نعم شرق أوسط جديد

نعم شرق أوسط جديد

المغرب اليوم -

نعم شرق أوسط جديد

عبد الرحمن شلقم
بقلم : عبد الرحمن شلقم

بنيامين نتنياهو رئيس الوزراء الإسرائيلي، الذي قضى أطول مدة فوق كرسي رئاسة الحكومة الإسرائيلية، عمل بقوة على إنهاء القضية الفلسطينية، وأعلن أن أرض فلسطين التاريخية، من البحر إلى النهر هي ملك للشعب اليهودي وحده، وأصدر قانوناً تأسيسياً يشرّع لذلك، وأن الحل الوحيد للقضية الفلسطينية، هو مغادرة كل الشعب الفلسطيني لكل أرض إسرائيل. في الدورة الماضية للجمعية العامة للأمم المتحدة، عرض نتنياهو تصوراً لما سماه الشرق الأوسط الجديد، التي تمتلك فيه إسرائيل الهيمنة المطلقة. القوة العسكرية هي القلم الناري الذي يرسم خريطة الهيمنة الإسرائيلية.

اهتبل نتنياهو هجوم حركة «حماس» على إسرائيل، فشنَّ حرب إبادة عنيفة شاملة على غزة، وقتل القادة السياسيين والعسكريين للحركة، ثم وجَّه آلته العسكرية إلى لبنان، وقتل قيادة «حزب الله»، ودمَّر البنية السياسية والعسكرية للحزب. دفع نتنياهو بعد ذلك بقواته لاحتلال ما بقي من مرتفعات الجولان السورية، وبعد سقوط نظام بشار الأسد، شنَّ حرباً واسعة لتدمير السلاح السوري. تملك نتنياهو بعد كل ما حققه، زهوٌ نرجسيٌّ جنونيٌّ، وأعلنَ بلسانٍ يقذف رصاصَ الغرور، ولغةِ جسدٍ متعاليةٍ متحدية، أنَّه صنع شرقَ أوسط جديداً، تهيمن فيه إسرائيل وحدها، على كل ما فيه. منذ تأسيسها سنة 1948، لم تخض إسرائيل حرباً على أرضها، وبعد الضربات القوية الواسعة، التي قام بها الاستشهاديون الفلسطينيون، بنت إسرائيل الأسوارَ العالية، لتكون كل أرضها «الغيتو الجديد»، الذي يحميها من الهجمات الفدائية الفلسطينية. طرأت على المنطقة أحداث وحروب، رسَّخت الإحساس بالأمن المطلق في نفوس كلّ الإسرائيليين، فقد طُويت الصفحةُ العربية، التي كُتب فيها لسنوات سطور تحرير كامل فلسطين، وصمتتِ الأصواتُ العربية الهادرة، التي كانت ترتفع ليلاً ونهاراً داعية لتحرير كامل فلسطين المغتصبة من البحر إلى النهر.

حدث تاريخي هائل، هوى كمطرقة الفيلسوف الألماني المتمرد فريدريك نيتشه، على علامات مسار الزمان والمكان في المنطقة. الثورة الإيرانية سنة 1979 التي أسقطت نظام الشاه صديق إسرائيل الحميم. علاقة آية الله روح الله الخميني قائد الثورة الإيرانية، مع القضية الفلسطينية كان لها تاريخ طويل. عندما أعلن شاه إيران اعترافه بإسرائيل سنة 1960، وأقام علاقة دبلوماسية معها، هاجمه الخميني علناً، وكال له تهماً تخرجه من ملّة الإسلام. اعتقل الشاه الخميني، لكنَّه أُرغم على الإفراج عنه بضغط من المظاهرات الشعبية الواسعة، التي عمَّت البلاد مطالبة بالإفراج عنه. قام الرئيس جمال عبد الناصر بدعم الخميني، وأرسل له 150 ألف دولار. بعد أيام قليلة من انتصار الثورة الإيرانية، أمر الخميني بطرد البعثة الدبلوماسية الإسرائيلية من طهران، وسلم مقرّها لمنظمة التحرير الفلسطينية. عمَّت الفوضى البلاد بعد الثورة، وتفككت القدرات العسكرية وانهارت الإدارة وتشققت البنية التحتية. أغرى كل ذلك الرئيس العراقي صدام حسين بشن حرب واسعة على إيران التي لم تعد تمتلك مؤسسة عسكرية قادرة على الحرب.

استنجد قادة الثورة الإيرانية بصديقهم القديم العقيد معمر القذافي قائد ليبيا، فأرسل لهم كميات كبيرة من السلاح، وعلى رأسِها الصواريخ الطويلة المدى السوفياتية. لم يكن لدى إيران خبراء عسكريون، لهم القدرة على تشغيل تلك الصواريخ، فأرسلت طرابلس إلى طهران ضباطاً ليبيين قاموا بإطلاقها على بغداد. هذه البلاد (إيران) التي لم تكن تمتلك صواريخ، وليس لديها مَن يتقن تشغيلها، صارت اليوم تصنع الصواريخ القوية الذكية ذات الرؤوس العنقودية، وتدك كلَّ أرض إسرائيل، وتراوغ القدرات الدفاعية الإسرائيلية العالية التقنية. نتنياهو، اعتقد جازماً أنَّ الإجهازَ على القدرات العسكرية الإيرانية، ومنظومتها العلمية وبخاصة في المجال النووي، هو الضربة القاضية على خصمه الوحيد الباقي على حلبة الصراع في منطقة الشرق الأوسط، ووجود حليفه دونالد ترمب في البيت الأبيض، سيكون ذراعه الحديدية الضاربة. شن نتنياهو هجوماً جوياً واسعاً وقوياً على إيران؛ بذريعة تدمير برنامجها لصناعة قنابل نووية.

لكن نتنياهو لم يدر بخلده أنَّه قد سعى إلى حتفه بظلفه. أمطرت إيران إسرائيل بمئات الصواريخ، وحلَّ الدمار والموت وعمَّ طوفان الرعب في وجدان جميع الإسرائيليين. لقد غربت شمس التفوق العسكري الإسرائيلي المطلق في المنطقة، وحرقت صواريخ إيران حلم نتنياهو، بالهيمنة على كامل الشرق الأوسط الجديد، الذي رسم خريطته بقلم زهوه النرجسي.

نعم، نحن نعيش اليوم شرق أوسط جديداً، لا تتفرد فيه إسرائيل بالهيمنة المطلقة، بقوة السلاح والدعم الأميركي غير المحدود. الخليج العربي يشهد اليوم نهوضاً اقتصادياً وعلمياً، ودولة باكستان الإسلامية، برزت قوةً عسكريةً وعلميةً فاعلة، وجيل عربي وإسلامي جديد، مسكون بالقضية الفلسطينية. ديڤيد بن غوريون مؤسس دولة إسرائيل، كان يكرر في خطاباته القول: «إن العرب لن ينسوا أبداً هذه الأرض، التي يؤمنون أنها بلادهم المقدسة، وأننا أخذناها منهم بقوة السلاح، وعلينا أن نطوّر قدرتنا العسكرية بلا كلل»، لقد فشل مشروع شرق أوسط نتنياهو الجديد، وبزغ لون زمن جديد في المنطقة.

 

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

نعم شرق أوسط جديد نعم شرق أوسط جديد



GMT 15:28 2025 الجمعة ,04 تموز / يوليو

مسلم ــ شيوعي ــ يساري

GMT 15:24 2025 الجمعة ,04 تموز / يوليو

مَن يعبر مِن حرائق الإقليم؟

GMT 15:23 2025 الجمعة ,04 تموز / يوليو

«الثنائي الشيعي» و«كوفيد ــ 26»

GMT 15:21 2025 الجمعة ,04 تموز / يوليو

قتل العلماء أو قتل القوة؟

GMT 15:20 2025 الجمعة ,04 تموز / يوليو

الغباء البشري

GMT 15:19 2025 الجمعة ,04 تموز / يوليو

صلاح ومحمود «بينج بونج»!

GMT 10:39 2025 الثلاثاء ,10 حزيران / يونيو

برشلونة يقترب من غارسيا ويطالب شتيغن بالرحيل

GMT 06:41 2013 السبت ,06 تموز / يوليو

"آبل" تعتزم الكشف عن هاتف "أي فون" رخيص الثمن

GMT 11:36 2013 الأربعاء ,03 تموز / يوليو

"أستون مارتن رابيد إس" تتفوق في الاختبارات

GMT 07:11 2014 الجمعة ,21 شباط / فبراير

استغلال الأطفال في تجارة المخدرات في السويد

GMT 18:28 2012 الجمعة ,05 تشرين الأول / أكتوبر

لم أوجه أية إساءة لـ"الشحرورة" في "كاريوكا"

GMT 15:58 2017 الأحد ,15 تشرين الأول / أكتوبر

حلوى القلوب الحمراء بالشوكولاتة

GMT 21:20 2015 الثلاثاء ,22 أيلول / سبتمبر

إنتاج الشمندر السكري في المغرب يسجل رقم غير مسبوق

GMT 16:33 2024 الأربعاء ,10 تموز / يوليو

النصائح للاحتفاظ بعبير عطرك لفترة أطول

GMT 15:23 2021 الأحد ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الكشف عن براءة اختراع لهاتف "آيفون" شفاف بشاشتين
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib