ما بعد هدنة ترمب

ما بعد هدنة ترمب!

المغرب اليوم -

ما بعد هدنة ترمب

عثمان ميرغني
بقلم - عثمان ميرغني

 

بطريقته المعهودة، رسم الرئيس الأميركي دونالد ترمب صورة درامية للضربة الأميركية على إيران، وقال إنها أنهت الحرب، منتقداً كل من حاول التقليل من أثرها، وبشكل خاص بعض الإعلام الأميركي الذي ذكر أن الضربة أعادت البرنامج النووي الإيراني شهوراً للوراء وليس سنوات.

ترمب ليس من النوع الذي يقبل بأي توصيفات أقل من الإبهار، لذلك لم يكتفِ بهجومه على الصحافيين الذين ألمحوا إلى أن تأثير الغارة لم يكن بالقدر الذي صورت به، وعاد إلى الموضوع في قمة (الناتو) أمس مستخدماً مقاربة مع ضربتي هيروشيما وناغازاكي إبان الحرب العالمية الثانية، قائلاً إنهما مثلما أنهتا تلك الحرب، فإن الضربة على إيران أنهت هذه الحرب.

في إطار ترتيبات ما بعد الضربة الأميركية والرد الإيراني الرمزي، ضغط ترمب لوقف سريع لإطلاق النار بين إيران وإسرائيل من دون الكثير من التفاصيل حول شروطه وآلياته، ومن دون أن يكون هناك اتفاق مكتوب وموقع عليه. في كل الأحوال رمى ترمب بكل ثقله وراء وقف النار ولن يقبل بانهياره لأنه يريد أن يخرج منتصراً من تدخله العسكري، ولأنه يريد أن يحتوي الخلافات الداخلية التي برزت في معسكر مؤيديه الذين عارض بعضهم جره أميركا للتدخل خدمة لإسرائيل، وذكّروه بأن ذلك يخرق تعهداته الانتخابية بأنه يريد أن يكون «رئيس السلام» ولن يقود أميركا إلى حروب بلا نهاية.

لذلك بدا الرئيس الأميركي غاضباً عندما سأله الصحافيون عن خرق وقف النار في لحظاته الأولى، فدعا إسرائيل علناً إلى أن تستدعي طائراتها من الجو عندما كانت في طريقها لشن غارة على إيران. كشفت تلك اللحظات عن أن نتنياهو ربما كانت لديه تحفظات على الوقف السريع لإطلاق النار وأراد تفجيره، لكن رسائل واشنطن الغاضبة أوقفته.

ترمب يريد أن يقول للعالم إن استراتيجية «الرجل القوي» التي مارسها، نجحت، أولاً في توجيه ضربة قوية للبرنامج النووي الإيراني؛ وثانياً في تحقيق وقف النار و«إنهاء» الحرب؛ وثالثاً، وهي المرحلة التالية، في إعادة إيران إلى طاولة التفاوض وهي في موقف أضعف.

هذه الحرب فيها الكثير من الخبايا والمناورات والتفاهمات التي بدا بعضها يتكشف. فمن مجريات الأمور وضح أن ترمب أعطى إسرائيل الضوء الأخضر لمهاجمة إيران في 13 يونيو (حزيران)، وساعدها بممارسة التمويه والخداع مع إيران. وفي اليوم العاشر من الحرب جاء التدخل الأميركي بعملية «مطرقة منتصف الليل»، ثم الرد الإيراني «الرمزي» والمنسق الذي استهدف أهم القواعد الأميركية في المنطقة من دون أن يحدث أضراراً تذكر. وضمن سريالية المشهد شكر ترمب إيران لأنها أبلغتهم قبل وقت كافٍ سمح بإخلاء المواقع، ووضع الدفاعات في حال استعداد لإسقاط كل الصواريخ.

هذا الإنذار المسبق لم يكن الوحيد، إذ سبقه إنذار آخر وفقاً لتقارير ذكرت أن أميركا أبلغت إيران مسبقاً بالضربة التي شنتها عليها، ما أتاح لها نقل معدات وكميات من اليورانيوم من موقع فوردو إلى أماكن أخرى. أما بالنسبة لموضوع تغيير النظام فلم يكن سوى ورقة ضغط، إذ إن ترمب بدأ يقول الآن إنه سيعني حدوث فوضى ولا أحد يريد ذلك.

مع وقف النار يستطيع كل طرف أن يقول إنه خرج منتصراً رغم أي ثمن تحمله. ترمب سيقول إن استراتيجيته انتصرت، وسيعزز صورة «الرجل القوي» التي يحبها. وسيقول أيضاً إنه الرئيس الذي يحقق السلام لأنه أوقف هذه الحرب وأنقذ المنطقة، كما أوقف قبلها المواجهة العسكرية بين باكستان والهند، ما يجعله مستحقاً لنوبل للسلام، وفق ما يأمل.

نتنياهو سيقول إنه حقق أهدافه و«دمر» قدرات إيران النووية وأعادها إلى الوراء سنوات، وحد من قدرات إيران الصاروخية باستنزاف كميات منها وتدمير مراكز تصنيع، كما اغتال عدداً من علماء إيران النوويين وقتل قادة عسكريين ومسؤولين ودمر مراكز عسكرية.

إيران من جانبها تستطيع أن تقول إنها رغم ما خسرته، فإنها صمدت وأثبتت قدرتها على الرد وكبدت إسرائيل خسائر مادية واقتصادية وبشرية واستراتيجية كبيرة على رأسها مبدأ الردع. كما جربت أسلحتها في أرض معركة حقيقية، ومنها صواريخ جديدة ومسيّرات، ونجحت في تجاوز منظومات الدفاع الإسرائيلية مرات عدة.

منطقتنا هي الخاسر من الحروب التي تدار فوق رؤوسها وعلى حساب استقرارها، وفي وسط كل هذا تم نسيان معاناة غزة غير المسبوقة، كما نسيت حرب السودان وغيرها.

ماذا بعد؟

التوصل للهدنة ربما كان الجزء الأسهل. الجزء الأصعب الآن هو المفاوضات لتسوية أزمة الملف النووي الإيراني. فترمب سيطلب السقف الأعلى، وإيران سترفض، ما يعني أن الهدنة الحالية قد تكون مجرد مهلة قبل اندلاع حرب أكبر، أو يتم التوصل إلى اتفاق على أرضية وسطى بين مطلب واشنطن بعدم استئناف التخصيب، وموقف طهران بالتمسك بحق التخصيب ولو بنسبة 3 في المائة.

ستعود المقايضات بعد أن رسم كل طرف «حدوده» ومعالم «انتصاراته» وفق رؤيته في حرب الموازنات والمفاجآت والتفاهمات... لإعادة ترتيب المنطقة.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ما بعد هدنة ترمب ما بعد هدنة ترمب



GMT 00:06 2025 الأربعاء ,03 أيلول / سبتمبر

استقرار واستدامة

GMT 00:01 2025 الأربعاء ,03 أيلول / سبتمبر

نسخة ليبية من «آسفين يا ريّس»!

GMT 23:59 2025 الأربعاء ,03 أيلول / سبتمبر

بضع ملاحظات عن السلاح بوصفه شريك إسرائيل في قتلنا

GMT 23:58 2025 الأربعاء ,03 أيلول / سبتمبر

ليبيا... أضاعوها ثم تعاركوا عليها

GMT 23:55 2025 الأربعاء ,03 أيلول / سبتمبر

الأديان ومكافحة العنصرية في أوروبا

GMT 23:52 2025 الأربعاء ,03 أيلول / سبتمبر

إن كنت ناسي أفكرك!!

GMT 23:49 2025 الأربعاء ,03 أيلول / سبتمبر

سوء حظ السودان

نجمات الموضة يتألقن بإطلالات صيفية منعشة تجمع بين البساطة والأنوثة

دبي - المغرب اليوم

GMT 10:25 2016 الأربعاء ,18 أيار / مايو

أمير قطر يتسلم رسالة خطية من الرئيس السوداني

GMT 18:16 2015 الخميس ,12 تشرين الثاني / نوفمبر

زيت شجرة الشاي لعلاج التهاب باطن العين

GMT 04:56 2016 الإثنين ,04 كانون الثاني / يناير

ارتفاع حركة النقل الجوي في مطارات المغرب بنسبة 1.79 %

GMT 13:04 2017 الجمعة ,06 تشرين الأول / أكتوبر

مجموعة "المغانا" تتبرأ من "تيفو" مباراة المغرب والغابون

GMT 22:00 2017 الإثنين ,09 تشرين الأول / أكتوبر

ناصيف زيتون يحي صيف النجاحات وسط حضور جماهيري حاشد

GMT 19:55 2022 الخميس ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

هبوط أسعار النفط مع تنامي مخاوف الصين من فيروس كورونا

GMT 15:06 2022 الثلاثاء ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

أرباح "مصرف المغرب" تبلغ 438 مليون درهم

GMT 12:29 2022 السبت ,07 أيار / مايو

أفضل أنواع الهايلايتر لجميع أنواع البشرة

GMT 17:41 2022 السبت ,09 إبريل / نيسان

زلزال بقوة 4,3 درجات في إقليم الدريوْش

GMT 23:50 2022 الأربعاء ,26 كانون الثاني / يناير

"ناسا" ترصد مليون دولار لمن يحل مشكلة إطعام رواد الفضاء

GMT 20:42 2021 الجمعة ,08 كانون الثاني / يناير

مدريد تستعد لأشد تساقط للثلوج منذ عقود

GMT 01:34 2020 الخميس ,03 كانون الأول / ديسمبر

الحكم على المودل سلمى الشيمي ومصورها

GMT 22:23 2020 الأربعاء ,02 كانون الأول / ديسمبر

مُساعد جوسيب بارتوميو يظهر في انتخابات نادي برشلونة المقبلة

GMT 15:54 2020 الخميس ,29 تشرين الأول / أكتوبر

أبرز التوقعات لعودة تطبيق الحجر الصحي الكامل في المغرب

GMT 19:12 2020 الثلاثاء ,13 تشرين الأول / أكتوبر

أمن طنجة يحقق في اتهامات باغتصاب تلميذ قاصر داخل مدرسة

GMT 23:35 2020 الأحد ,13 أيلول / سبتمبر

فساتين سهرة باللون الأخضر الفاتح

GMT 23:41 2020 الأربعاء ,09 أيلول / سبتمبر

بلاغ هام من وزارة "أمزازي" بشأن التعليم عن بعد
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
RUE MOHAMED SMIHA ETG 6 APPT 602 ANG DE TOURS CASABLANCA MOROCCO
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib