قل غير متزوجة ولا تقل «عانس»

قل غير متزوجة ولا تقل «عانس»

المغرب اليوم -

قل غير متزوجة ولا تقل «عانس»

خالد منتصر
بقلم - خالد منتصر

«العانس عقلها مش صغير ده دنيتها هى اللى صغيرة».. جملة حوار عبقرية كتبها أسامة أنور عكاشة فى مسلسل «امرأة من زمن الحب»، وذلك وصفاً لحالة لبيبة التى جسدتها عبلة كامل بامتياز.. وهذه الجملة، برغم بساطتها، فإنها لخصت العالم المعقد والغامض الذى تعيش فيه العانس المصرية التى يتهمها الجميع بأنها حشرية وفضولية وحسودة، مما يجعلها تنعزل أكثر وأكثر وتدخل محارة الذات المؤلمة تقتات أحزانها وتجتر إحباطاتها فتتبدل أحلامها كوابيس وآمالها أشباحاً، وفى مجتمع يقسم النساء إلى نساء على الزيرو ونساء نصف عمر ونساء كهنة، ويلصق على جبهة كل امرأة تاريخ صلاحيتها.

فى هذا المجتمع لا بد أن تكون العانس خارج المنظومة وشخصاً غير مرغوب فيه وعبئاً مؤجلاً لحين التخلص من مسئوليته. العبقرية فى جملة عكاشة هى أن فى ثناياها الحل أيضاً، فالحل هو فى توسيع عالم هذه العانس وخروجها من محارة الانتظار المر اللانهائى، وأنا شخصياً أعتبر الكثيرات من العوانس ضحايا لحظة صدق مع النفس خُيرت فيها بين احترام كرامتها أو الإذعان لرغبات الزبون المسمى عريساً، فاختارت الكرامة أو العنوسة، والعنوسة فى مصر للأسف ليست سناً بل هى فى المقام الأول إحساس، فنحن نرسم استراتيجية القضاء على لفظ آنسة والبنت لا تزال على أعتاب العشرين وأحياناً قبلها بكثير، وينتقل هذا الإحساس أوتوماتيكياً إلى البنت التى تشارك فى إزالة آثار كلمة آنسة فتساعد الأهل على تنفيذ هذه الاستراتيجية، فترتدى الحجاب إذا كانت الريح مواتية فى هذا الاتجاه وتخلعه إذا كانت فى عكس الاتجاه، وتصبح الأفراح هى سوق التلات الزواجية، التى تعرض فيها مهارات البنات من رقص ولبس برضا الأم وطناش الأب!! العازب فى مصر غير العانس، فالمجتمع احتفظ للرجل بدور الصياد القديم الذى كان يؤديه إنسان الكهف الباحث دوماً عن الفريسة، فهو الطالب وهى المطلوبة، وهو الباحث وهى المبحوث عنها، ومن هنا فهو ليس له تاريخ صلاحية محدد كالبلوبيف، وإنما هو من السلع المعمرة، والمهلة الممنوحة له للاختيار بطول عمره كله، ووقت أن تطق فى دماغه يقرر الجواز يتجوز، أما المسكينة ذات تاريخ الصلاحية المحدد والمختوم بختم المجتمع والعرف والتقاليد فليس لها حق وترف الانتظار، فقطار الزواج توربينى لا يقف فى محطات، وعليها أن تنتظره فى الميعاد المناسب والمحطة المحددة وإلا فاتها القطار، وظلت على رصيف الانتظار وقد ضاعت عليها التذكرة وأصبحت غير قادرة حتى على التسطيح!!

المفهوم الروبابيكى الذى نتعامل به مع العانس هو مفهوم ضارب بجذوره فى تلابيب تفكيرنا وأرواحنا، وبنظرة سريعة على أمثالنا الشعبية نجدها تعبر عن هذا المفهوم خير تعبير، خذ عندك «ضل راجل ولا ضل حيطة».. «الراجل بالبيت نعمة ولو كان فحمة».. «اخطب لبنتك وما تخطبش لابنك».. «تقعدى فى عشك لما ييجى اللى ينشك»... إلخ.

هذه الأمثلة وغيرها تدل على أننا حماة التراث بجميع أنواعه وملله ونحله حتى البابلى، فمنذ ثلاثة آلاف عام وجدت تلك العبارة على أحد آثار بابل: «الفتاة التى تتزوج نملة أفضل من الفتاة التى تحيا وتموت وعلى قبرها كلمة عانس»، فهل كان كاتبها مصرياً هاجر إلى العراق؟!

*نقلاً عن "الوطن"

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

قل غير متزوجة ولا تقل «عانس» قل غير متزوجة ولا تقل «عانس»



GMT 15:13 2025 الأحد ,06 تموز / يوليو

وثائق وحقائق

GMT 15:11 2025 الأحد ,06 تموز / يوليو

متى يصمت المحللون والمعلقون؟!

GMT 15:10 2025 الأحد ,06 تموز / يوليو

جنازة جوتا و«إللّي اختشوا ماتوا»

GMT 15:08 2025 الأحد ,06 تموز / يوليو

عن السلم والإذلال والمسؤوليّة الذاتيّة

GMT 15:05 2025 الأحد ,06 تموز / يوليو

قسمةُ ملايين

GMT 15:03 2025 الأحد ,06 تموز / يوليو

جهة أخرى يعلمها الله!

GMT 15:02 2025 الأحد ,06 تموز / يوليو

إعلان إفلاس

GMT 17:50 2018 السبت ,27 كانون الثاني / يناير

"أون" تبدأ عرض مسلسل "أبو العلا 90 " لمحمود مرسي

GMT 13:20 2018 الجمعة ,19 كانون الثاني / يناير

الملك محمد السادس يبعث برقية عزاء في رئيس تشاد

GMT 07:47 2017 الثلاثاء ,10 كانون الثاني / يناير

بطولة الخريف

GMT 00:31 2017 الأربعاء ,06 أيلول / سبتمبر

الكشف عن تفاصيل ألبوم شيرين عبد الوهاب المقبل

GMT 13:02 2022 الأحد ,26 حزيران / يونيو

أفكار بسيطة في الديكور لجلسات خارجية جذّابة

GMT 11:33 2019 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

جريمة قتل تهزّ "سوق الجملة" في مدينة تطوان المغربية

GMT 06:41 2019 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

رئيس الكوكب المراكشي في "قفص الاتِّهام" بسبب مِلفّ السعيدي

GMT 12:37 2019 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

بوصوفة يشيد برونارد ويعتبر المدرب الأفضل بإفريقيا

GMT 05:08 2019 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

"فورد" تطلق سيارتها الحديثة "موستانغ ماخ إي" الكهربائية

GMT 11:03 2019 الأربعاء ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

إصابة اسماعيل الحداد لا تدعو إلى القلق
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib