الصادق النيهوم ينجو من معارك أشعلها

الصادق النيهوم ينجو من معارك أشعلها

المغرب اليوم -

الصادق النيهوم ينجو من معارك أشعلها

عبد الرحمن شلقم
بقلم : عبد الرحمن شلقم

الصادق النيهوم بدأ حياته في بيت قديم بسوق الحشيش في مدينة بنغازي. عندما كانت ليبيا تعاني وطأة الاستعمار الفاشي الإيطالي. انجذب مبكراً إلى قبس الكلمة. ضرب بقبضة يد يلفّها قفاز نسجه من لغة سكب فيها أفكاراً تهاجم الموروث المعتاد. ضرب على أبواب غرف عقول تمدد فيها الليبيون عقوداً طويلة من دون أن تطولها كوابيس الاقتراب من موروثات تكدَّست في الوعي واللاوعي المجتمعي. تحولت مقالاته بصحيفة «الحقيقة» التي تصدر في مدينة بنغازي، مطرقةً يُقرأ صوتها في كل أرجاء البلاد. درس من المرحلة الابتدائية إلى الجامعة على أساتذة كبار من مصر والشام، منهم ناصر الأسد، ومحمد عبد الهادي أبو ريدة والأستاذ الشاعر علي محمد أحمد.

في جامعة بنغازي برزت شخصية الطالب الصادق النيهوم بلباسه الشبابي البسيط غير المعتاد، وأفكاره الجريئة في كل ما يُطرح في الأدب والفلسفة واللغة والتاريخ. نال الاهتمام والاحترام بين أساتذته وزملائه، وباشر في الكتابة الصحافية.

بعد تخرجه في كلية الآداب ببنغازي توجه إلى ألمانيا لدراسة فقه اللغة بمعهد غوته. لم يستطع الاندماج في المجتمع الألماني، فانتقل إلى جامعة القاهرة لمواصلة دراسة فقه اللغة، لكنه غادرها متوجهاً إلى اسكندنافيا واستقرَّ بها وتزوج بفتاة منها. أينما حلَّ كان قدّاحة نقاش، ومثاراً لاهتمام من اتفق معه أو اختلف. في فنلندا، بلد الثلوج والحرية والثقافة، بدأ الصادق يغوص من بعيد فيما تراكم على المجتمع الليبي من غبار موروث، وشرع في نشر مقالاته في صحيفة «الحقيقة». منحه صاحبها ورئيس تحريرها محمد بشير الهوني وشقيقه رشاد الهوني مساحة حرية شاسعة.

اقتحم النيهوم منطقة صلبة، لم يقترب منها أحد قبله في ليبيا. التدين الشعبي الذي يعبّر عنه باللهجة الليبية (الفقي)، وهو غير (الفقيه). الأول هو المدرس الذي يعلّم الصغار القرآن الكريم في الكتاتيب، ويضربهم بالفلكة، ويكتب الأحجبة للنساء، ويتعامل مع السحر والجان... إلخ، وكذلك خطباء المساجد الذين يعيدون كل جمعة ما قيل منذ قرون غبرت. اجترح لغة تمتزج فيها البساطة التعبيرية، وتقتبس من اللهجة الليبية المحكية في برقة، التي تمتاز بقفشات تجمع بين السلاسة الساخرة والتعجب. بدأت مقالاته تسطع على صفحات جريدة «الحقيقة»، وارتفع عدد قرائها وتوزيعها في كل أنحاء البلاد.

تحولت سطور مقالاته قذائفَ مدفعية تدكُّ ما كان من المحرَّم الاقتراب منه، بسلسلة مقالات بعنوان «الرمز في القرآن». قدّم الصادق النيهوم لما يمكن أن نسميه مشروعه الجريء في تفسير القرآن، الذي ركّز على دراسة الرمز في الآيات القرآنية، مستعيناً بالمراجع والقواميس العربية والأجنبية، والتفسيرات العربية المعتمدة للقرآن، التي اعتمد عليها في طرح رؤيته. بدأ النيهوم من سورة الكهف بهذه الآية: (وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعاً) الكهف 25. وطرح السؤال: هل نام أصحاب الكهف ثلاثة قرون حقاً؟ أجاب بأن ليس ثمة شك أن المرء يستطيع أن يعتمد الإجابة، باعتبار أن المعجزة ظاهرة في معظم الديانات، وأن الله على كل شيء قدير، ولكن أليس ثمة طريق آخر؟ ويضيف، أنا سأفترض أن القصة بأسرها حادثة رمزية تهدف في الظاهر إلى الحديث عن بضعة من القديسين المطاردين في الجبال، وتهدف في الواقع إلى الحديث عن تاريخ المسيحية ذاتها، وهذا طريقي إلى ذلك الافتراض.

تناول في مقالاته عن الرمز في القرآن تاريخ ميلاد السيد المسيح، وتطور الديانة المسيحية عبر التاريخ. من أصحاب الكهف انتقل النيهوم إلى ذي القرنين، وطاف بين التفسيرات المختلفة التي وردت عنه. سورة الكهف وجد فيها ما يهبه فسحة يتفاعل فيها مع عنوان مشروعه، وهو «الرمز في القرآن».

ينتقل بعد ذلك إلى سورة آل عمران، ويسهب في الحديث عن السيدة مريم وطفولتها. يذهب إلى أن القرآن يروي قصة مريم في تتابع تاريخي واضح داخل النص نفسه، فيبدأ بقصة ميلادها ودخولها المعبد وكفالة زكريا لها، وتبشيرها بعيسى، وما أضافه على القصة من تأويلات.

بدأ القصف المضاد ضد ما ساقه النيهوم في رموزه. ردود عنيفة من الكتّاب والصحافيين ورجال الدين ومن الجامعة الإسلامية. أُجريت مقابلات إذاعية وصحافية معه، دافع فيها بكل ثقة وهدوء عما كتبه.

ما نقف عنده اليوم، أن الصادق النيهوم لم يُكفَّر أو يُفسَّق. ظلَّ يمشي في بنغازي وطرابلس حراً بقبقابه الخشبي، يحييه الشباب المعجبون بنجمهم، ويشارك في الملتقيات الوطنية والمغاربية. ماذا كان سيكون مصيره لو كتب ما كتب اليوم؟ أيكون مثلما لاقاه المفكر المصري فرج فودة والمفكر السوداني محمود محمد طه؟ كل ما حدث كان إيقاف صاحب «الحقيقة» محمد بشير الهوني لتلك السلسلة من المقالات.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الصادق النيهوم ينجو من معارك أشعلها الصادق النيهوم ينجو من معارك أشعلها



GMT 14:43 2025 الأحد ,26 تشرين الأول / أكتوبر

سوريا الأستاذ وديع

GMT 14:41 2025 السبت ,25 تشرين الأول / أكتوبر

في حب الصحراء: شريان الحياة

GMT 14:38 2025 الأحد ,26 تشرين الأول / أكتوبر

الرئيس والممسحة

GMT 14:33 2025 الأحد ,26 تشرين الأول / أكتوبر

السلاح... أو حين يكون المكسب صفراً والهزيمة مطلقة

GMT 14:28 2025 الأحد ,26 تشرين الأول / أكتوبر

من سيلحق بكندا... في «التعامل بالمثل» مع ترمب؟

GMT 14:24 2025 الأحد ,26 تشرين الأول / أكتوبر

ترمب وخصومه في «حيْصَ بيْص»

GMT 14:23 2025 السبت ,25 تشرين الأول / أكتوبر

سموتريتش وحقد الجِمال

GMT 14:19 2025 السبت ,25 تشرين الأول / أكتوبر

القطبية الصينية ومسار «عالم الغابة»

رحمة رياض تتألق بإطلالات متنوعة تجمع بين الأناقة والجرأة

الرياض - المغرب اليوم

GMT 19:13 2025 الأربعاء ,29 تشرين الأول / أكتوبر

ملف الصحراء المغربية يعود للواجهة ومؤشرات حسم دولية قريبة
المغرب اليوم - ملف الصحراء المغربية يعود للواجهة ومؤشرات حسم دولية قريبة

GMT 17:33 2025 الأربعاء ,29 تشرين الأول / أكتوبر

باراغواي تعلن فتح قنصلية عامة في الصحراء المغربية
المغرب اليوم - باراغواي تعلن فتح قنصلية عامة في الصحراء المغربية

GMT 22:34 2025 الأربعاء ,29 تشرين الأول / أكتوبر

نتنياهو يؤكد أن قطاع غزة لن يشكل تهديدا لإسرائيل
المغرب اليوم - نتنياهو يؤكد أن قطاع غزة لن يشكل تهديدا لإسرائيل

GMT 17:49 2025 الأربعاء ,29 تشرين الأول / أكتوبر

بحضور النجوم إليسا تحتفل بعيد ميلادها
المغرب اليوم - بحضور النجوم إليسا تحتفل بعيد ميلادها

GMT 19:34 2025 الأربعاء ,29 تشرين الأول / أكتوبر

الشيخة حسينة تتحدث لأول مرة منذ الهروب
المغرب اليوم - الشيخة حسينة تتحدث لأول مرة منذ الهروب

GMT 15:55 2020 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

أعد النظر في طريقة تعاطيك مع الزملاء في العمل

GMT 02:18 2018 الثلاثاء ,23 كانون الثاني / يناير

سهام العزوزي تتوج بلقب مسابقة "ميس أمازيغ" في دورتها الخامسة

GMT 14:13 2016 الإثنين ,31 تشرين الأول / أكتوبر

فرقة «رضا» تتألق في الأقصر عاصمة السياحة لعام 2016

GMT 23:59 2021 الأحد ,07 شباط / فبراير

تعرف على تفاصيل طلاق "أبو جاد" وزوجته سارة

GMT 19:07 2019 السبت ,22 حزيران / يونيو

الكرنب يحتوي على مغذيات تحارب مرض الخرف

GMT 13:24 2019 السبت ,01 حزيران / يونيو

ودي تكشف عن موديلات S من سياراتها Q5 وA6 وA7

GMT 14:44 2019 الثلاثاء ,01 كانون الثاني / يناير

حرّاس صدام حسين يكشفون تفاصيل اللحظات الأخيرة في حياته

GMT 07:20 2018 الأحد ,07 تشرين الأول / أكتوبر

الأغذية منخفضة الكربوهيدرات تسهم في علاج السكري

GMT 16:22 2018 الأربعاء ,03 تشرين الأول / أكتوبر

العروبة الإماراتي يتعاقد مع ياسين الصالحي لموسم واحد

GMT 20:51 2018 الثلاثاء ,02 تشرين الأول / أكتوبر

قطر تستعد لتنظيم بطولة العالم للجمباز بمشاركة إسرائيلية
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
RUE MOHAMED SMIHA ETG 6 APPT 602 ANG DE TOURS CASABLANCA MOROCCO
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib