عراق فيدرالي  لِمَ لا

عراق فيدرالي ... لِمَ لا؟!

المغرب اليوم -

عراق فيدرالي  لِمَ لا

عريب الرنتاوي


ربما تكون “الفيدرالية” في العراق شعاراً توحيدياً لا تفتيتياً كما يجادل كثيرون من خصوم هذه الأطروحة ... في بلد يعيش حالة اغتراب واحتراب بين مكوناته ... في بلد يحتاج أهل الرمادي من أبنائه إلى كفيلٍ لهم لدخول بغداد، ويتعين على عربه من سنة وشيعة استحصال “فيزا” و”إقامة” للانتقال إلى شماله الكردي ... في بلد يُعاد أكراده أدراجهم قبل أن تأخذهم الطريق إلى العاصمة المركزية ... في بلد ودع مئات ألوف القتلى جراء حروبه الداخلية وحروب الآخرين عليه ... في بلد هذه مواصفاته، تغدو الفيدرالية مطلباً توحيدياً لا تفتيتياً. هل قلنا “الأكراد”؟ من تتبع فصول زيارة السيد مسعود البارزاني إلى واشنطن، والحملة الإعلامية الكردية التي صاحبتها، يدرك أن مطلب أكراد العراق تخطى منذ زمن، “الفيدرالية” و”الأقلمة” إلى الاستقلال والانفصال والسيادة ... شمال العراق سائر على هذا الطريق، وهو استكمل مقومات الدولة المستقلة التي لم يعد ينقصها إلا الإعلان الرسمي عن ولادتها ... حتى أن واشنطن باتت تجادل في “توقيت” الاستقلال، وليس في الاستقلال نفسه ... ليست هناك قوة قادرة على منع استقلال الإقليم، حتى تركيا، الأكثر تحسساَ من هذا الموضوع، باتت تتعامل مع كردستان كدولة مستقلة، تبرم معها الاتفاقات الثنائية، وتسيير الوفود إلى عاصمتها أربيل من دون استئذان بغداد أو المرور بها. ماذا عن العرب السنة؟ هؤلاء ظلّوا ينظرون إلى أنفسهم بوصفهم “أم الولد”، لقد اعتادوا السلطة وخبروها، واحتلوا مواقع متميزة على رأس هرمها لسنوات وعقود طويلة ... اليوم يشعر هؤلاء بالتهميش والتهشيم ... من يمثلهم في مؤسسات السلطة، لا يمتلك قوة وتأثيراً وتمثيلاً على الأرض، أما الفاعلون منهم على الأرض، فليسوا ممثلين في المؤسسات أو مشاركين في العملية السياسية ... بعضهم آثر الاحتماء بداعش أو الانتماء لها .... بعضهم ما زال يحلم بعودة البعث إلى عصره الذهبي ... بعضهم تائه بين مؤثرات عديدة، صوتهم مشتت وقياداتهم مبعثرة ... كثيرون منهم بدأوا يفكرون جيداً بالذهاب نحو “الفيدرالية” ... ربما يفضل بعضم الاستقلال والانفصال، لكن تداخل مناطقهم وتوزعها وإشكالية “بغداد”، تجعل الأمر أكثر تعقيداً عليهم. أين يقف العرب الشيعة؟ هؤلاء في قلب معادلة الحكم، بعضهم سبق وأن عبر عن ميول نحو “الأقلمة”، اليوم يرون في المشروع انتقاصاً من سلطتهم ونفوذهم ... غالبية القوى السياسية لا تريد للنظام السياسي العراقي أن ينفتح جدياً على المكونات الأخرى، وتعيق محاولات إعادة التوازن لهذا النظام، ولكنها في الوقت ذاته، ترفع صوتها بإدانة “المشاريع المشبوهة” لتقسيم العراق، لكأن العراق ظل موحداً ... نسي هؤلاء أو تناسوا أن قوى شيعية أساسية لعبت دوراً حاسماً في قيادة العراق إلى ضفاف الانقسام والتقسيم ... نسي هؤلاء أو تناسوا، أن السياسات المذهبية ستفضي حتماً إلى تفتيت الهوية الوطنية ... نسي هؤلاء أو تناسوا أن “المليشيات” لا تبني دولة، وأن سياسات مبنية على الإقصاء والانتقام وتصفية الحسابات لا تبني مجتمعاً متعايشاً، لكنهم مع ذلك يمضون في تحميل “الآخر” داخل العراق وخارجه، أوزار الأخطاء والخطايا التي قارفتها حكوماتهم المتعاقبة، أو الحكومات التي لعبوا فيها دوراً محورياً وقيادياً، يكاد يكون متفرداً. الذين أوغلوا في هجاء “الدولة القطرية” بوصفها تعبيراً عن التجزئة وتكريساً لها، فشلوا في صون وحدة الدولة الوطنية العربية الحديثة، التي تتشظى وتتقسم اليوم وفقاً لخطوط المذاهب والطوائف والأقوام والقبائل ... كثيرون من هؤلاء يمعنون اليوم في هجاء “الفيدرالية”، مع أن واقع الحال المعيش، أسوأ بما لا يقاس من “الفيدرالية”، سيما وأن أكثر من نصف العراق، بات اليوم خارج سيطرة بغداد، لا بالمعنى الجغرافي فحسب، بل وبالمعنى الديموغرافي كذلك ... “الدولة القطرية” صارت مشروعاً وحدودياً بعد سنوات من التطييف والتمذهب والأقلمة ... والفيدرالية اليوم، تبدو مشروعاً وحدوياً بامتياز في ظل حال الانقسام والاحتراب والإقصاء السائدة... وفي ظني أن الوصول إلى “الفيدرالية” بات مهمة تحتاج إلى نضالات وجهود حثيثة لإقناع المكونات السائرة على طريق الانفصال والاستقلال بجدواها وجديتها. ذات يوم، ليس ببعيد، أصر بعض “الوحدويين” السودانيين على رفض شعار “سودان واحد بنظامين” ... انتهت الحال بالسودان إلى التقسيم ... وأخشى أن الذين يرفضون الفيدرالية اليوم، سيدفعون العراق إلى التقسيم النهائي وفقاً لخرائط المكونات الثلاثة ... لقد انتهى زمن الدولة المركزية الواحدة في العراق على ما يبدو، و”الفيدرالية” إن لم تصبح واقعاً معاشاً بالتراضي بين العراقيين، ستتحول إلى حلم بعيد المنال... ولست أستبعد أن تكون “الفيدرالية” مرحلة انتقالية على طريق التقسيم والانفصال التام والنهائي، فتلكم هي المآلات الطبيعية لصراعات تحكمها الغرائز والعصبيات المذهبية والدينية والقبلية ... من قال، إن الفيدرالية في العراق، خطوة للوراء؟!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

عراق فيدرالي  لِمَ لا عراق فيدرالي  لِمَ لا



GMT 20:14 2025 الجمعة ,31 تشرين الأول / أكتوبر

بيروت والكلام المغشوش

GMT 20:11 2025 الجمعة ,31 تشرين الأول / أكتوبر

التغييرات المناخية... الأمل بالطيران في بيليم

GMT 20:05 2025 الجمعة ,31 تشرين الأول / أكتوبر

انتحار الصِغار و«رقمنة» اليأس

GMT 20:00 2025 الجمعة ,31 تشرين الأول / أكتوبر

الحبل السُّرِّي بين العالم العربي وحل الدولة الفلسطينية

GMT 19:47 2025 الجمعة ,31 تشرين الأول / أكتوبر

عالم من الضواري

GMT 14:43 2025 الأحد ,26 تشرين الأول / أكتوبر

سوريا الأستاذ وديع

GMT 14:41 2025 السبت ,25 تشرين الأول / أكتوبر

في حب الصحراء: شريان الحياة

GMT 14:38 2025 الأحد ,26 تشرين الأول / أكتوبر

الرئيس والممسحة

رحمة رياض تتألق بإطلالات متنوعة تجمع بين الأناقة والجرأة

الرياض - المغرب اليوم

GMT 21:29 1970 الجمعة ,31 تشرين الأول / أكتوبر

العاهل المغربي يدعو الرئيس الجزائري إلى حوار صادق وبناء
المغرب اليوم - العاهل المغربي يدعو الرئيس الجزائري إلى حوار صادق وبناء

GMT 08:58 2025 السبت ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

الفنانة شمس البارودي تكشف عن تفاصيل أزمتها الصحية
المغرب اليوم - الفنانة شمس البارودي تكشف عن تفاصيل أزمتها الصحية

GMT 17:25 2013 الإثنين ,11 آذار/ مارس

"ماوس" تطفو اعتمادًا على دوائر مغناطيسية

GMT 09:48 2017 الخميس ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

مطعم "الشلال" يسعى إلى جذب زبائنه بشتى الطرق في الفليبين

GMT 23:15 2023 السبت ,21 تشرين الأول / أكتوبر

سان جيرمان يكتسح ستراسبورغ بثلاثية في الدوري الفرنسي

GMT 08:04 2023 الأربعاء ,18 تشرين الأول / أكتوبر

سلطنة عمان تحذر مواطنيها من خطورة السفر إلى لبنان

GMT 22:31 2023 الخميس ,12 تشرين الأول / أكتوبر

المغربي مهدي بنعطية مرشح لمنصب مدير رياضي بفرنسا

GMT 08:16 2023 الأربعاء ,13 أيلول / سبتمبر

أبرز الأخطاء الشائعة في ديكورات غرف النوم الزوجيّة

GMT 16:04 2023 الإثنين ,11 أيلول / سبتمبر

150 قتيلا جراء الفيضانات والأمطار الغزيرة في ليبيا
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
RUE MOHAMED SMIHA ETG 6 APPT 602 ANG DE TOURS CASABLANCA MOROCCO
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib