أرقد بسلامفلا يضير الشاه سلخها بعد الذبح

أرقد بسلام...فلا يضير الشاه سلخها بعد الذبح

المغرب اليوم -

أرقد بسلامفلا يضير الشاه سلخها بعد الذبح

عريب الرنتاوي
عريب الرنتاوي

يخرج أهالي بلدة بيتا (من أعمال نابلس) عن بكرة أبيهم في تشييع رفات "الجندي الأردني المجهول"، يتقدمهم ضيوف البلدة من خارجها، مدنيون وعسكريون (أردنيون وفلسطينيون)...تشييع مهيب لشهيد كاد يرتقي مرة ثانية، الأولى عندما أعدمه جنود إسرائيليون بدم بارد، بعد أن أحضروه لتخوم البلدة مقيد اليدين ومعصوب العينين وأطلقوا النار عليه من "المسافة صفر"...والثاني، حين كادت بلدوزرات الاستيطان الزاحف، تجرّف ضريحه مثلما تفعل صبح مساء في أرض الفلسطينيون وبيوتهم ومزارعهم، لولا يقظة رجالات القرية وشبانها، وفي مقدمهم الحاج السبعيني رزق الله اقطش.
 
صورة مهيبة أخرى، لامتزاج الدم الفلسطيني بالدم الأردني...صورة لوفاء الفلسطينيين الذين لا حدود لوفائهم لكل من شاركهم التضحية والفداء في سبيل الأرض والعرض والمقدسات...صورة مجيدة أخرى، من صور البذل والتضحية التي سجلها أردنيون كثر، على تراب فلسطين، كل فلسطين، بشهادة عشرات المواقع المتناثرة لجثامين شهدائهم، المعلوم منهم والمجهول.
 
لم يحظ "الشهيد الأردني المجهول" بمراسم تشييع لائقة، عندما استقر لأول مرة في حفرة الأبدية...يومها كانت الناس في "نكسة"، والفوضى سيدة الموقف، وكانت العصابات المسلحة الإسرائيلية تعيث في الأرض قتلاً وإعداما، وكان القتلة بدم بارد، يوزعون جثث ضحاياهم على الوديان ومساقط السيول، بعد أن يتأكدوا من مصادرة كافة الأوراق الثبوتية لأصحابها...لهم تاريخ طويل في إخفاء الجثث وتشويهها، بعد أن زرعوا الأرض بـ"مقابر الأرقام"، وبوجود 66 جثمان لشهيد فلسطيني طاهر، ما زالت قيد الأسر والاحتجاز، يمنع أهلها وذوها من مواراتها الثرى، كسائر خلق الله.
 
"لا يضير الشاة سلخها بعد الذبح" عبارة قالتها "ذات النطاقين" لابنها عبد الله بن الزبير قبل أربعة عشر قرناً...ولا يضير "الجندي الأردني المجهول"، إن دُفن على عجل، وبعد مضي عشرين يوماً على استشهاده كما يقول الحاج أقطش، بفعل عيون الغدر المترصدة ورصاصاته التي كانت تنهال على كل من يحاول دفنه أو سحبه جثمانه المسجى على سفوح جبال النار والثوار...أرقد بسلام، ولا يضيرك أنهم "أقلقوا راحتك" في مثواك الأخير، فهذا ديدنهم: يقتلون الأحياء والأموات، وبدل المرة مرتين...أرقد بسلام، فأنت بين أهلك وعائلتك، جميع أهل بيتا وفلسطين هم أهلك، وجميع العائلات الفلسطينية وعائلة رزق الله أقطش هم عائلتك...انت تعرف ذلك جيداً، فقد كانوا جميعاً يرعونك في ضريحك الطاهر لأزيد من خمسين عاماً، كواحد من أبنائهم، لم ينقطوا عن زيارتك، ولم يتوقفوا يوماً عن قراءة الفاتحة على روحك الطاهرة.
 
"شممت تربك لا زلفى ولا ملقا"، بل هو عهد الرجال للرجال، ومبادلة الحب بالحب، الوفاء بالوفاء والتضحية بالتضحية...وما أحوجنا في زمن الانكسارات والهوان، لاسترداد صفحات مجد وبطولة...ما أحوجنا في زمن النكرات من التذكير بمن نحن، وما كنّا عليه، وما سنظله...ما أحوجنا في زمن الأصوات الناعقة، للتأكيد: لا "ضيوف" شرقي النهر ولا غربه، جميعنا أهل بيت واحد و"أصحاب محل"، نقتسم الشهادة، كما نقستم كسرة الخبز وشربة الماء...نرضع مشاعر الأخوة والكبرياء مع حليب أمهاتنا...ونؤمن قولاً واحداً: بأن ما مضى وانقضى، ليس سوى فصل في ملحمة لن تنتهي قبل أن تبزغ شمس الحرية والكرامة، شمسٌ واحدة تشرق من أعماق البادية وتغرب في أفق المتوسط البعيد.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

أرقد بسلامفلا يضير الشاه سلخها بعد الذبح أرقد بسلامفلا يضير الشاه سلخها بعد الذبح



GMT 14:25 2025 الأربعاء ,27 آب / أغسطس

الصحيفة.. والوزير

GMT 19:42 2025 الأحد ,17 آب / أغسطس

إنذار جريمة طريق الواحات!

GMT 15:53 2025 الإثنين ,04 آب / أغسطس

خريطة سعدون حمادي

GMT 15:34 2025 الإثنين ,04 آب / أغسطس

مصر للطيران!

GMT 20:44 2025 السبت ,19 تموز / يوليو

الطعن على الوجود

داليدا خليل تودّع العزوبية بإطلالة بيضاء ساحرة وتخطف الأنظار بأناقة لا تُنسى

بيروت ـ المغرب اليوم

GMT 22:07 2025 الثلاثاء ,09 أيلول / سبتمبر

سبع إشارات يومية قد تكون مؤشرا مبكرا لنوبة قلبية
المغرب اليوم - سبع إشارات يومية قد تكون مؤشرا مبكرا لنوبة قلبية

GMT 22:09 2025 الإثنين ,08 أيلول / سبتمبر

سيلينا غوميز تحتفل بمرور عشر سنوات على ألبوم Revival
المغرب اليوم - سيلينا غوميز تحتفل بمرور عشر سنوات على ألبوم Revival

GMT 20:41 2019 الجمعة ,06 أيلول / سبتمبر

تشعر بالغضب لحصول التباس أو انفعال شديد

GMT 13:22 2021 الجمعة ,16 تموز / يوليو

مانشستر يسعى للتعاقد مع فاران في أقرب فرصة

GMT 17:53 2020 الثلاثاء ,08 كانون الأول / ديسمبر

تستفيد ماديّاً واجتماعيّاً من بعض التطوّرات

GMT 19:14 2020 الأربعاء ,24 حزيران / يونيو

تعرفي على طرق ترتيب المنازل الصغيره

GMT 03:36 2019 الإثنين ,15 تموز / يوليو

ديكورات شقق طابقية فخمة بأسلوب عصري في 5 خطوات

GMT 14:30 2018 السبت ,06 تشرين الأول / أكتوبر

حسن يوسف يشتري الورود لشمس البارودي في عيد ميلادها

GMT 08:07 2018 الثلاثاء ,24 تموز / يوليو

اكتشفي منتجعات تضمن لك صيفا لا يُنسى
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
RUE MOHAMED SMIHA ETG 6 APPT 602 ANG DE TOURS CASABLANCA MOROCCO
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib