الكاميرات و«الأخ الأكبر»

الكاميرات... و«الأخ الأكبر»

المغرب اليوم -

الكاميرات و«الأخ الأكبر»

مشاري الذايدي
بقلم - مشاري الذايدي

 

هناك نظرية تقول إن إشعار المرء بأنّه مُراقب، هو إجراء وقائي يمنع وقوع الجريمة أو السلوك المرفوض، قبل حصول هذه الأشياء. يشابه ذلك المثل المصري الشعبي المعروف: «ناس تخاف... ما تختشيش!».

في تقرير لطيف قرأته قبل أيام ذكر أنه في عام 1785 ابتكر الفيلسوف الإنجليزي جيريمي بانثام ما أطلق عليه اسم «السجن المثالي»؛ عبارة عن مجموعة من الزنازين المشيّدة بشكل دائري حول برج في المنتصف، داخله حارس مستتر يستطيع أن يراقب حركة المساجين من دون أن يروه، بحيث يفترض السجين طيلة الوقت أن الحارس ربما يراقبه، وهو ما يضطره إلى التصرف والتعامل من هذا المنطلق بشكل دائم.

هذا المبدأ هو الذي اتخذته جملة من الدول في العالم، ومن أكثرها توسعاً في ذلك الصين، بحيث تقوم الكاميرات المزروعة في كل مكان، وربما في الأجهزة الشخصية، بتوفير المعلومات وتحليلها واستخدامها لاحقاً... فنحن في عصر ثورة البيانات، وانكشاف البشر الكبير.

في التقرير السابق الذي نشرته «العربية»، قال كليمنت بيليتير اختصاصي علم النفس بجامعة «كليرمونت أفيرن» الفرنسية، إن «تأثير الشعور بالمراقبة يُعتبر من القضايا الرئيسية التي يهتم بها علم النفس». وقد أثبت عالم النفس نورمان تربليت عام 1898 أن الدرّاجين يبذلون جهداً أكبر في التسابق في حضور المتفرجين.

وصل تأثير هذه المراقبة غير المسبوقة، كما تقول الباحثة كايلي سيمور من جامعة العلوم التكنولوجية في سيدني بأستراليا، في تصريحات لموقع «ساينتفيك أميركان»، إلى أن «العيون الإلكترونية» التي تنظر إلينا تؤثر على الصحة العقلية، كما لها تأثير أسوأ على مرضى بعض الأمراض العقلية مثل الفصام، وقد تؤدي إلى القلق الاجتماعي، بل الشعور بالتوتر. وأضافت: «الشعور بالمراقبة الدائمة في العصر الحديث يجعلنا منتبهين إلى البيئة الاجتماعية التي نعيش فيها بشكل دائم، ومتأهبين للتفاعل».

في رواية «1984» للروائي جورج أورويل، قبل 7 عقود، تخيّل الروائي سلطة واحدة تراقب الكل، من خلال شخصية «الأخ الأكبر» الذي يسيطر على المجتمع من خلال أدوات، من أبرزها زرع الكاميرات، وآليات الرقابة على الجميع.

هناك جانب ضروري، وحسنٌ، من سيطرة الكاميرات وآليات الرقابة ورصد البيانات، وهو منع وقوع الجريمة، وإن وقعت، فصعوبة إفلات مرتكبها. هذا رائع، لكن الجانب السيئ منها هو تدمير الخصوصية، وتسليع حياة الناس، وبيع بياناتهم أحياناً، كما تفعل شركات الديجيتال في العالم. وهذا ما جعل كثيراً من الغربيين، أهل الليبرالية وقداسة الحرية الشخصية، يجأرون بالشكوى.

فهل يمكن أخذ الحسن وترك القبيح من هذا... أو سبق السيفُ العَذَل؟!

 

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الكاميرات و«الأخ الأكبر» الكاميرات و«الأخ الأكبر»



GMT 20:27 2025 الثلاثاء ,02 أيلول / سبتمبر

حسن الخطاب من أدب المقام

GMT 20:22 2025 الثلاثاء ,02 أيلول / سبتمبر

متى يتقاعد السياسيون ؟!

GMT 20:19 2025 الثلاثاء ,02 أيلول / سبتمبر

لِمَ يتوحش الكيان أكثر على الصحافيين الفلسطينيين

GMT 20:15 2025 الثلاثاء ,02 أيلول / سبتمبر

لِمَ نشر الخصوصيات في وسائل التواصل ؟!

GMT 20:11 2025 الثلاثاء ,02 أيلول / سبتمبر

أميرة السودان... هذا جناه أبي عليّ!

GMT 20:08 2025 الثلاثاء ,02 أيلول / سبتمبر

سوريا أولاً

GMT 20:04 2025 الثلاثاء ,02 أيلول / سبتمبر

ليبيا من وجع سبتمبر إلى أوجاع فبراير

GMT 19:58 2025 الثلاثاء ,02 أيلول / سبتمبر

الإفراج عن جاردن سيتي

ليلى أحمد زاهر تلهم الفتيات بإطلالاتها الراقية ولمساتها الأنثوية

القاهرة ـ المغرب اليوم

GMT 16:47 2022 الجمعة ,14 كانون الثاني / يناير

حزب التجمع الوطني للأحرار" يعقد 15 مؤتمرا إقليميا بـ7 جهات

GMT 13:18 2025 الثلاثاء ,08 تموز / يوليو

محمد صلاح يظهر في ليفربول لأول مرة بعد وفاة جوتا

GMT 20:42 2025 الإثنين ,11 آب / أغسطس

توتنهام يمدد عقد مهاجمه الشاب مور
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
RUE MOHAMED SMIHA ETG 6 APPT 602 ANG DE TOURS CASABLANCA MOROCCO
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib