / أكتوبر

ملف الصحراء المغربية يعود للواجهة ومؤشرات حسم دولية قريبة
المغرب اليوم - ملف الصحراء المغربية يعود للواجهة ومؤشرات حسم دولية قريبة

GMT 17:33 2025 الأربعاء ,29 تشرين الأول / أكتوبر

باراغواي تعلن فتح قنصلية عامة في الصحراء المغربية
المغرب اليوم - باراغواي تعلن فتح قنصلية عامة في الصحراء المغربية

GMT 22:34 2025 الأربعاء ,29 تشرين الأول / أكتوبر

نتنياهو يؤكد أن قطاع غزة لن يشكل تهديدا لإسرائيل
المغرب اليوم - نتنياهو يؤكد أن قطاع غزة لن يشكل تهديدا لإسرائيل

GMT 16:35 2025 الثلاثاء ,28 تشرين الأول / أكتوبر

الذكاء الاصطناعي يساعد الأطباء على منع السكري قبل ظهوره
المغرب اليوم - الذكاء الاصطناعي يساعد الأطباء على منع السكري قبل ظهوره

GMT 17:49 2025 الأربعاء ,29 تشرين الأول / أكتوبر

بحضور النجوم إليسا تحتفل بعيد ميلادها
المغرب اليوم - بحضور النجوم إليسا تحتفل بعيد ميلادها

GMT 19:34 2025 الأربعاء ,29 تشرين الأول / أكتوبر

الشيخة حسينة تتحدث لأول مرة منذ الهروب
المغرب اليوم - الشيخة حسينة تتحدث لأول مرة منذ الهروب

GMT 15:55 2020 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

أعد النظر في طريقة تعاطيك مع الزملاء في العمل

GMT 02:18 2018 الثلاثاء ,23 كانون الثاني / يناير

سهام العزوزي تتوج بلقب مسابقة "ميس أمازيغ" في دورتها الخامسة

GMT 14:13 2016 الإثنين ,31 تشرين الأول / أكتوبر

فرقة «رضا» تتألق في الأقصر عاصمة السياحة لعام 2016

GMT 23:59 2021 الأحد ,07 شباط / فبراير

تعرف على تفاصيل طلاق "أبو جاد" وزوجته سارة

GMT 19:07 2019 السبت ,22 حزيران / يونيو

الكرنب يحتوي على مغذيات تحارب مرض الخرف

GMT 13:24 2019 السبت ,01 حزيران / يونيو

ودي تكشف عن موديلات S من سياراتها Q5 وA6 وA7

GMT 14:44 2019 الثلاثاء ,01 كانون الثاني / يناير

حرّاس صدام حسين يكشفون تفاصيل اللحظات الأخيرة في حياته

GMT 07:20 2018 الأحد ,07 تشرين الأول / أكتوبر

الأغذية منخفضة الكربوهيدرات تسهم في علاج السكري

GMT 16:22 2018 الأربعاء ,03 تشرين الأول / أكتوبر

العروبة الإماراتي يتعاقد مع ياسين الصالحي لموسم واحد

GMT 20:51 2018 الثلاثاء ,02 تشرين الأول / أكتوبر

قطر تستعد لتنظيم بطولة العالم للجمباز بمشاركة إسرائيلية
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
RUE MOHAMED SMIHA ETG 6 APPT 602 ANG DE TOURS CASABLANCA MOROCCO
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib