ويواصل اللبنانيون حياتهم الطبيعية

...ويواصل اللبنانيون حياتهم الطبيعية!

المغرب اليوم -

ويواصل اللبنانيون حياتهم الطبيعية

طلال سلمان


يعيش «العرب»، في مختلف ديارهم، حالة رعب غير مسبوقة على مستقبل دولهم المهددة في وجودها، والتي فاقم الظهور الدراماتيكي لتنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» من مخاطرها المباشرة باجتياحه أراضي الدولتين اللتين كانتا الأقوى في المشرق، سوريا والعراق.
...ويواصل اللبنانيون حياتهم الطبيعية، وكأنهم في كوكب آخر. لا يشغل بالهم انهم بلا رئيس لجمهوريتهم الفريدة في بابها منذ عشرة شهور تقريباً، وان وزيرا واحداً بحقيبة بلا وزارة يمكن ان يعطل مجلس الوزراء مجتمعا.. وان النواب الممدد لهم بدل المرة مرتين يتركون مجلسهم بلا نصاب، وان حرصوا على التقاط الصور اثناء دخولهم مبناه العريق وعند خروجهم منه مبتسمين!
يلغي «داعش» الحدود بين العراق وسوريا، على الأرض، ثم يأتي الطيران الحربي «للتحالف الدولي» ليلغي تلك الحدود في الفضاء... وينسى الناس ان تلك الحدود طالما شهدت، في الماضي، حشودا عسكرية متواجهة للجيشين الشقيقين، وكأن الدولتين ذاهبتان حتما إلى الحرب... لكنهما لا تلتقيان الآن على صد الخطر على المصير المشترك..
...ويواصل اللبنانيون حياتهم الطبيعية، اناء الليل واثناء النهار، يملأون المطاعم، لا سيما الفخمة منها، يقيمون الحفلات ناعمة وصاخبة، يسافرون إلى حيث يرزقون ويعودون مبتهجين، وكأنهم لم علموا ولم سمعوا بما يجري في جوارهم، بل داخل بلادهم، في محيط عرسال وجوارها، ويتصرفون وكأنهم محصنون، وهم المبتلون بسرطان الطائفية ـ آكلة الدولة، ضد الانقسام والتشطير.
تتهاوى دولة اليمن، التي لم تكن محصنة ضد زلزال الانفصال في أي يوم، وترتفع صيحات الحرب في الجزيرة والخليج ضد إيران، وتنضم مصر إلى موكب القلق على مصير مضيق باب المندب، بتأثيره المدمر على قناة السويس التي اندفع حكم الرئيس السيسي إلى تعميق مجراها وفتح مسرب جديد للسفن فيها، من أجل زيادة مؤثرة في الدخل القومي يحتاجها الحكم الذي خلع «الاخوان» احتياجاً شديدا..
...ويواصل اللبنانيون حياتهم الطبيعية، يستمر التلاميذ الصغار في الذهاب إلى مدارسهم، الأجنبية أساساً ومعها بعض الحكومية، والطلاب إلى جامعاتهم الأجنبية أساساً ومعها «الجامعة اللبنانية»... يتبادلون على هواتفهم الصور المرعبة للقتل حرقاً أو بالسيف أو حتى بالسكين التي تبثها «داعش»، ثم يتبادلون التعليق عليها، وكأنهم نقاد فنيون، فيشيرون إلى دقة أولئك السفاحين وبراعاتهم وتفننهم في تنفيذ احكامهم بإعدام «الكفار» والخبرات الدولية لمصوريهم الذين لا تهزهم مناظر حز الرؤوس بل لعلهم يستمتعون بذعر من تسوقهم اقدارهم إلى مقصلة «الدواعش».
تضطرب الدول العربية في شمال افريقيا لانفجار الوضع في ليبيا وظهور «داعش» في تلك البلاد الواسعة التي عاشت بلا دولة طوال تاريخها، وان حكمها «العقيد» لأربعين سنة أو يزيد بابتداع أسباب لإشغال الرعايا عن السياسة والحكم بهموم تفصيلية، تاركين له القرار، كل قرار وأي قرار، مقابل الأمن والرغيف والعيش بسلام.
...ويواصل اللبنانيون حياتهم الطبيعية، حتى وهم يتابعون اضطراب المصريين بعد المذبحة التي نظمها «داعش» للعمال الذين قصدوا ليبيا ساعين وراء لقمة العيش المجبولة بعرق الجباه، والخوف الذي يظلل التوانسة والجزائريين والمغاربة، وينتقل عبر البحر إلى إيطاليا التي يريد خليفة «داعش» استعادتها إلى فيء دولته الإسلامية..
أضعف الدول أقواها. أكثر الأنظمة ارتجاجا اصلبها. اعظم «الشعوب» انقساماً امتنها.
أين الغلط؟! في لبنان بنظامه الاشوه، ودولته المغيبة والتي إذا حضرت استمتع الناس بالهجوم عليها لبشاعة أداء مسؤوليها، داخل إداراتها ومؤسساتها أكثر مما من خارجها... أم في تلك الدول الحاضرة بأجهزتها الاستخبارية أكثر من حضورها بدورها في تقدم مجتمعاتها بجهود شعبها المتحرر من عقدة الخوف من «البصاصين» و «السميعة» ومجهزي الاتهام بالعمالة للاجنبي وخيانة النظام والقائد والدولة والوطن والحزب لكل من ردد، ولو في الحمام مقطعا من أغنية محمد عبد الوهاب: أحب عيشة الحرية!
على هذا النظام الفريد في بابه في لبنان ان يتقدم بالشكر وعرفان الجميل لكل الأنظمة العربية: لقد غطوا عوراته وزينوا تشوهاته وجملوا مخازيه حتى بات اصلبها عوداً واقدرها على الحياة بلا دولة لها مؤسساتها التشريعية والتنفيذية، بل وبلا شعب، بالمعنى المألوف لكلمة «شعب».
عشتم وعاش لبنان الذي يستمد مبرر وجوده من عيوب الدول الشقيقة!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ويواصل اللبنانيون حياتهم الطبيعية ويواصل اللبنانيون حياتهم الطبيعية



GMT 00:10 2025 الثلاثاء ,09 أيلول / سبتمبر

أزمة النووي الإيراني.. أي مسار سنشهد؟‎

GMT 00:06 2025 الثلاثاء ,09 أيلول / سبتمبر

قمة لا غرب فيها

GMT 00:03 2025 الثلاثاء ,09 أيلول / سبتمبر

وميضٌ عربي في بحر الظلمات

GMT 00:00 2025 الثلاثاء ,09 أيلول / سبتمبر

لبنان وخطر العودة إلى العادات القديمة

GMT 23:58 2025 الثلاثاء ,09 أيلول / سبتمبر

«واقعة» صبي المنبر

GMT 23:56 2025 الثلاثاء ,09 أيلول / سبتمبر

«عيد ميلاد سعيد».. أمل جديد!

داليدا خليل تودّع العزوبية بإطلالة بيضاء ساحرة وتخطف الأنظار بأناقة لا تُنسى

بيروت ـ المغرب اليوم

GMT 16:36 2019 الخميس ,07 شباط / فبراير

عملية جراحية ناجحة للاعب الفتح أنس العمراني

GMT 08:53 2017 الأربعاء ,22 شباط / فبراير

إدماج المرأة الجميلة في التنمية!

GMT 14:17 2015 الأربعاء ,26 آب / أغسطس

نصائح جمالية لصاحبات العيون المبطنة

GMT 08:40 2016 الأربعاء ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

الفنانة السورية سارة نخلة تُشارك في مسلسل"هبة رجل الغراب 4"

GMT 02:49 2017 الأربعاء ,17 أيار / مايو

النواصرة يستطيع تصميم أي مجسّم من الأسلاك

GMT 21:50 2017 الثلاثاء ,31 تشرين الأول / أكتوبر

سعر الدرهم المغربي مقابل الريال السعودي الثلاثاء

GMT 00:49 2017 الخميس ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

بن ثاير مدربا جديدا للترجي لكرة اليد
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
RUE MOHAMED SMIHA ETG 6 APPT 602 ANG DE TOURS CASABLANCA MOROCCO
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib