لبنان وتجربة الثنائيات الإيرانية

لبنان وتجربة الثنائيات الإيرانية

المغرب اليوم -

لبنان وتجربة الثنائيات الإيرانية

مصطفى فحص
بقلم - مصطفى فحص

بين لبنان بفرادته وإيران بفرديّتها، تبدو المقارنة صعبة ببعدها الجغرافي والتاريخي، وتكاد تكون مستحيلة إذا حُصرت في الأحجام والأدوار. لكنَّ المقاربة ممكنة من حيث الطبيعة والطبائع في الاجتماع والدين والتعددية، والخصوصيات المكونة للجماعات، إضافةً إلى الأثر الإيراني الحديث على لبنان في ذروة وصايتها عليه وبداية أفولها. هذا يقابله تاريخ يمتد لقرون، عندما أثّر جزء من لبنان بأفراده على الطبيعة العقائدية للسلطنة آنذاك، ثم عاد وأثَّر وتأثّر، أفراداً وجماعات لبنانية، بالنظام الثوري الحديث.

تشكلت إيران أو فارس التي نعرفها منذ أكثر من خمسة قرون نتيجة الربط بين العقيدة والجغرافيا، وهذه الثنائية شكّلت العامل المشترك والجامع بين سكان الهضبة الإيرانية أو ما تُعرف بالشعوب الإيرانية. في تطوراتها من التأسيس السلطاني، مروراً بالبهلوية، وصولاً إلى الولائية واحتمالات ما بعدها، كانت الخصوصية العقائدية والطبائع السياسية والاجتماعية والثقافية والعرقية المعقَّدة والمركَّبة عاملَ إثراء في التشكل، وعامل توتر في الضعف. تقابل ذلك الطوائف اللبنانية بانتماءاتها المختلفة، إذ كانت الصيغة اللبنانية عاملاً أساسياً في دمجها أولاً، ثم اندماجها لاحقاً ضمن حيز جغرافي عُرف بدولة لبنان الكبير.

بين الثنائية الإيرانية التأسيسية (العقيدة والجغرافيا) والثنائية اللبنانية التأسيسية أيضاً (الصيغة والكيان)، بدأت ملامح مقاربة لبنانية تتشابه إلى حدٍّ ما مع إيران. فثنائية النظام الإيراني الذي امتلك طبعتين في الحكم، هما العُرف والثورة، شهدت تصادماً في مرات كثيرة وتحالفاً في محطات قليلة، ونجحت في فرز النخب والرأي العام الإيراني بين محافظ وإصلاحي. يبدو أن لبنان مُقبل على تجربة مشابهة، يمكن توصيفها بثنائية المنظومة والدولة. فالمنظومة هي تيار المحافظين، أي ممثلو الطبقة السياسية الطائفية اللبنانية التي شكّلت السلطة ما بعد الحرب الأهلية، وكان من أهم «إنجازاتها» إضعاف مشروع الدولة. تقابلها حركة تغييرية وأخرى معارضة، نجحتا على مراحل، بدءاً من انتفاضة أكتوبر (تشرين الأول) 2019، مروراً بالانتخابات التشريعية 2022، وصولاً إلى إنهاء الفراغ الرئاسي وتشكيل الحكومة مطلع هذه السنة، وهي قوى يمكن وصفها بالتيار الإصلاحي الذي يهدف إلى إعادة بناء الدولة.

تعايش الداخل والخارج مع ثنائية السلطة الإيرانية (الثورة والدولة)، مع العلم أن الجميع يدرك أن الكلمة الفصل تبقى للنظام القابض على السلطة. أما في لبنان، فهذه الثنائية (المنظومة والدولة) تتشكّل حديثاً، وهو ما سيجعل النظام اللبناني يتألف من تيارين، أحدهما محافظ والآخر إصلاحي. والمقصود بالمحافظة هنا ليس فقط قوى المنظومة الفاسدة التي سبقت «انتفاضة تشرين»، بل أيضاً بعض القوى المعارضة التي تحمل طبيعة سياسية وطائفية محافظة ضمن التركيبة التقليدية اللبنانية. يقابلها تيار إصلاحي، جزء منه عابر للطوائف، يتمسك بمشروع الدولة.

عملياً، نجح دعاة التغيير والمعارضة، رغم بعض الانتقادات والاعتراضات على حكومة نواف سلام، في الوصول إلى تشكيلة حكومية مُرضية بنسبة مرتفعة. فالأسماء المطروحة نجحت كأفراد في مناصبها الخاصة وفي عملها في الخارج، لكنها تواجه مسؤولية كبيرة في الانتقال من العمل الفردي إلى العمل الجماعي، وخوض معركة إصلاحية صعبة وطويلة في مواجهة منظومة فاسدة، جزء منها شريك معها، تمثل طبقة سياسية متوارَثة منذ تأسيس الكيان، متمكنة ولا تسقط بالضربة القاضية.

وعليه تجنباً لتكرار التجربة الإيرانية، من حصار وتطويع وتدجين بعض رؤساء النظام، وصولاً إلى المحاولات الفاشلة لإخضاع الرأي العام وإعادة النظام الاعتبار لطبيعته الثورية عبر رئيس إصلاحي مُسيطَر عليه، قد يواجه التيار الإصلاحي في لبنان التحديات نفسها. فـ«منظومة» السلطة ستستخدم كل الوسائل المتاحة لتطويقه وإفشاله، وإعادة تعويم المنظومة على حساب الدولة، تحت ذريعة «واقعية» التركيبة اللبنانية.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

لبنان وتجربة الثنائيات الإيرانية لبنان وتجربة الثنائيات الإيرانية



GMT 18:30 2025 الأحد ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

وادي الكنوز

GMT 18:28 2025 الأحد ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

يومٌ مصريٌ للتاريخ

GMT 18:19 2025 الأحد ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

هل تتغيّر إيران الآيديولوجيّة آيديولوجيّاً؟

GMT 18:16 2025 الأحد ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

انكسار «الطائفية» وتجدد «الأصولية»

GMT 18:14 2025 الأحد ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

الغد كان أفضل

GMT 17:58 2025 الأحد ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

ولا يبقى الوضع كما هو عليه!

GMT 17:54 2025 الأحد ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

الميثاق الإعلامي العربي الحلم المستحيل!!

GMT 17:50 2025 الأحد ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

نغمة تنال من المتحف

شريهان تتألق بالملابس الفرعونية في احتفالية افتتاح المتحف المصري الكبير

القاهرة _ المغرب اليوم

GMT 21:19 2025 الأحد ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

هولندا تعيد تمثالاً فرعونيًا عمره 3500 عام إلى مصر
المغرب اليوم - هولندا تعيد تمثالاً فرعونيًا عمره 3500 عام إلى مصر

GMT 17:55 2025 الإثنين ,03 تشرين الثاني / نوفمبر

بوادر هدنة في السودان وتوقعات بلقاء قريب بين البرهان وحميدتي
المغرب اليوم - بوادر هدنة في السودان وتوقعات بلقاء قريب بين البرهان وحميدتي

GMT 18:48 2025 الإثنين ,03 تشرين الثاني / نوفمبر

مايكروسوفت توقع صفقة حوسبة ضخمة بقيمة 9.7 مليار دولار
المغرب اليوم - مايكروسوفت توقع صفقة حوسبة ضخمة بقيمة 9.7 مليار دولار

GMT 13:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 13:46 2020 السبت ,18 كانون الثاني / يناير

القلق يسيطر علي إدارة اتحاد طنجة بسبب النتائج السلبية

GMT 09:54 2019 السبت ,16 آذار/ مارس

ديكورات حدائق منزلية صغيرة خارجية مميزة

GMT 08:36 2018 الثلاثاء ,06 شباط / فبراير

تعرفي على كيفية صنع صبغات شعر طبيعية لتغيير لونه

GMT 07:36 2018 الثلاثاء ,06 شباط / فبراير

"مرسيدس الفئة S" تمثل أفضل سيارة في العالم

GMT 09:53 2018 الجمعة ,12 كانون الثاني / يناير

AZZARO WANTED العطر المناسب للرجل الذي لا يعرف المستحيل

GMT 14:11 2017 الثلاثاء ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

أتلتيكو مدريد يلجأ إلى أسلوب ذكي ليحشد الجماهير في الملعب

GMT 07:50 2017 السبت ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

أفضل المعاطف للشتاء بأسعار معقولة وألوان حيادية
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
RUE MOHAMED SMIHA ETG 6 APPT 602 ANG DE TOURS CASABLANCA MOROCCO
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib