ماذا وراء هذا التّلاسن بين الرئيسين الروسي والأمريكي

ماذا وراء هذا التّلاسن بين الرئيسين الروسي والأمريكي؟

المغرب اليوم -

ماذا وراء هذا التّلاسن بين الرئيسين الروسي والأمريكي

عبد الباري عطوان
عبد الباري عطوان

خرج الرئيس الأمريكي جو بايدن عن كُل الأعراف الدبلوماسيّة عندما اتّهم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بأنّه “قاتل”، وأنّه “بلا قلب”، وسيدفع ثمنًا باهظًا مُقابل تدخّل بلاده في الانتِخابات الأمريكيّة، الأمر الذي يكشف ارتباكه، وسعيه لإشعال فتيل “حرب باردة” مع القيادة الروسيّة

بوتين كان في “قمّة الأدب” والبلاغة في ردّه على هذا التّوصيف “الوَقِح” الذي لا يليق بلُغة التّخاطب بين الزّعماء، عندما قال “الكلام صفة المُتكلّم أو كُل إناءٍ بِما فيه ينضح، وأتمنّى لك الصحّة والعافية”، ووجّه دعوةً إلى الرئيس بايدن للظّهور معه في مُناظرةٍ تلفزيونيّة على الهواء مُباشرةً يجري بثّها في مُختلف أنحاء العالم ، ولكنّ الأخير لم يرد.

هذا التّلاسن ليس مُفاجِئًا، فالرئيس بايدن أكّد مُنذ اليوم الأوّل لتولّيه السّلطة أنّ روسيا تحتل مرتبة “العدوّ الأوّل” بالنّسبة إلى بلاده، واتّهمها ليس فقط بالتّدخّل في الانتخابات الأمريكيّة، وإنّما أيضًا بالوقوف خلف الهُجوم “السبراني” الأخير الذي استهدف أكثر من 30 دائرة ومُؤسّسة أمريكيّة أمنيّة واقتصاديّة، وألحَق أضرارًا ماديّة ومعنويّة ضخمة.

لا نعتقد أنّ الرئيس بوتين “الدّاهية” الذي تتفوّق بُرودة أعصابه جليد سيبيريا، سيكتفي بسحب السفير الروسي من واشنطن للتّشاور ردًّا على هذا “التّطاول” وقد لا يعود هذا السّفير إلى سفارته إلا إذا قدّم الرئيس الأمريكي اعتذارًا رسميًّا، ولا تُوجَد أيّ مُؤشّرات في الوقتِ الرّاهن تُوحِي بذلك.
***
يبدو أنّ الرئيس بايدن ينسى المجازر التي ارتكبتها وترتكبها بلاده في أفغانستان والعِراق وسورية واليمن وليبيا، ناهِيك عن هيروشيما وناغازاكي وكوريا، ولكنّنا لا يُمكن أن ننسى لأنّنا أهل مُعظم هؤلاء الضّحايا، والعرب والمُسلمين منهم خاصّةً.
الرئيس بايدن يَصِف الرئيس بوتين بأنه “قاتل” ويُهدّده بالعِقاب، ولكنّه لم يُطلِق الصّفة نفسها على الأمير محمد بن سلمان الذي اتّهمه تقرير المُخابرات الأمريكيّة رسميًّا بالمسؤوليّة الأولى عن مقتل وتقطيع، وربّما حرق، الصّحافي السعودي جمال خاشقجي، الأمر الذي يُذكّرنا مُجَدَّدًا بالازدواجيّة الأمريكيّة العوراء.
نحن لا نُبرّئ روسيا، وقبلها الاتّحاد السوفييتي من ارتكاب مجازر في الشيشان وأفغانستان ودول عديدة، لكنّ الفارق الأساسي أنّ روسيا لم تدّعِ أنّها زعيمة العالم اللّيبرالي الحُر الحريصة على الحريّات وملفّات حُقوق الإنسان في العالم بأسْرِه، وتُنفِق عشَرات المِليارات في سورية وليبيا وفنزويلا لتغيير الأنظمة سواءً بتجويع الشّعوب من خِلال حِصارات خانقة، أو بدعم المُعارضات بالسّلاح الثّقيل تحت ذرائع الديمقراطيّة وحُقوق الإنسان.
كُنّا نعتقد أن “البذاءة” الأمريكيّة ستختفي باختِفاء الرئيس دونالد ترامب، وخُروجه من البيت الأبيض ذَليلًا مهزومًا، وكم كُنّا مُخطئين، فها هو بايدن يسير على النّهج نفسه، إن لم يكُن أسوأ، وربّما يكون هذا الهُجوم على الرئيس الروسي هو أوّل الغيث.
الأمْر المُؤكّد أنّ الرّد الروسي سيكون عمليًّا بتوثيق التّحالف الجديد طَور التّأسيس ويَضُم الصين وروسيا وإيران وكوريا الشماليّة وربّما الهند ودول أخرى أيضًا، والحرب الباردة الجديدة لن تكون ثُنائيّة ومُقتَصِرَة على واشنطن وموسكو وإنّما هذه الدّول ومن ينضم إلى حِلفها أيضًا.
***
ما أغضب بايدن ليس تدخّل روسيا في الانتِخابات الأمريكيّة لإنجاح ترامب الذي خدمت سِياساته الروس بتدميرها هيبة بلاده وتقويضها وحدتها الداخليّة، وإنّما شُعوره بأن بلاده تنحدر بسُرعةٍ إلى المقاعد الخلفيّة ولمصلحة التّحالف بين قوّتين عُظميين، الأولى صاعدة (الصين) ستتربّع على عرش العالم اقتصاديًّا وعسكريًّا في غُضون عشر سنوات على الأكثر، والثّانية قديمة تتجدّد (روسيا) وتَخرُج من أزَماتها وتُرمّم اقتِصادها وترسانتها العسكريّة وتستعيد مكانتها في المُقدّمة التي خسرتها بسبب قيادة سوفييتيّة هَرِمَة، ورئيس سِكّير (يلتسين)، وآخَر عميل للغرب (غورباتشوف).
الصّراع على الهيمنة على قمة العالم يتجدّد وبسُرعةٍ غير مُتوقّعة، والرئيس بايدن يُطلِق رصاصته “الكلاميّة” الأولى، واللُه وحده يعلم كيف ستتطوّر الأمور، ولكن ما نعرفه أنّنا كعرب وكمُسلمين لن نكون بمنأى عن هذه الحرب الباردة الجديدة، وهذا إذا لم نَكُن أدواتها ووقودها، مثلما كان عليه الحال في كُل الحُروب الماضية، باردةً كانت أو ساخنة.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ماذا وراء هذا التّلاسن بين الرئيسين الروسي والأمريكي ماذا وراء هذا التّلاسن بين الرئيسين الروسي والأمريكي



نجمات الموضة يتألقن بإطلالات صيفية منعشة تجمع بين البساطة والأنوثة

دبي - المغرب اليوم

GMT 10:25 2016 الأربعاء ,18 أيار / مايو

أمير قطر يتسلم رسالة خطية من الرئيس السوداني

GMT 18:16 2015 الخميس ,12 تشرين الثاني / نوفمبر

زيت شجرة الشاي لعلاج التهاب باطن العين

GMT 04:56 2016 الإثنين ,04 كانون الثاني / يناير

ارتفاع حركة النقل الجوي في مطارات المغرب بنسبة 1.79 %

GMT 13:04 2017 الجمعة ,06 تشرين الأول / أكتوبر

مجموعة "المغانا" تتبرأ من "تيفو" مباراة المغرب والغابون

GMT 22:00 2017 الإثنين ,09 تشرين الأول / أكتوبر

ناصيف زيتون يحي صيف النجاحات وسط حضور جماهيري حاشد

GMT 19:55 2022 الخميس ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

هبوط أسعار النفط مع تنامي مخاوف الصين من فيروس كورونا

GMT 15:06 2022 الثلاثاء ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

أرباح "مصرف المغرب" تبلغ 438 مليون درهم

GMT 12:29 2022 السبت ,07 أيار / مايو

أفضل أنواع الهايلايتر لجميع أنواع البشرة

GMT 17:41 2022 السبت ,09 إبريل / نيسان

زلزال بقوة 4,3 درجات في إقليم الدريوْش

GMT 23:50 2022 الأربعاء ,26 كانون الثاني / يناير

"ناسا" ترصد مليون دولار لمن يحل مشكلة إطعام رواد الفضاء

GMT 20:42 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

مدريد تستعد لأشد تساقط للثلوج منذ عقود

GMT 01:34 2020 الخميس ,03 كانون الأول / ديسمبر

الحكم على المودل سلمى الشيمي ومصورها

GMT 22:23 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

مُساعد جوسيب بارتوميو يظهر في انتخابات نادي برشلونة المقبلة

GMT 15:54 2020 الخميس ,29 تشرين الأول / أكتوبر

أبرز التوقعات لعودة تطبيق الحجر الصحي الكامل في المغرب
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
RUE MOHAMED SMIHA ETG 6 APPT 602 ANG DE TOURS CASABLANCA MOROCCO
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib