بقلم : أمينة خيري
ما تعداد «شهاب من عند الجمعية» فى مصر؟ هل هو حالة فردية؟ هل حقًا فوجئنا واندهشنا وأصبنا بصدمة رهيبة ونحن نشاهد الطفل شهاب وهو يفتح فمه لتنطلق كلمات التهديد والوعيد والشتائم، وتتفجر مخارج ألفاظه بما نتابعه من محتوى أفلام ما بعد المقاولات، من تطجين، وتعميم حرف العين على باقى حروف الأبجدية، وإلغاء حروف، والتشويح بالأيدى، مع اختفاء كامل لأى ملامح أو معالم أو بقايا براءة طفولة يفترض أن تكون على وجه ابن الـ 15 عامًا؟ أرى هذا الـ«شهاب» منذ سنوات طويلة فى الشوارع والمحلات وعلى الكورنيش وبالطبع يقود تكاتك و«تمناية» ودراجات نارية.
وكما أراه أنا يراه غيرى حتى أصبح مظهرًا عاديًا لا يستوقف أحدًا. ليس هذا فقط، بل إن البعض يعتبر نموذج شهاب يحتذى فى المرجلة والمجدعة والإقدام والتحدى. وسواء كان شهاب صادقًا فيما قال من أنه ينفق على أسرته وبقية تفاصيل القصة، فسيبقى شهاب شوكة تنغص ضمائر كل من ترك وسكت وبارك بزوغ منظومة شهاب لتصبح جزءًا لا يتجزأ من تفاصيل الحياة اليومية. طفل يقود مركبة، طفل عامل، طفل لم يمر ولو مرور الكرام على ما يعرف بتربية أو تنشئة أو ما يصح وما لا يصح. ولن أتعجب لو ظهر شهاب بسبحة وسجادة صلاة فى صورة من ألبوم الأسرة وشيخ الجامع يؤكد أن شهاب يصلى الخمس صلوات، ويصوم رمضان، ولا يفوت فرضًا، فهذه نقرة وتلك أخرى.
الدين بنسخته الشعبية الحالية والتدين فى واد، والأخلاق والقانون فى واد. أعود وأسأل كم مليون شهاب لدينا؟ ويحضرنى فى هذا الموقف، فتاة الجبر الـ«خ..» والتاريخ الـ«خ..»، طالبة الإعدادية «المسكينة» والتى كتبت عنها هنا قبل أيام. مما كتبت: هى ضحية انقشاع زمن المدرسة، ومعها دورها التربوى وهيمنة عصر السنتر الذى يلقن ولا يربى، هذه «المسكينة» التى تعتقد أن المراقب الطيب الجدع هو من لا يترك «اللجنة شدة».
هذه «المسكينة» التى ما أن فتحت فمها، حتى تفجرت ينابيع الشرشحة والبلطجة والسرسجة لأنها لا تعرف غيرها وسيلة للتعبير. هذه «المسكينة» التى تتفوه بألفاظ ونعوت كانت حتى وقت قريب مضى تعتبر مقرفة كريهة مثيرة للاشمئزاز، هذه «المسكينة» التى جعلوها على يقين بأن الطرحة تغنى عن أى شىء آخر فى الحياة، ولم يخبرها أحد بوجود شىء اسمه تربية أو سلوك أو ما يصح وما لا يصح أو عيب أو ما يصحش، هذه «المسكينة» عنوان ورمز لقطاع عريض يقدر عدده بالملايين نشأ على قيم هلامية ومعايير هشة وقواعد فاسدة.
كم مليون طالبة «مسكينة» لدينا؟ وكم مليون «شهاب» لدينا؟ هل سنودعهم جميعًا دور رعاية، أم نطلب من فنانين ساهموا فى تدهور وانهيار الذوق، وشيوع قيم البلطجة باعتبارها جدعنة، فى دفع كفالات وتصالح مع المتضررين؟، هل آن أوان التعامل مع جذور المشكلة، بدلًا من الاكتفاء بتقليم الأفرع الفاسدة؟.