التّصدّي الجدّيّ للسّلاح أو مواجهة المناطق العازلة

التّصدّي الجدّيّ للسّلاح أو مواجهة المناطق العازلة

المغرب اليوم -

التّصدّي الجدّيّ للسّلاح أو مواجهة المناطق العازلة

نديم قطيش
بقلم - نديم قطيش

الأخطر من احتمال عودة “الحزب” إلى سابق عهده، وهذا ما لن يتحقّق في أيّ وقت قريب، هو الشعور المتنامي داخليّاً ولدى حلفاء لبنان التقليديّين في العالم العربي، أنّ “الحزب” استعاد زمام المبادرة، في مواجهة الدولة اللبنانية واللبنانيين عامّة.

ما بدا أنّه مشهد سياسي لبناني جديد يتكوّن في لبنان، مع انتخاب جوزف عون رئيساً للجمهورية، وتشكيل نوّاف سلام لحكومة مختلفة عمّا سبق أن ساد في التجربة اللبنانية في السنوات الماضية، سرعان ما بات يقترب من كونه لحظة رمزيّة عابرة، يشكّ كثيرون في أنّها ستتطوّر جدّياً إلى قطيعة حقيقية مع منطق الدولة داخل الدولة.

سريعاً تراجع الإيقاع الجديد لمصلحة النغمات القديمة، حين استشعر “الحزب” أنّ خصومه لم يفلحوا في امتحان التماسك حول خطاب ما بعد السلاح وما بعد المقاومة. لم يحتَج “الحزب” إلى الكثير من الصخب حيال المعادلة السياسية التي وُلدت من رحم هزيمته في حرب إسناد غزّة. ولم يسعَ إلى إسقاطها عبر التنمّر في الشارع. اكتفى بالصمت ومراقبة قوى الدولة اللبنانية تبدّد رصيدها لدى الناس والمجتمعَين العربي والدولي، ثمّ أدار محرّكات إعادة التموضع عبر خطاب التصعيد الأخير.
الأخطر من احتمال عودة “الحزب” إلى سابق عهده، وهذا ما لن يتحقّق في أيّ وقت قريب، هو الشعور المتنامي داخليّاً ولدى حلفاء لبنان التقليديّين في العالم العربي، أنّ “الحزب” استعاد زمام المبادرة

لبنان أضاع الفرصة؟

أثبت الرهان على رمزيّة الأشخاص، من دون رؤية واضحة تجاه السلاح، أنّه لا يفضي إلّا إلى حالة إنكار جماعي، تكتفي بشبه الهدوء وشبه الاستقرار ولو من دون أفق لنهوض حقيقي. وفي هذا السياق يمنّي اللبنانيون أنفسهم، أنّ أفضل ما يمكن أن يحقّقه “الحزب” على مستوى استعادة هيبته، سيظلّ أدنى بكثير من أدنى وضعيّاته قبل الهزيمة، فلماذا استعجال فتح مشكل معه، قد يهدّد شبه الهدوء والاستقرار المتوافرين الآن. بيد أنّ الأمر الآن يتجاوز ما يمكن أو لا يمكن أن يحقّقه “الحزب” على مستوى استعادة وضعه، لأنّ ما يعيشه لبنان صار تعبيراً عن انكشاف حدود الدولة اللبنانية وضعف قدرتها اليوم وغداً وأبعد.

الجميع، في لبنان وخارجه، صار أقرب إلى استنتاج مفاده أنّ لبنان أضاع فرصة استعادة الدولة، واكتفى بمعالجة الفراغ المؤسّساتي والدستوري، مبقياً على الفراغ السياسي بمعناه الأوسع، وهو ما استثمره “الحزب” ليقول إنّه لم ينتهِ.

ثمّة حقيقة جوهرية بسيطة: لا تمتلك الدولة اللبنانية مشروعاً سياسيّاً واضحاً تجاه “الحزب”. فالجميع يتفادون طرح السؤال الكبير: ما هي وظيفة هذا السلاح بعد كلّ ما جرى؟

ولأنّ أحداً لا يملك جواباً، سوى شعار “حصريّة السلاح”، يملأ “الحزب” هذا الفراغ بإجابات تراوح بين الحاجة إلى السلاح لمواجهة التهديد الوجوديّ المفترض الذي يواجه الشيعة، أو مواجهة صعود سنّية سياسية سلفيّة في سوريا وتداعياتها المحتملة في لبنان، أو للمقاومة مجدّداً و”تحرير الأرض” وفرض إعادة الإعمار!!

عليه بات الارتباك الرسمي، وخطاب الدولة الخجول، وفائض المراوغة في التفاعل مع الضغوط الدولية على لبنان، مشاركة غير مباشرة في تحصين السلاح، وخضوعاً ضمنيّاً للجواب الذي استعاد “الحزب” قدرة فرضه على الجميع.

الانطباع المتنامي أنّ لبنان اختار ترك الأمور لمعادلة “الوقت يضعف الحزب” أو أنّ “التسوية الكبرى في المنطقة تنزع سلاحه تدريجياً”، وهي خيارات لا نتيجة لها إلّا إضعاف موقع الدولة، ومنح “الحزب” كلّ الوقت ليستعيد ما فقده. ففي ظلّ انعدام المبادرة لإنتاج وقائع سياسية تعيد تعريف الدولة بوصفها مشروعاً واثقاً وجامعاً وقادراً، تتحوّل الدولة إلى حلبة لإدارة توازنات هشّة وحسب.
أثبت الرهان على رمزيّة الأشخاص، من دون رؤية واضحة تجاه السلاح، أنّه لا يفضي إلّا إلى حالة إنكار جماعي

انفجار داخليّ كبير

في قاموس أعمال البناء والإنشاءات، “النشّ” هو تسرّب رطوبة عبر الجدران نتيجة خلل داخلي في المياه. أمّا في السياسة اللبنانية، فقد صار “النشّ” منهج حكم، أي انتظار تسرّب تسويات خارجية كبرى إلى البلد، بدل تحمّل المسؤولية وطرح حلول لبنانية حقيقية يواكبها الخارج. وبانتظار “حلّ إقليمي” “ينشّ” على جدران الجمهوريّة، تتآكل مناعة الدولة ببطء وبلا ضجيج.

استمرار المراوحة تحت غطاء تسوية شكليّة، أو ميزان قوى وهميّ، يتيح لـ”الحزب” تثبيت ما بقي من وضعه، وإن لم يتمكّن من استعادة ما كانه تماماً. وهو واقع سياسي وأمنيّ يبقى عرضة للاهتزاز، بطريقة غير قابلة للضبط، لا سيما في لحظة إقليمية متوتّرة، في غزّة وإيران وسوريا واليمن.

عليه، ما لم تتغيّر عقليّة الانتظار المزمن، وتُستولَد لحظة تأسيسيّة لبنانية تستعيد السؤال الجوهري: من يقرّر؟ من يحكم؟ وما معنى الدولة؟ لن ترتقي أيّ تسوية مقبلة إلى مرتبة الحلّ النهائي، وسيظلّ لبنان أسير الوقت المستقطَع، بين حربين.

عليه تفتح مناخات الشلل السياسي وضعف القرار السيادي، الباب لإسرائيل لفرض واقع أمنيّ جديد في جنوب لبنان، يشبه إلى حدّ بعيد ما نجحت في ترسيخه في جنوب سوريا، خصوصاً في درعا والقنيطرة والسويداء، أي مناطق عازلة غير معلنة، تُدار عبر متابعة أمنيّة دقيقة وتنفيذ ضربات جراحية في ظلّ غياب فعليّ للدولة المركزية.

لكنّ الفارق الجوهري بين جنوب لبنان وجنوب سوريا، هو أنّ أيّ محاولة إسرائيلية لفرض مناطق عازلة هنا، لن تمرّ بهدوء. فبيئة الجنوب اللبناني، على خلاف عموم درعا والقنيطرة والسويداء، معادية لإسرائيل، وهو ما يحتّم أن تترافق خطة إعادة ترسيم الخريطة الأمنيّة مع تفريغ سكّاني جماعي سيدفع بمئات الآلاف شمال نهر الليطاني، وربّما أبعد، وهذا ما يفتح الباب على توتّرات اجتماعية ومذهبية تهدّد بانفجار داخليّ كبير.

من المفيد أن تقتنع الدولة اللبنانية بأنّ كلفة التصدّي النهائي الذي لا تجميل له ولا عودة عنه لملفّ سلاح “الحزب”، أيّاً يكن التهويل بشأنها، تبقى أقلّ بكثير من كلفة ترك إسرائيل تفرض وقائعها على الأرض، وبشروط لا يملك لبنان ردّها.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

التّصدّي الجدّيّ للسّلاح أو مواجهة المناطق العازلة التّصدّي الجدّيّ للسّلاح أو مواجهة المناطق العازلة



GMT 14:43 2025 الأحد ,26 تشرين الأول / أكتوبر

سوريا الأستاذ وديع

GMT 14:41 2025 السبت ,25 تشرين الأول / أكتوبر

في حب الصحراء: شريان الحياة

GMT 14:38 2025 الأحد ,26 تشرين الأول / أكتوبر

الرئيس والممسحة

GMT 14:33 2025 الأحد ,26 تشرين الأول / أكتوبر

السلاح... أو حين يكون المكسب صفراً والهزيمة مطلقة

GMT 14:28 2025 الأحد ,26 تشرين الأول / أكتوبر

من سيلحق بكندا... في «التعامل بالمثل» مع ترمب؟

GMT 14:24 2025 الأحد ,26 تشرين الأول / أكتوبر

ترمب وخصومه في «حيْصَ بيْص»

GMT 14:23 2025 السبت ,25 تشرين الأول / أكتوبر

سموتريتش وحقد الجِمال

GMT 14:19 2025 السبت ,25 تشرين الأول / أكتوبر

القطبية الصينية ومسار «عالم الغابة»

رحمة رياض تتألق بإطلالات متنوعة تجمع بين الأناقة والجرأة

الرياض - المغرب اليوم

GMT 19:13 2025 الأربعاء ,29 تشرين الأول / أكتوبر

ملف الصحراء المغربية يعود للواجهة ومؤشرات حسم دولية قريبة
المغرب اليوم - ملف الصحراء المغربية يعود للواجهة ومؤشرات حسم دولية قريبة

GMT 17:33 2025 الأربعاء ,29 تشرين الأول / أكتوبر

باراغواي تعلن فتح قنصلية عامة في الصحراء المغربية
المغرب اليوم - باراغواي تعلن فتح قنصلية عامة في الصحراء المغربية

GMT 22:34 2025 الأربعاء ,29 تشرين الأول / أكتوبر

نتنياهو يؤكد أن قطاع غزة لن يشكل تهديدا لإسرائيل
المغرب اليوم - نتنياهو يؤكد أن قطاع غزة لن يشكل تهديدا لإسرائيل

GMT 17:49 2025 الأربعاء ,29 تشرين الأول / أكتوبر

بحضور النجوم إليسا تحتفل بعيد ميلادها
المغرب اليوم - بحضور النجوم إليسا تحتفل بعيد ميلادها

GMT 19:34 2025 الأربعاء ,29 تشرين الأول / أكتوبر

الشيخة حسينة تتحدث لأول مرة منذ الهروب
المغرب اليوم - الشيخة حسينة تتحدث لأول مرة منذ الهروب

GMT 15:55 2020 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

أعد النظر في طريقة تعاطيك مع الزملاء في العمل

GMT 02:18 2018 الثلاثاء ,23 كانون الثاني / يناير

سهام العزوزي تتوج بلقب مسابقة "ميس أمازيغ" في دورتها الخامسة

GMT 14:13 2016 الإثنين ,31 تشرين الأول / أكتوبر

فرقة «رضا» تتألق في الأقصر عاصمة السياحة لعام 2016

GMT 23:59 2021 الأحد ,07 شباط / فبراير

تعرف على تفاصيل طلاق "أبو جاد" وزوجته سارة

GMT 19:07 2019 السبت ,22 حزيران / يونيو

الكرنب يحتوي على مغذيات تحارب مرض الخرف

GMT 13:24 2019 السبت ,01 حزيران / يونيو

ودي تكشف عن موديلات S من سياراتها Q5 وA6 وA7

GMT 14:44 2019 الثلاثاء ,01 كانون الثاني / يناير

حرّاس صدام حسين يكشفون تفاصيل اللحظات الأخيرة في حياته

GMT 07:20 2018 الأحد ,07 تشرين الأول / أكتوبر

الأغذية منخفضة الكربوهيدرات تسهم في علاج السكري

GMT 16:22 2018 الأربعاء ,03 تشرين الأول / أكتوبر

العروبة الإماراتي يتعاقد مع ياسين الصالحي لموسم واحد

GMT 20:51 2018 الثلاثاء ,02 تشرين الأول / أكتوبر

قطر تستعد لتنظيم بطولة العالم للجمباز بمشاركة إسرائيلية
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
RUE MOHAMED SMIHA ETG 6 APPT 602 ANG DE TOURS CASABLANCA MOROCCO
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib