ألتراس الإعلام

ألتراس الإعلام!

المغرب اليوم -

ألتراس الإعلام

حسين شبكشي
حسين شبكشي

لا أعلم بالتحديد متى تم استحداث كلمة «إعلامي» لتوصيف العاملين في مجال الصحافة، فهذه الكلمة تحديداً لا يوجد مقابل لها باللغات العالمية الأخرى. ومنذ عقود من الزمن تم شيطنة هذه الكلمة تماماً، وأصبح من المعتاد وغير المفاجئ الاستماع إلى خطب الجمعة وهي تتضمن الدعاء على «الإعلاميين» باعتبارهم من «أعداء الدين» الذين ضل سعيهم في الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً.

ومع كثرة ضخ الأموال في القطاعات الإعلامية الصحافية والإذاعية والفضائية التلفزيونية من رجال الأعمال أو الحكومات أو الأحزاب المتضاربة، أصبحت هذه البيئة تربة خصبة لجذب شريحة عريضة من الدخلاء على المجال المهني المحترف للإعلام الصحافي؛ شريحة هي الأقرب منها لرابطة مشجعي ألتراس الدرجة الثالثة لمباريات كرة القدم، وتحديداً برئيس رابطة المشجعين فيهم، الذي يحضر المباراة، وهو يشجع الفريق طوال فترة المباراة مديراً ظهره للملعب، غير مدرك لمجريات اللعب ولا ملم بنتيجة المباراة، ولكن لديه اعتقاداً كاملاً بأنه طالما كان صوته الأعلى وصخبه الأكثر وضجيجه الأعنف ستكون له الغلبة، بغض النظر عن نتيجة المباراة نفسها، معتقداً في صميم ذاته أن النتيجة غير مهمة مقارنة بالنية والحضور المشرف والسند الموجود الدائم. هذه الشريحة بحاجة دوماً للحصول على شرعية حضورها على الشاشات وخلف الميكروفونات، فيصبح بالتالي غير كافٍ الاكتفاء بوصف إعلامي، فيتم إضافة توصيف فاخر مثل «الخبير الاستراتيجي» أو «متخصص في شؤون العولمة» أو «عالم سياسي اقتصادي».

أذكر حادثة طريفة حصلت بأحد أهم البرامج الحوارية الصباحية في أهم المحطات الفضائية اللبنانية، عندما غاب الضيف الرئيسي للبرنامج، واضطروا على ما يبدو أن يستعين فريق الإعداد «بأي شخص يستطيع الحضور بسرعة إلى المحطة»، وتم تقديم الشخص المجهول بعبارات فخمة جداً لإظهار خبرته وعلمه وبالتالي تشويق المشاهدين لما سوف يقوله لهم، وبعدها سألته مقدمة البرنامج سؤالاً فلسفياً عميقاً قالت له فيه: «ماذا تعتقد برأيك الأسباب الحقيقية التي أدت إلى حدوث انشراخات بجدار الثقة بين الزعماء والساسة وسائر المجتمع في لبنان؟»، فصمت الضيف قليلاً وأغمض عينيه وتنهد قليلاً ثم ابتسم وأشاح بيديه وقال بدهشة: «ولو؟.. ما مبين!». ولم يزد على ذلك حرفاً واحداً.

الإعلام لا يصنع سياسة، ولا ينمي اقتصاداً. هذه من الحقائق التي لا بد من تيقنها جيداً حتى يبقى سقف التوقعات «غير آيل للسقوط». لعل أشهر من تسبب في الضرر لسمعة قطاع الإعلام كان جوزيف غوبلز وزير الدعاية في حقبة نازية هتلر بألمانيا. فإليه يرجع الفضل في إرساء مفهوم التدوير الخبري وإعادة صياغة المعلومة لإخراجها مع ما يناسب الاحتياج السياسي العام. وتم تطوير هذا المفهوم حول العالم بشكل مؤسساتي، وخصوصاً مع تطوير الأدوات التقنية التي مكنتهم أكثر لتحقيق ذلك بفعالية أكبر وصولاً إلى مرحلة الأخبار الزائفة، التي انفجرت عبر وسائل التواصل الاجتماعي بشكل موتور، وهي المسألة التي جعلت عملاق الأدب والفلسفة الإيطالي الكبير أومبيرتو إيكو يقول عن هذه الظاهرة: «التواصل الاجتماعي يعطي أسراباً من الأغبياء الحق في الكلام، ليصبح رأيهم في أي موضوع كرأي من فاز بجائزة نوبل في تخصص الموضوع المقترح. إنه غزو الأغبياء». وهذا المناخ المسموم هو الذي جرّأ مستشارة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب، كيلي آن كونواي، وهي تعلق على خبر في إحدى مقابلاتها التلفزيونية عندما ووجهت بسؤال محرج، فقالت: «هناك حقائق بديلة!» لتفتح على نفسها أرتالاًمن الانتقادات، بعد أن أتت ببدعة لم يسبقها إليها أحد، فالحقائق واحدة، ولا يمكن أن يكون هناك «بديل» لها. إلا طبعاً لو جاءت على لسان خبير استراتيجي أو متخصص عولمة.

هناك مشهد عبقري في فيلم «حادثة النصف متر»، يختصر المفهوم المنشود، يظهر فيه محمود ياسين في سيارته، وبصحبته نيللي، أمام أهرامات الجيزة، وفجأة يظهر الحارس توفيق الدقن وهو يحمل مصباحاً قديماً ليقول لهما بصوته الخشن وابتسامته الساخرة: «أهلاً!»، فيجيبه محمود ياسين مرتبكاً: «أهلاً. أنا كنت بوريها الأهرامات بتاعت خوفو وخفرع ومنقرع. أنت تعرف منقرع؟»... ردّ توفيق الدقن بضحكة: «لا والله... أنا أعرف من دفع»!

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ألتراس الإعلام ألتراس الإعلام



نجمات الموضة يتألقن بإطلالات صيفية منعشة تجمع بين البساطة والأنوثة

دبي - المغرب اليوم

GMT 05:47 2017 الثلاثاء ,24 كانون الثاني / يناير

ديان كروغر تتألق في فستان مثير كشف عن صدرها

GMT 15:20 2020 الأربعاء ,04 تشرين الثاني / نوفمبر

قرار قضائي جديد بشأن قضية ملف الربابنة مع "لارام"

GMT 11:07 2019 الإثنين ,28 تشرين الأول / أكتوبر

الحساني تخلف العماري في رئاسة "جهة طنجة"

GMT 01:00 2019 السبت ,26 تشرين الأول / أكتوبر

الروسية ماريا بوتينا تصل موسكو عقب إطلاق سراحها

GMT 13:10 2019 الأربعاء ,09 تشرين الأول / أكتوبر

المنتخب المغربي يشارك في بطولة العالم الشاطئية للتايكواندو

GMT 04:17 2019 الثلاثاء ,08 تشرين الأول / أكتوبر

أجمل 10 مدن في سويسرا يُمكن زيارتها خلال شتاء 2019

GMT 18:01 2019 الجمعة ,02 آب / أغسطس

الرجاء يبيع أكثر من 6500 بطاقة اشتراك

GMT 18:07 2019 الخميس ,11 تموز / يوليو

الفتح يواصل استعداداته للموسم الجديد
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
RUE MOHAMED SMIHA ETG 6 APPT 602 ANG DE TOURS CASABLANCA MOROCCO
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib