أردوغان الهارب إلى سوريا

أردوغان الهارب إلى سوريا

المغرب اليوم -

أردوغان الهارب إلى سوريا

بقلم - خير الله خير الله

تركيا ما كان لها الإقدام على الخطوة السورية لولا إدراكها أن ترامب لا يعترض على العملية. تدلّ على ذلك كلّ التصريحات التي صدرت عن المسؤولين الأميركيين في الأيام التي سبقت التحرّك العسكري التركي.

سيذهب الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بعيدا في اختبار نيّات الرئيس الأميركي دونالد ترامب. سيحاول بدوره تجريب حظّه مع ترامب. بعدما نجحت إيران في  تفادي أي ردود فعل أميركية على الصعيد العسكري، لماذا لا يجرّب أردوغان بدوره حظّه مع رئيس أميركي حصر كلّ همومه بالعودة إلى البيت الأبيض في انتخابات خريف السنة 2020؟

بات واضحا أن تركيا انضمّت إلى الذين يراهنون على أن ترامب لن يفوز بولاية ثانية. ولذلك لا بدّ من الاستفادة إلى أبعد حدود من وضعه الحالي، أي من رغبته في تفادي أي مواجهة عسكرية من أيّ نوع.

 لو لم يكن الأمر كذلك، لما تجرّأ أردوغان على دخول سوريا من أجل إقامة منطقة آمنة بعمق ثلاثين كيلومترا قد تصل مساحتها إلى نحو خمسة آلاف كيلومتر مربّع. ليس ما تقوم به تركيا سوى استيلاء على قطعة من الكعكة السورية بعدما كرست كلّ من إيران وروسيا وإسرائيل وجودها في هذا البلد. تدفع سوريا ثمن إدارة أميركية أسيرة رغبة ترامب في العودة إلى البيت الأبيض. ولكن في أساس المأساة التي باتت كلّ القوى الفاعلة، بما في ذلك أميركا، تتجاهلها، وجود نظام سوري لا يهمّه سوى البقاء في السلطة حتّى لو كانت دمشق تحت السيطرة الإيرانية أمنيا وأسيرة النفوذ الروسي سياسيا. فضلا عن ذلك كلّه، لم يتردّد النظام السوري، من أجل البقاء، في التغاضي عن تكريس الاحتلال الإسرائيلي للجولان، وهو احتلال مستمرّ منذ العام 1967.

يظلّ التوقيت العنصر الأهم في الدخول التركي الذي نجح  رجب طيب أردوغان في إعداد الداخل له وتعبئته. ليس معروفا إلى متى سيبقى الداخل التركي داعما لأردوغان وللعملية العسكرية، خصوصا في حال سقوط عدد كبير من القتلى في صفوف القوات التركية. الأكيد أن تركيا تتحمّل مقتل المئات من العسكريين، لكن تبقى هناك حدود لحجم الخسائر التي يمكن أن تتحمّلها، خصوصا إذا طالت العملية العسكرية والاشتباكات أشهرا عدّة من دون تحقيق هدف واضح، اللهمّ إلا إذا كان أردوغان مصمّما على اقتطاع جزء من سوريا وتحويله إلى جرم يدور في الفلك التركي، كما حال دولة شمال قبرص التركية. هذه الدولة، التي لم يعترف بها أحد غير تركيا، قائمة منذ العام 1974، تاريخ الإنزال التركي في قبرص التي شهدت وقتذاك انقلابا نفّذه اليمين المتطرف في صفوف القبارصة اليونانيين، وأدّى إلى تقسيم الجزيرة.

تركيا تواصل هجومها على الأكراد تركيا تواصل هجومها على الأكراد

ما كان لتركيا الإقدام على الخطوة السورية لولا إدراكها أن ترامب لا يعترض على العملية. تدلّ على ذلك كلّ التصريحات التي صدرت عن المسؤولين الأميركيين في الأيام التي سبقت التحرّك العسكري التركي، وصولا إلى تبرير الرئيس الأميركي لطعنه الأكراد السوريين في الظهر. ذهب في تبرير تخليه عن حلفاء الأمس إلى حدّ قوله إن الأكراد، الذين “يحبّهم” لم يدعموا القوّات الأميركية في إنزال شاطئ النورماندي الذي مهّد لنهاية الحرب العالمية الثانية في العام 1945. عاد ما يزيد على سبعين عاما إلى خلف بغية فتح حساب مع الأكراد، من دون أن يكون معروفا هل كان مطروحا مشاركة الأكراد، الذين لم يتمكنوا من إيجاد دولة مستقلة خاصة بهم، في إنزال النورماندي؟

يدفع الشعب السوري ثمن غياب الاستراتيجية الأميركية في الشرق الأوسط، وذلك منذ فترة طويلة. يتبيّن بعد العملية العسكرية التركية أنّ دونالد ترامب لم يكن أفضل من باراك أوباما الذي اختزل كلّ أزمات الشرق الأوسط والخليج بالملفّ النووي الإيراني. لم يقدم أوباما على أيّ ردّ فعل جدّي بعد تجاوز النظام السوري كلّ الخطوط الحمر التي رسمها له، بما في ذلك استخدام السلاح الكيميائي لقتل شعبه. أما ترامب، فقد ذهب بعيدا في التخلي عن الشعب السوري بتركه تركيا تتصرّف بالطريقة التي تتصرّف بها، بما يؤدي إلى تهجير المزيد من السوريين الأكراد والعرب وتكريس وجودها في منطقة سورية تعتبرها مهمّة بالنسبة إليها لأسباب كردية قبل أيّ شيء آخر.

يظلّ أسوأ ما في العملية التركية كونها جاءت متأخّرة جدا ولم تصبّ في خدمة الشعب السوري كما يدّعي أردوغان. جعل التوقيت، الذي كشف تخلي أميركا عن حلفائها الأكراد الذين قاتلوا “داعش”، من تركيا إيران أخرى. فلو كانت تركيا جدّية في دعم الشعب السوري ولا أطماع لها في البلد، لكانت أقامت المنطقة الآمنة باكرا، أي في العام 2011  و2012. هنا أخطأ رجب طيب أردوغان الذي حاول إلباس خطابه عن العملية العسكرية في سوريا لباسا دينيا تحت عنوان “فتح من الله ونصر قريب”. ربّما أراد عن طريق الرداء الديني لخطابه الظهور في مظهر رئيس جمعية خيرية مستعد لتقديم تضحيات من أجل سوريا والسوريين…

تعاطت تركيا مع بشّار الأسد باكرا. عرفت أنّه شبيه بمصاب بمرض التوحّد. عرف أحمد داود أوغلو، وزير الخارجية التركي في تلك الأيام، إلى أيّ حدّ يعيش الرجل في عالم خاص به لا علاقة له بالواقع. اكتشفت تركيا منذ آذار/ مارس 2011 خطورة ما يجري في سوريا وأبعاده. فقد ولدت وقتذاك قناعة لدى المسؤولين الأتراك بأنّ بشّار ونظامه هما في أساس المشكلة وأنّه يستحيل استخدام المنطق في التعاطي معه.

بدل اتخاذ الإجراءات المطلوبة للتخلّص سريعا من بشّار الأسد وإنقاذ سوريا، راحت تركيا تماطل وتمارس سياسة الابتزاز. فتحت أبوابها مشكورة لملايين السوريين الذين لجأوا إليها هربا من ظلم النظام وقمعه. لكنها ما لبثت أن ندمت على ذلك. ليس معروفا لماذا أضاع أردوغان كلّ هذا الوقت وصولا إلى تحوله إلى باحث عن دور في سوريا بعدما كان صاحب الدور الأول فيها. هل يعود ذلك إلى العقد التي تحكّمت بالرئيس التركي منذ قرّر ألّا يكون له أي شريك في السلطة؟ هل هذا عائد إلى اعتقاده أنّه يستطيع التنافس مع إيران وروسيا بعدما كان قادرا على قطع طريق سوريا عليهما؟

لا حاجة إلى الترحّم على أحداث الماضي القريب ولا على الفرص الضائعة لتركيا في سوريا ولا على فشل تركيا في المواجهة التي خاضتها مع روسيا والتي انتهت إلى تحوّلها إلى حليف لها. لعلّ أفضل دليل على وجود هذا الحلف شراء تركيا شبكة الصواريخ “أس- 400” الروسية المضادة للطائرات التي  ليس معروفا ما الذي ستفعله بها.

الحاجة إلى بحث تركي عن مكان في المعادلة السورية يعوّض الفرص الضائعة في تركيا بسبب العقد التي عانى منها ولا يزال يعاني منها رجب طيب أردوغان الهارب إلى سوريا من أزماته الداخلية، بما في ذلك أزمته مع رجالات حزبه الذين انفضّوا عنه الواحد تلو الآخر.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

أردوغان الهارب إلى سوريا أردوغان الهارب إلى سوريا



GMT 15:07 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

العودة إلى إسحق رابين

GMT 20:14 2025 الجمعة ,31 تشرين الأول / أكتوبر

بيروت والكلام المغشوش

GMT 20:11 2025 الجمعة ,31 تشرين الأول / أكتوبر

التغييرات المناخية... الأمل بالطيران في بيليم

GMT 20:05 2025 الجمعة ,31 تشرين الأول / أكتوبر

انتحار الصِغار و«رقمنة» اليأس

GMT 20:00 2025 الجمعة ,31 تشرين الأول / أكتوبر

الحبل السُّرِّي بين العالم العربي وحل الدولة الفلسطينية

نجمات مصريات يجسّدن سحر الجمال الفرعوني في افتتاح المتحف المصري

القاهرة - المغرب اليوم

GMT 10:46 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

أفضل الوجهات العربية لقضاء خريف معتدل ومليء بالتجارب الساحرة
المغرب اليوم - أفضل الوجهات العربية لقضاء خريف معتدل ومليء بالتجارب الساحرة

GMT 13:31 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

طرق ذكية لتعليق اللوحات دون إتلاف الحائط
المغرب اليوم - طرق ذكية لتعليق اللوحات دون إتلاف الحائط

GMT 00:22 2025 الأربعاء ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

بوتين يؤكد صاروخ بوريفيستنيك يضمن أمن روسيا لعقود
المغرب اليوم - بوتين يؤكد صاروخ بوريفيستنيك يضمن أمن روسيا لعقود

GMT 18:26 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

بوريس جونسون يهاجم بي بي سي ويتهمها بالتزوير
المغرب اليوم - بوريس جونسون يهاجم بي بي سي ويتهمها بالتزوير

GMT 21:54 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

تفاصيل خطة تشكيل القوة الدولية لحفظ الأمن في غزة
المغرب اليوم - تفاصيل خطة تشكيل القوة الدولية لحفظ الأمن في غزة

GMT 18:52 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

خبراء التغذية يوصون بمشروبات طبيعية لتحسين الأداء الإدراكي
المغرب اليوم - خبراء التغذية يوصون بمشروبات طبيعية لتحسين الأداء الإدراكي

GMT 01:36 2025 الأربعاء ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

أحمد حلمي وهند صبري في أول تعاون سينمائي بأضعف خلقه
المغرب اليوم - أحمد حلمي وهند صبري في أول تعاون سينمائي بأضعف خلقه

GMT 20:20 2019 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

4 أصوات تشير إلى أعطال في محركات السيارات

GMT 06:27 2018 الثلاثاء ,05 حزيران / يونيو

دراسة تؤكّد تأثير حجم المخ على التحكّم في النفس

GMT 21:07 2018 الأربعاء ,04 إبريل / نيسان

"سباق الدراجات" يدعم ترشح المغرب للمونديال

GMT 01:40 2018 السبت ,10 آذار/ مارس

رجل يشكو زوجته لسوء سلوكها في طنجة

GMT 05:32 2017 الأربعاء ,03 أيار / مايو

محمود عباس فى البيت الأبيض.. من دون فلسطين!

GMT 06:27 2016 الجمعة ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

باكستان تُبعد صاحبة صورة ناشيونال جيوغرافيك الشهيرة

GMT 04:19 2016 الإثنين ,05 كانون الأول / ديسمبر

"فرزاتشي Versaci" تطلق مجموعتها الساحرة لعام 2017

GMT 07:02 2017 الجمعة ,20 تشرين الأول / أكتوبر

فيلم الرعب الأميركي "Happy Death Day" الأول على شباك التذاكر
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
RUE MOHAMED SMIHA ETG 6 APPT 602 ANG DE TOURS CASABLANCA MOROCCO
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib