القيمة المضافة في الفكر والعلم والاقتصاد

القيمة المضافة في الفكر والعلم والاقتصاد

المغرب اليوم -

القيمة المضافة في الفكر والعلم والاقتصاد

عبد الرحمن شلقم
بقلم : عبد الرحمن شلقم

في هذه الألفيةِ الثالثةِ التي نعيشُ في خضمّها، يتفاعلُ ما أبدعه الإنسانُ على مدى عقودٍ طويلة. مسيرةٌ خاضت فيها عقولُ البشر معاركَ صاخبةً وصامتة. رجالٌ ونساء في كلّ أنحاء الأرض، وقفوا أمام مجرياتِ الحياة، بما فيها من معاناة فرضتها الطبيعة، وظواهرُها العنيفة. دفعُ الضَّرر وجلب المنفعة، القاعدةُ الدائمة التي لا تغيب عن صيرورة الوجود الإنساني. السَّلمُ والحرب كانا الحاديَ المرافقَ للإنسان دون توقف.

الملايينُ من بني الإنسان، وهبوا حيواتِهم من أجل فهم الحقائق التي تحرك آلةَ الحياة البشرية. قدراتُ العقلِ البشري كانت السؤالَ المبكر، إذ كانتِ القداحةَ التي أضاءت الطريق الطويلة، التي عبرها الإنسان نحو التقدم، بقوة العقل القادر على مقاومة سطوةِ الطبيعة، وتسخيرِها لخدمته. الإغريق والآشوريون والصينيون والمصريون، اشتبكوا مبكراً مع عواصف الطبيعة والحياة بكل ما فيها. الأسئلة هي العُدة التي لها القدرة على الاقتحام الأول. حلقات تمدّد قطرُها وفعلت فعلَها ومضت، لكن الكثير منها لا يغادرنا إلى اليوم. من الإغريق والفينيقيين والعرب والصينيين وغيرهم، ترعرع بستانُ العقل البشري، وازدهى بثمار الفكر والفلسفة والعلم.

أوروبا في مطلع الألفية الثانية، اقتحمت الزمنَ الجديد. بدأت معركتها الطويلة مع سطوة الكنيسة، وحققت في النهاية انتصارَ نور العقل على ظلام الجهل المقدس. في مطلع القرن السادس عشر، كان المنعطف الأوروبي الكبير على يد رجلين ألمانيين. في سنة 1455 اخترع يوهان غوتنبرغ آلة المطبعة، وصار الكتابُ القيمة الكبرى المضافةَ للعقل البشري. وُلد الإنسان الجديد، وأصبحت المعرفة في متناول الملايين من البشر. القسيس الألماني مارتن لوثر، ثار على الكنيسة الكاثوليكية في روما، وهاجم علناً استغلالها للفقراء المعدمين، ببيع صكوك الغفران. تعرض لوثر للملاحقة والمحاكمة، لكنه خاض معركته بشجاعة، وقام بترجمة الإنجيل من اللاتينية إلى اللغة الألمانية. بفضل انتشار آلة الطباعة، تمكن الملايين من قراءة العهد الجديد، وبدأ شروق نهضة أوروبية مندفعة إلى العلم والفلسفة. لم يحلم مارتن لوثر أن تقود صرختُه إلى انطلاق مذهب ديني مسيحي جديد، هو المذهب البروتستانتي الذي اتّسع بسرعة في القارة الأوروبية. ساهمت أفكار كل من إرازموس وكالفن، في دفع حركة الحرية والنهوض، ليس على مستوى القارة الأوروبية فقط، بل على المستوى الإنساني.

كان القرن السادس عشر، زمنَ القيم المضافة إلى العقل. الفلسفة انطلقت كالعواصف الممطرة التي تروي العقول، وتؤهلها إلى عصر الاكتشافات والاختراعات العلمية. صار العالم كوناً آخر. الآلات هي العضلات السحرية التي كفت الإنسان عناء الجهد العضلي المضني، لإنتاج ضرورات الحياة في جميع المجالات. اختراع جيمس وات للمحرك البخاري سنة 1764، غير خطوات البشر على الأرض. صارت أطول بكثير وبلا جهد. هذا الاختراع الرائد كان نتاج قيمة مضافة، أدخلت الإنسان إلى عصر جديد. التحرر من هيمنة الكنيسة، فتح الأبواب الواسعة للعلم والفلسفة، وخاصة في المجتمعات التي ساد فيها المذهب البروتستانتي، وأسس لميلاد عالم جديد.

لم تغب نزعة الحروب والتوسع والاستغلال، فالصناعة أعلت قيمة الإنسان وضاعفت قدراته، لكنها فجَّرت الحاجة إلى الخامات، التي يحتاجها هذا المارد الآلي الجديد، فهي الطعام الذي يتغذى عليه. أوروبا الجديدة الصناعية، لا تمتلك المواد التي تملأ بطون الآلات، فانفجر بركان الاستعمار الأوروبي، للشعوب التي تعيش فوق كنوز الخامات الضرورية لغذاء آلة الصناعة. قيمة مضافة كبيرة للخامات المدفونة في أعماق الأرض، تحققت عبر تصنيعها، وتحويلها إلى مفردات جديدة في حياة البشر. نقلت أوروبا المستعمِرة إلى دنيا الرفاهية. الشعوب المستعمَرة استمرت تعاني العوز والتخلف، فالكثير منها لم يدخل حلبة معرفة وإتقان قوة القيمة الاقتصادية المضافة. دول كثيرة وخاصة في قارتي آسيا وأفريقيا، تعيش على تصدير خاماتها إلى البلدان المتقدمة، ولم تطور قدراتها على تصنيع ما تملكه من خامات ذات قيمة عالية. بلدان تصدر اليورانيوم والنفط والحديد والنحاس والمنغنيز والخشب الخام وغيرها إلى الدول المصنِّعة، وتستورد ما صدرته بثمن عالٍ، في صورة سيارات وطائرات ومحركات وأثاث ووقود وغيرها.

التقدم له ثمن وشروط. العلم هو المفتاح لباب النهوض والقوة. المناهج التعليمية كائن حي ينمو ويتغير. تتسق أساساً مع ما تمتلكه البلاد من إمكانات طبيعية. تُحدد الهوية الاقتصادية وفقاً لذلك. البلدان التي بها أراضٍ قابلة للزراعة، ومصادر للمياه، أنهاراً أو أمطاراً، تعتمد أساساً على الزراعة. البلدان التي تمتلك خامات للإنتاج الصناعي، تتجه إلى تطوير صناعتها. المناهج الدراسية والبحوث العلمية، هي المعامل التي تعد العدة لتأسيس القيمة المضافة اقتصادياً. التأهيل الحديث للإدارة وسيادة القانون وحرية التفكير والسلم الاجتماعي، شروط أساسية تتقاسمها كل الشعوب. تبقى الحرية هي القيمة الأولى التي لا تُضاف، إنما هي التي تُضيف إلى كل شيء، وأوله عقل الإنسان فهو القيمة المطلقة التي تحقق كل الإضافات.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

القيمة المضافة في الفكر والعلم والاقتصاد القيمة المضافة في الفكر والعلم والاقتصاد



GMT 14:43 2025 الأحد ,26 تشرين الأول / أكتوبر

سوريا الأستاذ وديع

GMT 14:41 2025 السبت ,25 تشرين الأول / أكتوبر

في حب الصحراء: شريان الحياة

GMT 14:38 2025 الأحد ,26 تشرين الأول / أكتوبر

الرئيس والممسحة

GMT 14:33 2025 الأحد ,26 تشرين الأول / أكتوبر

السلاح... أو حين يكون المكسب صفراً والهزيمة مطلقة

GMT 14:28 2025 الأحد ,26 تشرين الأول / أكتوبر

من سيلحق بكندا... في «التعامل بالمثل» مع ترمب؟

GMT 14:24 2025 الأحد ,26 تشرين الأول / أكتوبر

ترمب وخصومه في «حيْصَ بيْص»

GMT 14:23 2025 السبت ,25 تشرين الأول / أكتوبر

سموتريتش وحقد الجِمال

GMT 14:19 2025 السبت ,25 تشرين الأول / أكتوبر

القطبية الصينية ومسار «عالم الغابة»

النجمات العربيات يجسّدن القوة والأنوثة في أبهى صورها

أبوظبي - المغرب اليوم

GMT 11:40 2025 الثلاثاء ,28 تشرين الأول / أكتوبر

تصميمات رخامية تُعيد إحياء الحمّامات الرومانية في قلب بيروت
المغرب اليوم - تصميمات رخامية تُعيد إحياء الحمّامات الرومانية في قلب بيروت

GMT 13:17 2025 الثلاثاء ,28 تشرين الأول / أكتوبر

اعتقال أمين سر المجلس السياسي للحوثي بشبهة التجسس في صنعاء
المغرب اليوم - اعتقال أمين سر المجلس السياسي للحوثي بشبهة التجسس في صنعاء

GMT 07:22 2025 الإثنين ,27 تشرين الأول / أكتوبر

أنطونيو غوتيريش يدين إنتهاكات حقوق الإنسان في مخيمات تندوف
المغرب اليوم - أنطونيو غوتيريش يدين إنتهاكات حقوق الإنسان في مخيمات تندوف

GMT 03:21 2018 الثلاثاء ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

السلطات الإثيوبية تنشئ مخيمات إجبارية لإعادة تأهيل الشباب

GMT 11:59 2021 الإثنين ,02 آب / أغسطس

حميد شباط يعلن مغادرة حزب الإستقلال

GMT 13:09 2021 الجمعة ,22 كانون الثاني / يناير

من هم اصدقاء برج الجدي والابراج الذين يتفق معهم

GMT 01:44 2020 الثلاثاء ,13 تشرين الأول / أكتوبر

«ثندر سنو».. أول جواد يحقق كأس دبي العالمي مرتين توالياً

GMT 03:33 2020 الثلاثاء ,30 حزيران / يونيو

أحذية نابضة بالألوان لتتألقي في صيف 2020

GMT 04:02 2019 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

السجن مدى الحياة لسائق تاكسي اغتصب أكثر من 100 امرأة

GMT 01:08 2019 الخميس ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

خالد سليم يكشف تفاصيل طرحه 3 أغنيات جديدة

GMT 05:17 2019 الخميس ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

أحمد شعبان يكشف عن أنواع الطاقات وأخطرهم على صحة الإنسان

GMT 01:01 2019 الجمعة ,08 تشرين الثاني / نوفمبر

أنغام تُبكي والدتها خلال حفلها في دار الأوبرا المصرية

GMT 04:54 2019 الخميس ,17 تشرين الأول / أكتوبر

استئناف سير القطارات بين مراكش والدار البيضاء

GMT 18:29 2019 الخميس ,12 أيلول / سبتمبر

بنهنية يلتحق بالطاقم الفني لشباب الريف الحسيمي

GMT 11:40 2019 الخميس ,29 آب / أغسطس

الرجاء البيضاوي يبلغ 10 آلاف مشترك
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
RUE MOHAMED SMIHA ETG 6 APPT 602 ANG DE TOURS CASABLANCA MOROCCO
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib