الأصوات الصفراء

الأصوات الصفراء

المغرب اليوم -

الأصوات الصفراء

عبد الرحمن شلقم
بقلم : عبد الرحمن شلقم

الصحف الصفراء، وصف أطلق على الصحف التي تنشر الفضائح، والمعلومات المثيرة، وخاصة في بريطانيا والولايات المتحدة. يقبل القراء على هذه الصحف، هروباً من المماحكات السياسية، والمختنقات الاقتصادية. في منطقتنا العربية، ساد مصطلح الكتب الصفراء. تلك الكتب التي طبعت على نوع من الورق القديم ذي اللون الأصفر. بين صفحات هذه الكتب الصفراء معلومات وأفكار حرقتها شمس السنين الغابرة، لكنها بقيت تقاوم في رفوف المكتبات، وفي الرؤوس التي لا تعلق على جدرانها، عداد الأيام والشهور والسنوات. بعد اختراع الراديو والتلفزيون، ومن بعدها وسائل التواصل الاجتماعي بالصوت والصورة والكتابة، امتلأت هذه الوسائل بجحافل القافزين عليها، من كل مرتفع ومنخفض، ومتسع وضيق. صارت الأصوات التي تصرخ وتلعلع، ذات ألوان فاقعة، وكأن الصوت في حد ذاته هو الفكرة. زحام لا ينقطع على شاشات التلفزيون، وعلى شبكات التواصل الاجتماعي. عن الفقيه لا تسل، ولا عن المحللين لكل شيء، وكأن كل ما على الأرض، يعيش الطلاق الثالث، ولا مناص من محلل له. تحولت الشاشات إلى أسواق مفتوحة، يُعرض فيها ما ابتلعه الدهر وغادر بطنه. لا اشتباك مع ما تدفعه العقول العالمة في كل بقاع الأرض، وما حققته الدول الحديثة من تقدم، بسط الرفاهية والاستقرار والسلام الاجتماعي والحكومات المسؤولة. في عالم نعيشه اليوم، صار العلم هبة العقول المبدعة لكل الإنسانية. الكتاب متوفر في كل مكان، وبطباعة تغري بالقراءة. الإضاءة التي أهدتها الكهرباء للعيون، اختزلت الوقت، ومكنت الكبار والصغار من الدراسة والبحث والكتابة. في الزمن الأصفر الغابر، كان الورق أصفر والضوء باهتاً. قبل اختراع المصباح الكهربائي، كان المؤلفون في كل فروع المعارف، يقرأون وهم ينحنون حول نار على أعواد حطب، ودخانها يغزو عيونهم التي تعاني من الرمد وغيره. ما كان يتعلمه مجتهد متميز في القرون الغابرة، في سنوات طويلة، يصل إليه المجتهدون والباحثون اليوم، في شهور قليلة، بفضل ما وفرته التقنية. الأصوات الصفراء التي تعلو في وسائل الاتصال الجماهيري الحديثة، لا تغادر أزمنتها الصفراء الراحلة، وتتسابق في محافل الصخب، لتنشر كراهية الحياة، وتقديس النكد والكراهية، والتعبئة الحادة للعنف والتطرف. الأصوات الصفراء صارت اليوم سهاماً تخترق المجتمعات المتخلفة، التي هي في أشد الحاجة إلى تعبئتها للنهوض بقوة العلم والتفكير والبحث، لتأهيل إنسان جديد لعصر جديد.

شهدت منطقتنا منذ سبعة عقود، أحداثاً كبيرة هزَّت كيانها، وأدخلتها في متاهات تتسع، ويزداد العنف والارتباك والانكسار، ويتسع التخلف والعنف، ولا تتوقف سيول الدم. لم تجرِ دراسات موضوعية علمية لتحليل محركات ما تعانيه المنطقة. في إسرائيل بعد كل حرب، أو مواجهة عسكرية مع دولة أو تنظيم مسلح عربي، يصار إلى تشكيل لجنة تحقيق، تضم سياسيين وعسكريين وقانونيين، لتقييم ما حدث واكتشاف الخلل، ووضع رؤية منهجية للتعامل مع ما يمكن أن يحدث في المستقبل، واعتبار تفاصيل كل ما حدث معطى لا يمكن تجاهله، أو السكوت عن تفاصيل ما كان فيه. في ذات الوقت، ترتفع الأصوات الصفراء العالية عندنا، تتنابز حول معركة جرت منذ مئات السنين بين أطراف عربية وإسلامية. في الدول التي يقودها العقل، لا تتوقف الدراسات والنقاش، حول ما يشهده العالم من تغيرات مناخية خطيرة تهدد الحياة، تصدح الأصوات الصفراء بمنطقتنا ليلاً ونهاراً، عن المسح على الخف والأذن، وعن مغادرة المرأة لبيتها دون محرم أو إذن الزوج، وعن الحجاب... إلخ. الدين قوة للعلم والإبداع والتقدم والتسامح والسلام الاجتماعي، وتحقيق فرحة الحياة.

في الدول المتقدمة، تمتلئ المكتبات بأحدث ما تضيفه العقول من علم وبحوث وإبداع تضيف لقوة الفكر، وتضيء الطريق للجيل الجديد. في منطقتنا تزدحم المكتبات العامة والخاصة، بمجلدات الفقه والتاريخ الأصفر، التي تكدس تراث الحروب والصراع والخلاف.

مناهج التعليم جامدة لا تتحرك، مع زمن تزداد سرعته كل يوم، ويعاد تأهيل المعلم، وفقاً للدراسات المتجددة والمستمرة في التربية وعلم النفس. القيمة المضافة معطى اقتصادي فاعل، يشخص الهوية الاقتصادية للدول، وفقاً لثرواتها الطبيعية وقدراتها البشرية، وتبنى عليه مرتكزات التعليم في مختلف المراحل. الأصوات الصفراء، تغيب العقل، وينفخ لونها فقاعات التجهيل، وتجر النشء إلى متاهات أزمنة بادت وماتت.

كتابان أتمني أن يُقررا في مراحل التعليم المختلفة في منطقتنا. وهما: كتاب الدكتور طه حسين، «مستقبل الثقافة في مصر»، وكتاب خير الدين التونسي، «أقوم المسالك في معرفة أحوال الممالك». لماذا؟ كتابان فيهما رؤية عميقة لعصر قوته العقل، يعرف خريطة مكونات النهوض والتقدم، بعيداً عن زخرفة الماضي المدفون في غيهب الفناء. أولى الخطوات نحو النصر في كل المعارك، تبدأ بالمنازلة مع الأصوات الصفراء، التي تنقل تاريخ معارك جرت قبل ألف سنة عبرت، كما ينقل مذيع على الهواء، مجريات مباراة بين فريقين في مسابقات كأس العالم.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الأصوات الصفراء الأصوات الصفراء



GMT 14:43 2025 الأحد ,26 تشرين الأول / أكتوبر

سوريا الأستاذ وديع

GMT 14:41 2025 السبت ,25 تشرين الأول / أكتوبر

في حب الصحراء: شريان الحياة

GMT 14:38 2025 الأحد ,26 تشرين الأول / أكتوبر

الرئيس والممسحة

GMT 14:33 2025 الأحد ,26 تشرين الأول / أكتوبر

السلاح... أو حين يكون المكسب صفراً والهزيمة مطلقة

GMT 14:28 2025 الأحد ,26 تشرين الأول / أكتوبر

من سيلحق بكندا... في «التعامل بالمثل» مع ترمب؟

GMT 14:24 2025 الأحد ,26 تشرين الأول / أكتوبر

ترمب وخصومه في «حيْصَ بيْص»

GMT 14:23 2025 السبت ,25 تشرين الأول / أكتوبر

سموتريتش وحقد الجِمال

GMT 14:19 2025 السبت ,25 تشرين الأول / أكتوبر

القطبية الصينية ومسار «عالم الغابة»

رحمة رياض تتألق بإطلالات متنوعة تجمع بين الأناقة والجرأة

الرياض - المغرب اليوم

GMT 19:13 2025 الأربعاء ,29 تشرين الأول / أكتوبر

ملف الصحراء المغربية يعود للواجهة ومؤشرات حسم دولية قريبة
المغرب اليوم - ملف الصحراء المغربية يعود للواجهة ومؤشرات حسم دولية قريبة

GMT 17:33 2025 الأربعاء ,29 تشرين الأول / أكتوبر

باراغواي تعلن فتح قنصلية عامة في الصحراء المغربية
المغرب اليوم - باراغواي تعلن فتح قنصلية عامة في الصحراء المغربية

GMT 22:34 2025 الأربعاء ,29 تشرين الأول / أكتوبر

نتنياهو يؤكد أن قطاع غزة لن يشكل تهديدا لإسرائيل
المغرب اليوم - نتنياهو يؤكد أن قطاع غزة لن يشكل تهديدا لإسرائيل

GMT 17:49 2025 الأربعاء ,29 تشرين الأول / أكتوبر

بحضور النجوم إليسا تحتفل بعيد ميلادها
المغرب اليوم - بحضور النجوم إليسا تحتفل بعيد ميلادها

GMT 19:34 2025 الأربعاء ,29 تشرين الأول / أكتوبر

الشيخة حسينة تتحدث لأول مرة منذ الهروب
المغرب اليوم - الشيخة حسينة تتحدث لأول مرة منذ الهروب

GMT 15:55 2020 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

أعد النظر في طريقة تعاطيك مع الزملاء في العمل

GMT 02:18 2018 الثلاثاء ,23 كانون الثاني / يناير

سهام العزوزي تتوج بلقب مسابقة "ميس أمازيغ" في دورتها الخامسة

GMT 14:13 2016 الإثنين ,31 تشرين الأول / أكتوبر

فرقة «رضا» تتألق في الأقصر عاصمة السياحة لعام 2016

GMT 23:59 2021 الأحد ,07 شباط / فبراير

تعرف على تفاصيل طلاق "أبو جاد" وزوجته سارة

GMT 19:07 2019 السبت ,22 حزيران / يونيو

الكرنب يحتوي على مغذيات تحارب مرض الخرف

GMT 13:24 2019 السبت ,01 حزيران / يونيو

ودي تكشف عن موديلات S من سياراتها Q5 وA6 وA7

GMT 14:44 2019 الثلاثاء ,01 كانون الثاني / يناير

حرّاس صدام حسين يكشفون تفاصيل اللحظات الأخيرة في حياته

GMT 07:20 2018 الأحد ,07 تشرين الأول / أكتوبر

الأغذية منخفضة الكربوهيدرات تسهم في علاج السكري

GMT 16:22 2018 الأربعاء ,03 تشرين الأول / أكتوبر

العروبة الإماراتي يتعاقد مع ياسين الصالحي لموسم واحد

GMT 20:51 2018 الثلاثاء ,02 تشرين الأول / أكتوبر

قطر تستعد لتنظيم بطولة العالم للجمباز بمشاركة إسرائيلية
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
RUE MOHAMED SMIHA ETG 6 APPT 602 ANG DE TOURS CASABLANCA MOROCCO
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib