السلاح أو حين يكون المكسب صفراً والهزيمة مطلقة

السلاح... أو حين يكون المكسب صفراً والهزيمة مطلقة

المغرب اليوم -

السلاح أو حين يكون المكسب صفراً والهزيمة مطلقة

حازم صاغية
بقلم : حازم صاغية

يسلك موضوع السلاح وتسليمه، في حالتي «حماس» و«حزب الله»، مسلكاً مضادّاً لمعاناة السكّان الإنسانيّة، وأيضاً للوجه الأخلاقيّ المتّصل بأحوالهم وضرورة رفع المعاناة عنهم. ذاك أنّ امتلاكه لم يرتبط، منذ بداياته الأولى، بإجراءات تنمّ عن الحرص عليهم، كبناء ملاجىء لهم أو كحفر أنفاق بعيداً من بيوتهم، وهذا ناهيك عن غياب أيّ تصوّر اجتماعيّ عن تحسين حياتهم وشروطها بعد الانتصار الموعود. لكنّ موضوع السلاح يسلك أيضاً مسلك الانفصال عن السياسة وعن أهداف تبدو ممكنة البلوغ. وبالنتيجة، وكما عشنا وشهدنا، صار إيذاء إسرائيل، من طريق السلاح هذا، حتّى لا نقول إلحاق هزيمة عسكريّة بها، خارج الموضوع تماماً. أمّا الأفق فيضجّ بعلامات استكمال الحرب الإسرائيليّة، واستكمال الانتصار فيها، وليس مطلقاً بعلامات تشير إلى الحرب على إسرائيل.

وكلام كهذا لا يقال لـ«التيئيس»، أو «ترويجاً للهزيمة»، إذ اليأس والهزيمة ساطعان بما يكفي ويزيد، كما لا يقال بالطبع حبّاً بإسرائيل، أو انحيازاً إليها، كما يروّج سخفاء يريدون لنا أن نسير عمياناً وراء الأكاذيب والمبالغات الصارخة التي تنشرها قواهم المسلّحة وأن نردّدها.

فالموقف الحكيم، عملاً بأيّ وصف دقيق لواقع الحال ولاحتمالات التغيير المتاحة، يقتضي تسليم السلاح ووقف الهزيمة عند الحدّ البعيد الذي بلغته، فضلاً عن قطع الطريق على الدولة العبريّة في قتلها مزيداً من السكّان وتجويعهم أو توسيعها الاحتلال والقضم وتعطيل عمليّات إعادة الإعمار.

والحال أنّه بسبب حدّة هذا الانفصال بين السلاح ووظائفه المعلنة والمحتفى بها، كما بسبب أنّ السلاح صار مدعاة لمعاناة أكبر وموت أكثر، تزايدَ دور الخرافة في الدفاع عن دوره وعن آمال معلّقة عليه. هكذا بتنا في الآونة الأخيرة نصادف من يُخبرنا أنّ السلاح هذا لن يُسلّم إلاّ إلى الإمام المهديّ، أو أنّ قيادة «حزب الله» تفكّر في تحرير منطقة الجليل شمال إسرائيل...

وضمناً، يجد الاستنجاد بالخرافة الكثير ممّا يرده من خارجه ليزكّيه. فنحن نعرف أنّ السلاح، ومنذ نهاية الحرب العالميّة الثانية، صار مصدراً لشرعيّة مزعومة تنافس شرعيّة المؤسّسات المنتخبة. ففي 1945 مثلاً وصل أحمد سوكارنو إلى رئاسة أندونيسيا، حيث استمرّ حتّى 1967، لا لأنّه انتُخب، بل لأنّه «قاتل» الاستعمار الهولنديّ وأجلاه. ولاحقاً حذت حذو سوكارنو سائر «حركات التحرّر الوطنيّ» التي استولت على السلطة واستظلّ بعضها بعبارة ماو تسي تونغ الشهيرة من أنّ السلطة «تخرج من فوهة البندقيّة». هكذا، وبعد الكسرين البلشفيّ والفاشيّ لمفهوم الشرعيّة كما حمله الاستعمار إلى مستعمراته، أحدثت حركات مناهضة الاستعمار الكسر الثالث، وهذا قبل أن يضيف الخميني عنصر المقدّس إلى عمليّة الاستبدال هذه.

لكنّ المراقب لا يحتاج إلى قدرات ذهنيّة خارقة كي يلاحظ أنّ الوظيفة الداخليّة هي السبب الأوّل والأهمّ للتمسّك بالسلاح. وليس سرّاً بأنّ كتلاً سكّانيّة عريضة، في لبنان ولكنْ أيضاً في غزّة، تعارض هذا السلاح وتسخر من ادّعاءات الحماية التي يوفّرها.

وأغلب الظنّ أنّ علاقة المسلّحين المتوتّرة بهؤلاء السكّان، والخوف من ردود فعلهم فيما لو جُرّد التنظيمان الميليشيويّان من سلاحهما، إنّما يضاعفان إصرارهما على التمسّك به.

وهنا نجدنا أمام حالة باهرة في استخدام القضايا الكبرى، كالحقّ والتحرير والموقف الآيديولوجيّ الصائب، مطيّةً لحمل السلاح. وفي أزمنة سابقة كنّا شهدنا عديد الحالات على تعاون السلاح والقضايا لنصرة تنظيمات منسوبة لـ «حركات تحرّر وطنيّ» على تنظيمات أخرى منسوبة لـ «حركات التحرّر» نفسها. هكذا مثلاً تمكّن أحمد بن بلّه وهواري بومدين، في الجزائر، من إلحاق الهزيمة بـ «الحكومة المؤقّتة» ليوسف بن خده، كما أمكنت، في اليمن الجنوبيّ، إطاحة قحطان الشعبي، ومن بعده سالم ربيّع علي، على يد عبد الفتّاح إسماعيل وصحبه، ونجحت «الحركة الشعبيّة لتحرير أنغولا» في سحق حركتين أخريين منافستين...

لكنّ الفوارق بين تلك التجارب وتجربتي «حماس» و«حزب الله» أنّ الأولى ساهمت في إحراز الاستقلال لبلدانها، وهو الهدف الذي صوّرته علّة وجود لها، فيما عجز الأخيران عن تحقيق أيّ انتصار ممّا يرهنان به وجودهما. فوق هذا فالسلاح الذي يتمسّكان به ليس طريقاً إلى أيّة سلطة من نوع تلك التي أقامتها الجبهات المنتصرة في الجزائر واليمن وأنغولا وسواها.

فخصوصيّة «حزب الله» و«حماس» أنّهما ينويان، على العكس تماماً، التمسّك بسلاح مهزوم في سياق هزيمة متواصلة ومرشّحة للتصاعد. وحتّى النموذج العراقيّ المعروف بـ «الحشد الشعبيّ» لا يصحّ فيهما، إذ كان انكسار الجيش أمام «داعش» شرطاً ضمنيّاً لنشأة «الحشد» ونشأة صورته كبديل مخلّص، وتالياً لإحداث نقلة كبرى في مسار الحرب الأهليّة المُقنّعة.

وعلى العموم، فنحن معهما أمام كائن ذي طبيعة عضويّة، حيث المجتمع كلّيّةٌ واحدة متداخلة يستحيل فهم جزء منها بمعزل عن فهم سواه. أمّا السلاح فهو وحده ما يفسّر سواه، وليس هذا السوى ما يفسّره. لكنّ ما يفسّر سواه هو، في حالتنا هذه، ما يدمّره ويستكمل تدميره

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

السلاح أو حين يكون المكسب صفراً والهزيمة مطلقة السلاح أو حين يكون المكسب صفراً والهزيمة مطلقة



GMT 14:43 2025 الأحد ,26 تشرين الأول / أكتوبر

سوريا الأستاذ وديع

GMT 14:41 2025 السبت ,25 تشرين الأول / أكتوبر

في حب الصحراء: شريان الحياة

GMT 14:38 2025 الأحد ,26 تشرين الأول / أكتوبر

الرئيس والممسحة

GMT 14:28 2025 الأحد ,26 تشرين الأول / أكتوبر

من سيلحق بكندا... في «التعامل بالمثل» مع ترمب؟

GMT 14:24 2025 الأحد ,26 تشرين الأول / أكتوبر

ترمب وخصومه في «حيْصَ بيْص»

GMT 14:23 2025 السبت ,25 تشرين الأول / أكتوبر

سموتريتش وحقد الجِمال

GMT 14:19 2025 السبت ,25 تشرين الأول / أكتوبر

القطبية الصينية ومسار «عالم الغابة»

GMT 14:16 2025 السبت ,25 تشرين الأول / أكتوبر

عصر الليمون في نيويورك

النجمات العربيات يجسّدن القوة والأنوثة في أبهى صورها

أبوظبي - المغرب اليوم

GMT 03:21 2018 الثلاثاء ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

السلطات الإثيوبية تنشئ مخيمات إجبارية لإعادة تأهيل الشباب

GMT 11:59 2021 الإثنين ,02 آب / أغسطس

حميد شباط يعلن مغادرة حزب الإستقلال

GMT 13:09 2021 الجمعة ,22 كانون الثاني / يناير

من هم اصدقاء برج الجدي والابراج الذين يتفق معهم

GMT 01:44 2020 الثلاثاء ,13 تشرين الأول / أكتوبر

«ثندر سنو».. أول جواد يحقق كأس دبي العالمي مرتين توالياً

GMT 03:33 2020 الثلاثاء ,30 حزيران / يونيو

أحذية نابضة بالألوان لتتألقي في صيف 2020

GMT 04:02 2019 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

السجن مدى الحياة لسائق تاكسي اغتصب أكثر من 100 امرأة

GMT 01:08 2019 الخميس ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

خالد سليم يكشف تفاصيل طرحه 3 أغنيات جديدة

GMT 05:17 2019 الخميس ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

أحمد شعبان يكشف عن أنواع الطاقات وأخطرهم على صحة الإنسان

GMT 01:01 2019 الجمعة ,08 تشرين الثاني / نوفمبر

أنغام تُبكي والدتها خلال حفلها في دار الأوبرا المصرية

GMT 04:54 2019 الخميس ,17 تشرين الأول / أكتوبر

استئناف سير القطارات بين مراكش والدار البيضاء

GMT 18:29 2019 الخميس ,12 أيلول / سبتمبر

بنهنية يلتحق بالطاقم الفني لشباب الريف الحسيمي

GMT 11:40 2019 الخميس ,29 آب / أغسطس

الرجاء البيضاوي يبلغ 10 آلاف مشترك
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
RUE MOHAMED SMIHA ETG 6 APPT 602 ANG DE TOURS CASABLANCA MOROCCO
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib