الخيار العربي في مواجهة «عقيدة ويتكوف»

الخيار العربي في مواجهة «عقيدة ويتكوف»

المغرب اليوم -

الخيار العربي في مواجهة «عقيدة ويتكوف»

نديم قطيش
بقلم : نديم قطيش

 

من يزور واشنطن هذه الأيام سيفتقد أيَّ شكل من أشكال الوضوح بشأن العناوين الفلسطينية الأساسية. لا وضوحَ في الموقف من ضم أجزاء من الضفة الغربية، ولا التزام بعبارة «حل الدولتين»، ولا حتى موقف صريح من وجود الفلسطينيين أصلاً، هم الذين يُناقَش تهجيرهم كخيار عادي بين خيارات أخرى.

الرائج هو لغة حذرة، يعتمّدُها المبعوث الرئاسي الأميركي ستيف ويتكوف، وفق ما أسميه عقيدةَ «الغموض الوظيفي»، أي سياسة تأجيل الجوهر، لصالح إدارة الممكن. لا حسم في قضايا الضمِّ أو مستقبل الدولة الفلسطينية، ولا ضمانات علنية وعملية، تمنع إسرائيل من المضي قدماً في خطوات تدريجية في الضفة، بينما ينشغل المجتمع الدولي في ورشة إعادة الإعمار في غزة.

الواضح أنَّ البيت الأبيض يدفع بترتيبات آنية تركّز على غزة، وتقوم على أساس فرض إشراف خارجي مؤقت، ودور عربي خليجي في التمويل والإدارة، وربط غامض للحقوق السياسية الفلسطينية بالأداء الاقتصادي.

في مقابل ذلك تبرز المبادرة السعودية- الفرنسية برعاية أممية، الساعية لإعادة عنوان «حل الدولتين» إلى مركز النقاش الدولي، على ما تظهر مصادقة الجمعية العامة للأمم المتحدة، قبل أيام، بغالبية 142 دولة، ومعارضة 10 دول على «إعلان نيويورك» الذي انبثق من «المؤتمر الدولي الرفيع المستوى للتسوية السلمية لقضية فلسطين وحل الدولتين».

وسيتوّج هذا المسار باجتماع رفيع المستوى في 22 سبتمبر (أيلول) الحالي، ضمن أعمال الدورة السنوية الـ80 للجمعية العامة في نيويورك.

«عقيدة ويتكوف»، تتلاعب بالكلمات وفيها إزاحة مقصودة للمصطلحات والمفاهيم التي شكَّلت مرجعاً للمسألة الفلسطينية منذ أكثر من ثلاثة عقود، وتمهيد خطير لتأويلات مفتوحة، تبدأ من فكرة الحكم الذاتي المحسَّن، وتصل إلى حدود تكريس الاحتلال بشروط اقتصادية أفضل.

فما يغيب عن مقاربة ويتكوف هو أن «خطة مارشال» الأصلية التي تُستخدم كمرجعيَّة للنهج المقترح في غزة، لم تكن عملية إعادة إعمار لكيانات بلا سيادة أو لشعب مشرَّد؛ بل لإحياء دول قائمة كاليابان وألمانيا خرجت من الحرب العالمية الثانية بجيش مهزوم؛ لكن بمؤسسات سيادية وبسكان باقين في أرضهم. أما في الحالة الفلسطينية، فيتجاهل طرح ويتكوف أن المشكلة ليست فقط في دمار البنية التحتية؛ بل في غياب الدولة، ومأساة شعب يعاني تهجيراً مستمراً. وعليه فإن تحويل التنمية الاقتصادية إلى بديل عن الاعتراف السياسي والسيادة، بينما الاحتلال يتمدد، يجعل أي «مارشال فلسطيني»، في الجوهر، مشروعاً لتكريس اللادولة، وليس آلية حميدة لإعادة الإعمار. وهذا بالضبط ما يفسر جوهر الرفض العربي لهذه المقاربة الصفقاتية، القصيرة المدى، والتي تكتفي بالالتفاف على أصل المأساة بدل معالجة جذورها.

كما بات هذا التباين بين المقاربة العربية- الدولية من جهة، والأميركية من جهة أخرى، عنواناً لمنافسة شرسة على قيادة ملف السلام الفلسطيني، وعلى طبيعة النظام الإقليمي الشرق أوسطي برمته.

فالعالم -ببساطة- أمام مشهد دبلوماسي مزدوج، تسعى واشنطن في جانب منه لفرض حل أحادي على الجميع، يقوم على الفصل بين الضفة وغزة، وإدارة القطاع عبر ترتيبات اقتصادية- أمنية تؤيدها وترعاها الولايات المتحدة. وفي الجانب المقابل أغلبية دولية تتبنى مرجعية القانون الدولي، تسعى لتكريس إطار سياسي واضح لإعادة إنتاج السيادة الفلسطينية، خارج تطرف الميليشيات المرعيَّة إقليمياً، وخارج التغول الأمني الإسرائيلي على المشروع الوطني الفلسطيني.

يبرز في سياق هذا الانقسام الحاد، جَمْع المملكة العربية السعودية بين رعايتها للمؤتمر الأممي الذي تعارضه واشنطن وبين انخراطها في مناقشات خطط البيت الأبيض، ما يسمح لها بأن تحافظ على العلاقة مع الولايات المتحدة من دون خسارة ورقة الشرعية الفلسطينية. كما تبرز الاتفاقات الإبراهيمية كورقة ضغط ثقيلة، حرَّكتها الإمارات في وجه إسرائيل لإجبارها على التراجع عن خطط ضم أجزاء من الضفة الغربية. وعليه تتصرف المنظومة الخليجية إلى جانب مصر والأردن، كجسم سياسي غير ملحق بالدبلوماسية الأميركية؛ بل بوصفه كياناً فاعلاً مستقلاً قادراً على إطلاق مسارات دولية، حتى وإن تعارضت مع واشنطن.

ولو وضعنا جانباً عنتريات الميليشيات، فسيتضح أن الأداء الخليجي وفَّر -وللمرة الأولى منذ سنوات- للفلسطينيين فرصة امتلاك «مسارات بديلة» تمنحهم قدرة على المناورة بين إطار دولي يضمن لهم اعترافاً بالدولة، وإطار أميركي يعدهم بإنعاش اقتصادي. فإذا كانت إسرائيل تراهن على الغموض الأميركي لتهجير غزة وضم الضفة، فإن الوضوح الخليجي في المقابل، وسياسة تعدد المسارات، تضع إسرائيل أمام امتحان عزلة متزايدة في المحافل الدولية.

في الوقت نفسه، تدرك المجموعة العربية أن الصدام مع واشنطن ليس خياراً، وأن معارضتها فرصة تفتح باباً لمقاربات مركَّبة. فإذا نجحت واشنطن في تحقيق استقرار اقتصادي- أمني في غزة، فسيشكِّل ذلك رافداً أساسياً للإطار السياسي الدولي الذي يدافع عنه العرب. وإذا بقيت المقاربة الأميركية رهينة الغموض والتأجيل، فإن الشرعية الدولية ستتقدم أكثر، وعلى نحو يجعل من «عقيدة ويتكوف» مجرد غطاء عابر لسياسة إسرائيلية توسعية.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الخيار العربي في مواجهة «عقيدة ويتكوف» الخيار العربي في مواجهة «عقيدة ويتكوف»



GMT 14:43 2025 الأحد ,26 تشرين الأول / أكتوبر

سوريا الأستاذ وديع

GMT 14:41 2025 السبت ,25 تشرين الأول / أكتوبر

في حب الصحراء: شريان الحياة

GMT 14:38 2025 الأحد ,26 تشرين الأول / أكتوبر

الرئيس والممسحة

GMT 14:33 2025 الأحد ,26 تشرين الأول / أكتوبر

السلاح... أو حين يكون المكسب صفراً والهزيمة مطلقة

GMT 14:28 2025 الأحد ,26 تشرين الأول / أكتوبر

من سيلحق بكندا... في «التعامل بالمثل» مع ترمب؟

GMT 14:24 2025 الأحد ,26 تشرين الأول / أكتوبر

ترمب وخصومه في «حيْصَ بيْص»

GMT 14:23 2025 السبت ,25 تشرين الأول / أكتوبر

سموتريتش وحقد الجِمال

GMT 14:19 2025 السبت ,25 تشرين الأول / أكتوبر

القطبية الصينية ومسار «عالم الغابة»

رحمة رياض تتألق بإطلالات متنوعة تجمع بين الأناقة والجرأة

الرياض - المغرب اليوم

GMT 19:13 2025 الأربعاء ,29 تشرين الأول / أكتوبر

ملف الصحراء المغربية يعود للواجهة ومؤشرات حسم دولية قريبة
المغرب اليوم - ملف الصحراء المغربية يعود للواجهة ومؤشرات حسم دولية قريبة

GMT 17:33 2025 الأربعاء ,29 تشرين الأول / أكتوبر

باراغواي تعلن فتح قنصلية عامة في الصحراء المغربية
المغرب اليوم - باراغواي تعلن فتح قنصلية عامة في الصحراء المغربية

GMT 22:34 2025 الأربعاء ,29 تشرين الأول / أكتوبر

نتنياهو يؤكد أن قطاع غزة لن يشكل تهديدا لإسرائيل
المغرب اليوم - نتنياهو يؤكد أن قطاع غزة لن يشكل تهديدا لإسرائيل

GMT 17:49 2025 الأربعاء ,29 تشرين الأول / أكتوبر

بحضور النجوم إليسا تحتفل بعيد ميلادها
المغرب اليوم - بحضور النجوم إليسا تحتفل بعيد ميلادها

GMT 19:34 2025 الأربعاء ,29 تشرين الأول / أكتوبر

الشيخة حسينة تتحدث لأول مرة منذ الهروب
المغرب اليوم - الشيخة حسينة تتحدث لأول مرة منذ الهروب

GMT 15:55 2020 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

أعد النظر في طريقة تعاطيك مع الزملاء في العمل

GMT 02:18 2018 الثلاثاء ,23 كانون الثاني / يناير

سهام العزوزي تتوج بلقب مسابقة "ميس أمازيغ" في دورتها الخامسة

GMT 14:13 2016 الإثنين ,31 تشرين الأول / أكتوبر

فرقة «رضا» تتألق في الأقصر عاصمة السياحة لعام 2016

GMT 23:59 2021 الأحد ,07 شباط / فبراير

تعرف على تفاصيل طلاق "أبو جاد" وزوجته سارة

GMT 19:07 2019 السبت ,22 حزيران / يونيو

الكرنب يحتوي على مغذيات تحارب مرض الخرف

GMT 13:24 2019 السبت ,01 حزيران / يونيو

ودي تكشف عن موديلات S من سياراتها Q5 وA6 وA7

GMT 14:44 2019 الثلاثاء ,01 كانون الثاني / يناير

حرّاس صدام حسين يكشفون تفاصيل اللحظات الأخيرة في حياته

GMT 07:20 2018 الأحد ,07 تشرين الأول / أكتوبر

الأغذية منخفضة الكربوهيدرات تسهم في علاج السكري

GMT 16:22 2018 الأربعاء ,03 تشرين الأول / أكتوبر

العروبة الإماراتي يتعاقد مع ياسين الصالحي لموسم واحد

GMT 20:51 2018 الثلاثاء ,02 تشرين الأول / أكتوبر

قطر تستعد لتنظيم بطولة العالم للجمباز بمشاركة إسرائيلية
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
RUE MOHAMED SMIHA ETG 6 APPT 602 ANG DE TOURS CASABLANCA MOROCCO
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib