أثارت سيطرة قوات الدعم السريع بقيادة الفريق محمد حمدان دقلو "حميدتي" على مدينة الفاشر، عاصمة ولاية شمال دارفور وآخر معاقل الجيش السوداني في الإقليم، تساؤلات عميقة حول مستقبل وحدة السودان ومخاوف من أن تكون هذه الخطوة مقدمة فعلية لتقسيم البلاد. وبينما سارع حميدتي إلى نفي أي نية لفصل إقليم دارفور، تتزايد المؤشرات الميدانية والسياسية التي توحي بأن مسار الانقسام قد بدأ فعلاً بالتشكل.
في خطاب مصوّر عقب سيطرة قواته على المدينة، وصف حميدتي ما حدث بأنه "انتصار عسكري مهم"، لكنه شدد في الوقت ذاته على أن الفاشر ستظل "رمزًا لوحدة السودان"، معتبرًا أن الأحاديث عن الانفصال مجرد شائعات تهدف إلى بث الفتنة. ومع ذلك، أعلن عن نشر قوات من الشرطة الفيدرالية التابعة لحكومة "التأسيس" التي يقودها، لتتولى حفظ الأمن وتقديم المساعدات الإنسانية في المدينة بعد انسحاب الجيش منها، ما اعتُبر مؤشرًا عمليًا على قيام سلطة موازية في الإقليم.
الكاتبة والمحللة السياسية شمائل النور ترى أن سلوك قوات الدعم السريع خلال اقتحام الفاشر وما تخلله من انتهاكات واسعة، عمّق الفجوة بينها وبين المجتمع المحلي. وتقول إن هذا السلوك قد يفتح الباب أمام تقبّل فكرة الانفصال في أوساط السكان، إذ ينظر كثيرون إلى هذه القوات بوصفها قوة غريبة تمارس العنف ضد المدنيين.
وكانت قوات الدعم السريع، إلى جانب فصائل أخرى منها الحركة الشعبية لتحرير السودان، قد أعلنت في يونيو/حزيران الماضي تشكيل حكومة موازية باسم "حكومة التأسيس"، برئاسة حميدتي، الذي تولى المجلس الرئاسي، فيما عُيّن محمد حسن التعايشي رئيسًا للوزراء، وذهب المنصب الدبلوماسي الأعلى في الأمم المتحدة إلى قوني مصطفى شريف ممثلًا للسودان. وقد مثّل هذا الإعلان أول خطوة مؤسسية نحو بناء كيان سياسي منفصل عن الحكومة المركزية في بورتسودان.
ورغم المحاولات الإقليمية والدولية لوقف الحرب التي اندلعت بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع في أبريل/نيسان 2023، فإن كل المساعي التفاوضية باءت بالفشل. وقد سلّمت الحكومة السودانية بقيادة الفريق عبد الفتاح البرهان خارطة طريق إلى الأمم المتحدة تتضمن رؤيتها لحل الأزمة، لكن حاكم إقليم دارفور، مني أركو مناوي، رفضها بشكل قاطع، واعتبر أن أحد بنودها الداعية إلى تجميع قوات الدعم السريع في مناطق نفوذها داخل دارفور هو بمثابة "دعوة صريحة لتقسيم السودان".
وتحذر شمائل النور من أن الأوضاع الميدانية قد تتطور إلى سيناريوهين رئيسيين، أولهما اندلاع حرب استنزاف واسعة في كردفان إذا تمسكت الأطراف بخيار الحل العسكري، وثانيهما – وهو المرجّح في رأيها – تقسيم السودان على غرار النموذج الليبي، بحيث تُقام حكومة تحت سيطرة الجيش في الخرطوم وأخرى في دارفور تابعة لقوات الدعم السريع.
في المقابل، يرى مسؤولون في الحكومة المركزية أن الحديث عن انفصال دارفور سابق لأوانه. فقد أكد وزير الإعلام خالد الأعيسر أن شروط تشكيل دولة جديدة غير متوافرة، مشيرًا إلى أن الحكومة لا تزال تحظى بدعم شعبي واسع حتى داخل الإقليم، وأن معظم سكان دارفور يرفضون فكرة الانعزال عن السودان الأم.
أما رئيس تحرير صحيفة إيلاف خالد التجاني، فيستبعد سيناريو التقسيم نهائيًا، معتبرًا أن المقارنة بين الوضع السوداني والليبي غير دقيقة بسبب التعقيدات الجيوسياسية والقبلية في دارفور. ويقول إن الإقليم يفتقر إلى الموانئ والمنافذ الحيوية، ما يجعل من الصعب قيام دولة مستقلة قابلة للحياة، مؤكدًا أن المجتمع الدولي لا يدعم أي مشروع انفصالي في السودان.
ورغم ذلك، تبقى سيطرة الدعم السريع على الفاشر نقطة تحول استراتيجية في مسار الحرب المستمرة، إذ لم يعد الصراع مجرد معركة عسكرية على الأرض، بل صراعًا على هوية الدولة السودانية ومستقبلها السياسي. وبين نفي حميدتي وتطمينات حكومته، وتحذيرات البرهان وحلفائه من خطر التفكك، يبدو أن السودان يقترب من لحظة مفصلية قد تحدد ما إذا كان سيبقى موحدًا أم يدخل فصلًا جديدًا من الانقسام والتشظي.
قد يهمك أيضــــــــــــــا
مفوض أممي يدعو لتدابير عاجلة لمنع ارتكاب جرائم في مدينة الفاشر
«الدعم السريع» تعلن توقيف عدد من مقاتليها يشتبه بارتكابهم انتهاكات في الفاشر
 
 
أرسل تعليقك
تعليقك كزائر