الحبل السُّرِّي بين العالم العربي وحل الدولة الفلسطينية

الحبل السُّرِّي بين العالم العربي وحل الدولة الفلسطينية

المغرب اليوم -

الحبل السُّرِّي بين العالم العربي وحل الدولة الفلسطينية

د. آمال موسى
بقلم - د. آمال موسى

في الأزمات العميقة من المهم أن نتحلى بالإيجابية ونركز على ما يجمع ونغضّ الطرف عمَّا يفرِّق ويعزز الشَّتات بكل معانيه. ذلك أن الصراخ في العاصفة لن يجعل لنا صوتاً، والحال أن صوت العاصفة يطغى على كل الأصوات.

ولعل الحرب البشعة التي عاشها أهالي غزة على امتداد سنتين بشكل مسترسل وشرس هي أزمة عميقة بأتمّ معنى التأزم، الأمر الذي يستلزم توخي الحذر فيما يتصل بمقاربة العلاقة بين الدول العربية والقضية الفلسطينية، حيث إن استسهال توجيه الشتائم واتهام النخب الحاكمة العربية المتعاقبة على الحكم من تاريخ الاستقلالات إلى اليوم، بأنها خذلت القضية الفلسطينية واستثمرت فيها... لا يمكن أن يكون مثل هذا الخطاب عاملاً مساعداً في التعاطي مع الأزمة لأنه يزيد من الاستفحال ويدعم ما يسعى إليه الكيان الإسرائيلي من قطع للحبل السُّرِّيّ بين الدول العربية والإسلامية وقطاع غزة والقضية الفلسطينية بشكل عام.

طبعاً ما وصلت إليه القضية الفلسطينية من تأزم هو نتاج أسباب عدّة، ولا شك في أن سوء إدارة بعض الأجيال من النخب السياسية الحاكمة للصراع العربي - الإسرائيلي في محطات سياسية مفصلية مثَّلت سبباً رئيسياً من هذه الأسباب. ولكن من باب المنطق والمصداقية لا يمكن تحميل مسؤولية تأزم معقد لطرف بعينه، ومن ثمة يصبح خطاب الاتهامات عقبة وليس مورداً للقوة.

الفكرة الرئيسية الجديرة بالتركيز والاشتغال عليها هي التالية: يوجد حبل سُري بين كل العالم العربي وبين فلسطين؛ القضية والشعب والفكرة والواقع والحقيقة التاريخية، ولا يمكن لهذا الحبل أن ينقطع أبداً حتى لو بانت عليه بعض مظاهر الاهتراء.

لنتذكر جيداً أن القرن العشرين كان قرن المعاناة والصعوبات ومعارك التحرير الوطني ومعارك التنمية في مراحلها الأولى في بلداننا العربية. ولقد تزامن ذلك مع اغتصاب الأرض الفلسطينية. إنه قرن توجيه السهام الكثيرة، والاحتلال أقوى تلك السهام. بلداننا كانت منهكة أكثر مما هي عليه اليوم، ورغم ذلك فإن القضية الفلسطينية كانت بنداً رئيساً ودَقَّة من دقَّات قلب العالم العربي.

ولنتذكر جيداً أيضاً أن الشعوب العربية لم تخذل القضية الفلسطينية، وأنها دائماً كانت أحد أهم مكونات البناء الهُويَّاتي لمجتمعاتنا وعلى رأسهم شبابنا.

لا ننسى موقف المملكة العربية السعودية والتشبث بحدود يونيو (حزيران) 1967، ولا ننسى موقف تونس سواء من اتفاق أوسلو الذي وصفه الحبيب بورقيبة بالقليل المتأخر، وموقفها الراهن، إذ إنه رغم صعوباتها الاقتصادية فإنها لم تساوم في القضية الفلسطينية أبداً.

لا ننسى الجهود المصرية الماراثونية والخليجية.

لنتذكر دور كل هذه النخب الحاكمة وما قامت به من أجل الوصول إلى اتفاق وقف الحرب على غزة رغم كل ما لدينا من احترازات على الاتفاق وما سيتبعه.

صحيح أن مِحنَ البلدان العربية وصعوبات التأسيس وتعقد العلاقات مع مستعمر الأمس والانشغال باليومي المكتظ بالأزمات في دولنا أثَّر على دعم الفلسطينيين من كل النواحي، وبخاصة في الالتزام بالموقف الصلب، حيث إن أوروبا والغرب استثمرا في المواقف العربية من القضية الفلسطينية، وعملا على ترطيبها مقابل دعمها في معارك التنمية الحارقة أيضاً.

لنتذكر أيضاً أن حروب الخليج هي القشة التي قصمت ظهر القضية الفلسطينية؛ سواء بسبب سوء تقدير قادة القضية آنذاك للأزمة الخليجية، أو بسبب تداعيات تلك الحروب على البلدان العربية والإسلامية، وتأثيرها على القدرة في دعم القضية مادياً وسياسياً ودبلوماسياً.

هناك أسباب داخل منظومة ممثلي القضية الفلسطينية والصراعات الداخلية أيضاً. ولا يفوتنا أن كل هذه الأسباب منها الطبيعي ومنها المحاك وفق المصلحة الإسرائيلية التي تقوم على قطع الطريق على كل مؤشرات القوة والتوحد العربيَّين.

ما يهمنا حالياً أن الحقيقة التي لم تستطع محوها وقتلها كلُّ جرائم إسرائيل ضد قطاع غزة أن ما بين العرب وفلسطين منقوش بشكل لن تستطيع كل أمواج البحار المتلاطمة أن تمحوه: من المهم الانطلاق من هذه الحقيقة وترك ما لا يساعد على تعزيز هذه الفكرة جانباً.

إن حل الدولة الفلسطينية بحاجة اليوم إلى جهود كل البلدان العربية والإسلامية، ومن دون هذه الوقفة تكون إسرائيل قد قضت على القضية وعلى العالم العربي أيضاً. فالجهود المبذولة على مدى أطوار الصراع الإسرائيلي - العربي، وصولاً إلى حرب أكتوبر (تشرين الأول) 2023 الشرسة، لا يمكن الاستغناء عنها، وكل الأمل يتوقف عليها، ومن دون ذلك يكون حل الدولة الفلسطينية في عزلة أكبر ألف مرة من الصمت المقصود حالياً. ولولا هذه الجهود، رغم تواتر حركتها بين النزول والصعود، لكان الصراع قد انتهى وانتهت القضية. الدولة الفلسطينية ذات السيادة سترى النور إذا تواصلت الجهود العربية والإسلامية، وهنا تكمن قوة الحبل السُّرِّي بينهما.

في المقابل نجد أن الدول العربية تقيس موقعها ودورها وتأثيرها من خلال القضية الفلسطينية أيضاً. ولقد أكدت الأحداث الأخيرة ضرورة الاقتناع بأن القضية الفلسطينية لا يمكن أن تكون ورقة للتفاوض. بل إن الدرس هو كيف تصب كل أوراق التفاوض الممكنة لصالحها. فالمصلحة متبادَلة وعضوية وحيوية ووجودية بين الدول العربية وتحقق حل الدولة الفلسطينية.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الحبل السُّرِّي بين العالم العربي وحل الدولة الفلسطينية الحبل السُّرِّي بين العالم العربي وحل الدولة الفلسطينية



GMT 20:14 2025 الجمعة ,31 تشرين الأول / أكتوبر

بيروت والكلام المغشوش

GMT 20:11 2025 الجمعة ,31 تشرين الأول / أكتوبر

التغييرات المناخية... الأمل بالطيران في بيليم

GMT 20:05 2025 الجمعة ,31 تشرين الأول / أكتوبر

انتحار الصِغار و«رقمنة» اليأس

GMT 19:47 2025 الجمعة ,31 تشرين الأول / أكتوبر

عالم من الضواري

GMT 10:28 2025 الجمعة ,24 تشرين الأول / أكتوبر

قنابل علي شمخاني

رحمة رياض تتألق بإطلالات متنوعة تجمع بين الأناقة والجرأة

الرياض - المغرب اليوم

GMT 21:29 2025 الجمعة ,31 تشرين الأول / أكتوبر

العاهل المغربي يدعو الرئيس الجزائري إلى حوار صادق وبناء
المغرب اليوم - العاهل المغربي يدعو الرئيس الجزائري إلى حوار صادق وبناء

GMT 17:25 2013 الإثنين ,11 آذار/ مارس

"ماوس" تطفو اعتمادًا على دوائر مغناطيسية

GMT 09:48 2017 الخميس ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

مطعم "الشلال" يسعى إلى جذب زبائنه بشتى الطرق في الفليبين

GMT 23:15 2023 السبت ,21 تشرين الأول / أكتوبر

سان جيرمان يكتسح ستراسبورغ بثلاثية في الدوري الفرنسي

GMT 08:04 2023 الأربعاء ,18 تشرين الأول / أكتوبر

سلطنة عمان تحذر مواطنيها من خطورة السفر إلى لبنان

GMT 22:31 2023 الخميس ,12 تشرين الأول / أكتوبر

المغربي مهدي بنعطية مرشح لمنصب مدير رياضي بفرنسا

GMT 08:16 2023 الأربعاء ,13 أيلول / سبتمبر

أبرز الأخطاء الشائعة في ديكورات غرف النوم الزوجيّة

GMT 16:04 2023 الإثنين ,11 أيلول / سبتمبر

150 قتيلا جراء الفيضانات والأمطار الغزيرة في ليبيا

GMT 13:24 2023 الأحد ,18 حزيران / يونيو

''فريد غنام'' يطرح فيديو كليب ''الزين الزين''

GMT 20:55 2022 الخميس ,03 تشرين الثاني / نوفمبر

جوجل تطمح لتقديم خدماتها بألف لغة
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
RUE MOHAMED SMIHA ETG 6 APPT 602 ANG DE TOURS CASABLANCA MOROCCO
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib