تفجير القديح وخلط الأوراق

تفجير القديح وخلط الأوراق

المغرب اليوم -

تفجير القديح وخلط الأوراق

محمد الأشهب


دعم عريض وقوي تحظى به المملكة السعودية في حربها على الإرهاب، يتوزع على محورين: تماسك الجبهة الداخلية في نطاق اختراق إصلاحي هادئ ومتوازن ينمي الشعور بالوحدة والتضامن واليقظة، ودعم عربي ودولي واسع النطاق ينحو في اتجاه بلورة نموذج فريد في التصدي للمخاطر والتهديدات الإرهابية على المستويات كافة.
لكن النجاح الذي حققته التجربة السعودية، من خلال تفكيك خلايا إرهابية عدة، واستخدام مكانتها الروحية والسياسية والاقتصادية في العالمين العربي والإسلامي، كان لا بد من أن يثير قلق وإحباط التنظيمات الإرهابية العابرة للحدود، أقربه أن تحالف «عاصفة الحزم» و «استعادة الأمل» عكس توجهات جديدة في مجابهة المخاطر المحدقة بأمن واستقرار المنطقة. وجاء استهداف مسجد قرية القديح بعمل إرهابي بغيض خلّف ضحايا أبرياء، ليؤكد عدم استثناء بيوت العبادة، بما تحمله من زخم روحي وحضاري وسمو إنساني، من الممارسات الوحشية التي لا تقيم وزناً للمقدسات والحرمات.‬
في توقيته وأهدافه وأبعاده وخلفياته، يطرح العمل الإجرامي المدان أكثر من سؤال عن بواعثه، ليس أبعدها الانزعاج من التأثير الإيجابي للتحولات التي تعرفها المملكة داخلياً وإقليمياً وعربياً. فقد أمسكت الرياض بزمام المبادرة على أكثر من صعيد. ولم تعد التوجهات الكبرى رهن استقراء تطورات الأوضاع الإقليمية والدولية، بل أصبح الموقف السعودي مؤثراً في سياق الأحداث يعتمد استقلال القرار ومنهجية استباق التفاعلات. عدا أنه كشف للمرة الأولى نهاية منطق الانتظار. حدث ذلك ولا يزال في حشد التعبئة وتطويق وتجفيف منابع الظاهرة الإرهابية، وفق منظور يتلازم ضمنه البعد الروحي والإصلاحي والأمني. وتبلور أكثر عبر سياسة تجديد النخب الحاكمة التي استلمت مشعل تحمل المسؤولية، في نطاق الحرص على ثوابت الاستمرارية وبث دماء جديدة في شرايين الدولة. ثم استقر عند هاجس حماية الشرعية وصون معالم الاستقرار الإقليمي الذي لا ينفصل عن رهانات استراتيجية بعيدة المدى.
منذ أيار (مايو) 2003 استفاقت السعودية على وقع هجمات إرهابية مدوية عندما تعرضت ثلاث مجمعات سكنية في مدينة الرياض إلى هجمات إرهابية مقيتة أوقعت أكثر من ثلاثين قتيلاً. وصادف أن الموجة الأولى من رياح الإرهاب الغادر تزامنت وانشغال العالم المتحضر بتداعيات المارد الإرهابي الذي خرج من قمقمه. لكن الصرامة واليقظة ومظاهر التصدي القانوني والعقلاني والاجتماعي أفشلت ذلك المخطط وغيره من الأعمال التي سعت إلى تدويل الظاهرة والتطاول على رمزية المكانة الروحية للمملكة.‬
من وقتها خاضت السعودية حرباً بلا هوادة ضد فلول الإرهابيين المحليين والمتسللين. وتمكنت من إقامة سياج أمني واجتماعي ثقافي رادع، انهارت حوله أوهام التنظيمات الإرهابية في إيجاد ملاذات، رغم استمالة متطوعين منعزلين قوبلوا بنبذ المجتمع السعودي والعربي والدولي، كما هي حال الظاهرة المثيرة للسخط والغضب والاشمئزاز. غير أن تطورات الأوضاع الإقليمية، وتحديداً في العراق، ثم سورية لاحقاً وغياب الاستقرار في اليمن، واستمرار بؤر التوتر في أفغانستان والصومال، كلها عوامل دفعت إلى اعتلاء الظاهرة الإرهابية واجهة الأحداث. وكان بديهياً أن السعودية، بحكم ثقلها ووزنها ستكون ضمن دائرة الاستهداف الذي لا يكاد يستثني أي منطقة في العالم.
إذا كان صحيحاً أن التهديدات الإرهابية لم تنتهِ، وأنها في طريقها إلى أن ترتدي أبعاداً أخطر، في ظل استمرار الأزمات الإقليمية، خصوصاً في العراق وسورية الأقرب إلى الجوار السعودي، فإن الحادث الإرهابي في مسجد قرية القديح كان يتوخى خلط الأوراق ومحاولة إذكاء صراعات مذهبية لا وجود لها في نسيج الواقع الديني والاجتماعي، فالشعور الوحدوي الجماعي الذي ترسخ في المملكة على امتداد قرون وحقب، أكبر من أن تنال منه مغامرات ذات خلفيات عصبية منغلقة.
بيد أن استهداف السعودية يحيل بصورة مباشرة على استهداف العالم الإسلامي، ما يفقد دعاة تصنيف الإرهاب وفق الأديان والمعتقدات والأجناس والأعراف أهم استدلالاتهم، فيما تنبري التجربة السعودية لتقديم نموذج مغاير في الحرب على الإرهاب، وفق منظور تغيير العقليات والقناعات، وملاحقة الأزمات التي تتسبب في استشراء العنف والتطرف والإرهاب والمغالاة. فالمنطقة العربية تحديداً تعاني من كلفة باهظة تطاول غياب الأمن والاستقرار والسلم. ولعلها من خلال مواصلة مبادرات المملكة ذات الأبعاد السياسية والتحالفات الدفاعية ونشر مبادئ التآخي والحوار وتكريم الإنسان، تعكس وعياً حقيقياً بمضمون متقدم لناحية أن الحرب على الإرهاب يتعين خوضها على المستويات كافة، ولا ضير في أن تكون الكلفة عالية. إذ لا أغلى من سلامة الأوطان واحترام ماهية الإنسان.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

تفجير القديح وخلط الأوراق تفجير القديح وخلط الأوراق



GMT 15:23 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

عفواً سيّدي الجلاد

GMT 15:21 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

الفوسفات والذنيبات والمسؤولية المجتمعية تصل البربيطة

GMT 15:18 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

أبو دلامة وجي دي فانس

GMT 15:07 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

العودة إلى إسحق رابين

GMT 14:59 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

من الساحل إلى الأطلسي: طريق التنمية من أجل الاستقرار

GMT 14:52 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

فضيحة في تل أبيب!

GMT 14:45 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

مصر تفرح بافتتاح المتحف الكبير (1)

GMT 14:42 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

شخص غير مرغوب فيه

نجمات مصريات يجسّدن سحر الجمال الفرعوني في افتتاح المتحف المصري

القاهرة - المغرب اليوم

GMT 00:22 2025 الأربعاء ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

بوتين يؤكد صاروخ بوريفيستنيك يضمن أمن روسيا لعقود
المغرب اليوم - بوتين يؤكد صاروخ بوريفيستنيك يضمن أمن روسيا لعقود

GMT 18:26 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

بوريس جونسون يهاجم بي بي سي ويتهمها بالتزوير
المغرب اليوم - بوريس جونسون يهاجم بي بي سي ويتهمها بالتزوير

GMT 21:54 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

تفاصيل خطة تشكيل القوة الدولية لحفظ الأمن في غزة
المغرب اليوم - تفاصيل خطة تشكيل القوة الدولية لحفظ الأمن في غزة

GMT 13:31 2025 الثلاثاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

طرق ذكية لتعليق اللوحات دون إتلاف الحائط
المغرب اليوم - طرق ذكية لتعليق اللوحات دون إتلاف الحائط

GMT 20:20 2019 الأربعاء ,13 تشرين الثاني / نوفمبر

4 أصوات تشير إلى أعطال في محركات السيارات

GMT 06:27 2018 الثلاثاء ,05 حزيران / يونيو

دراسة تؤكّد تأثير حجم المخ على التحكّم في النفس

GMT 21:07 2018 الأربعاء ,04 إبريل / نيسان

"سباق الدراجات" يدعم ترشح المغرب للمونديال

GMT 01:40 2018 السبت ,10 آذار/ مارس

رجل يشكو زوجته لسوء سلوكها في طنجة

GMT 05:32 2017 الأربعاء ,03 أيار / مايو

محمود عباس فى البيت الأبيض.. من دون فلسطين!
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
RUE MOHAMED SMIHA ETG 6 APPT 602 ANG DE TOURS CASABLANCA MOROCCO
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib