هل سيغير ترمب شكل العالم

هل سيغير ترمب شكل العالم؟

المغرب اليوم -

هل سيغير ترمب شكل العالم

إميل أمين
بقلم - إميل أمين

مرةً ثانية يجد العالم نفسه أمام رئاسة دونالد ترمب، الرجل غير المتوقَّع، والعائد بقوّة إلى البيت الأبيض بعد انتصارٍ كبير وجامح، ما يضعنا أمام علامة استفهام عن حصوله على تفويض من الأميركيين لا بتغيير الداخل الأميركي فحسب، بل العالم برُمَّته.

عبر خطاب تنصيب بمسحة إمبراطوريّة، بدا ترمب عاقدًا العزم على جعل أميركا تعيش ما أسماه "عهدها الذهبيّ"، حيث تسترجع فيه عظمتها، وتزدهر أمورها، وفي مقدّمها وضعها الاقتصاديّ.

لم يَأْل ترمب جهدًا في أن يكيل الاتّهامات للإدارة السابقة، التي فشلت في الدفاع عن الحدود الأميركية، على حدِّ قوله، ما أدَّى إلى انحدار أميركيّ.

كما لم يتوان ترمب من جديد أن يقدم ذاته للأميركيين بوصفه المنقذ والمخلّص الذي استنقذته العناية الإلهيّة من الاغتيال مرتين وليس مرة واحدة، ولهدف ماورائي موصول بمستقبل المدينة فوق جبل.

يعنّ للباحث في الشأن الأميركي أن يتساءل عن مستقبل العالم مع الولايات المتحدة الأميركية في زمن ترمب الثاني وإلى أين تمضي، سيما في ضوء ما يمكن أن نسميه خارطة طريق ترمب لولايته الثانية.

البداية حكمًا من الداخل، لا من الخارج، سيّما أن الرجل يتطلّع لأميركا قوية فتيّة مرة أخرى، بل إنه استخدم تعبيرات مثيرة للتأمل من عيّنة: "اليوم استعدنا بلادنا"، وهي لغة لا تحمل دعوة للوحدة بين الأميركيين بل تعزّز من الانقسام، ذلك أن الديمقراطيين والمستقلّين قد رأوها حكمًا لغة متعالية، تنزع نحو الفردانية وتبتعد كثيرا عن الشراكة الديمقراطية.

من الواضح للغاية أنها رئاسة ذات ملمح وملمس اقتصاديّ، جيوسياسيّ، بأكثر من كونها رئاسة ذات طابع عسكريّ تائق للحروب، ومُشْتَهٍ للغزوات.

لا ينسى سيد البيت الأبيض في الحال أو الاستقبال أنه رجل أعمال، لا دالة له على النظريات السياسية المعمَّقة، ولا يحب إظهار الدهاء السياسي، رغم أن الولايات المتحدة الأميركية قائمة على مرتكزات الفلسفة السياسية الحديثة لنيقولا ميكيافيللي، فيلسوف البراغماتية الإيطالي العتيد.

الشغل الشاغل للرئيس ترمب هو الهمينة الإمبراطورية الاقتصادية على العالم شرقًا وغربًا، ما تبدَّى في رغبته التي لم يوارِها أو يُدارِها حتى قبل دخوله البيت الأبيض، حين أعرب عن نواياه لفرض تعريفات جمركية عالية جدًّا.

يحار الحلفاء قبل الأعداء في فهم ترمب الأول والثاني على حدٍّ سواء، فهو يتطلع لفرض تعريفة جمركيّة تصل إلى 25% على المكسيك وكندا، وهما دولتان حليفتان للولايات المتحدة، في حين أن ضرائبه المتوقعة على الصين العدو اللدود بالنسبة له في الحِلّ والترحال لا تتجاوز الـ 10%.

والشاهد أنه إذا جاز لنا أن نقسم العالم مناطقيًّا، ربما تكتمل الصورة العالمية بدرجةٍ أو بأخرى.

بالقرب من الولايات المتحدة، وفي إطار خلفيّتها الجغرافية، يبدو ترمب مهمومًا ومحمومًا بقصة المهاجرين غير الشرعيين، حيث أعلن الطوارئ على الحدود الجنوبية للبلاد.

يتساءل القارئ: لماذا هذا العداء، وهو يعلم أن مثل تلك الأيدي العاملة اللاتينية مهمّة جدًّا للاقتصاد الأميركيّ؟

من الواضح أن هناك جزئية ما خافية عن العوامّ، ويدركها الراسخون في معرفة أحوال الداخل الأميركي.

النقطة الإستراتيجية موصولة بحالة الانقلاب الديموغرافيّ التي تحدث وبسرعة شديدة في وسط سكان البلاد، إذ من المتوقّع أنه بحلول وحدود العام 2040، سوف يضحي الرجل الأبيض الواسب أقلية، ومن هنا فهو يكافح هذا القدر المنقوش على حجر، ويعمل جاهدًا على إطالة عمر أحفاد المستعمرين الأوروبيين الأوائل الذين أبادوا أصحاب الأرض الأصليين من الهنود الحمر.

الأمر الآخر الذي يتبدّى من خلاله أن سنوات ترمب لن تكون بردًا أو سلامًا على أميركا اللاتينية، يبدأ من عند المكسيك، والتي يتهمها بأنها تبدو كالخنجر في الخاصرة الأميركية، ومن خلالها يتسرب إلى الداخل الأميركي "الفنتانيل" ذلك المخدّر الصناعي الصيني، والكفيل بتدمير مستقبل أجيال أميركية عتيدة.

والثابت أنه ما من أحد قادر على تصور تدابير ترمب للمكسيك، وهل سيكتفي بالعمليات الأمنية الخاصة لمكافحة كارتلات المخدرات، أم سيمضي لجهة هجمات عسكرية واسعة، معلنًا ما يشبه الحرب من جديد على جيرانه الجنوبيين.

ضمن مسارات تغيير شكل العالم، تبدو بنما الدولة الصغيرة في مقدم الدول اللايتينية المرشَّحة لصراع كبير ربما يصل إلى مرحلة الغزو من الجانب الأميركيّ.

بنما تمثّل اليوم الصراع الجيوسياسي الكبير والخطير بالنسبة للولايات المتحدة الأميركية، وإذا كان التاريخ لا يعيد نفسه كما يقول كارل ماركس، فإن أحداثه حقًّا تتشابه على حد تعبير الكاتب الأميركي الساخر مارك توين.. لماذا هذا الاستدعاء التاريخي؟

باختصار غير مخلّ لأن المشهد فيه ملمح مما جرى في أوائل ستينات القرن الماضي بين أميركا والاتحاد السوفيتي من جرّاء كوبا.

ترمب يرى– وقد يكون مصيبًا بالفعل- أنّ النفوذ الصيني يتمدد في أميركا اللاتينية بشكل مخيف، عبر الأموال الساخنة الهادمة للديمقراطية بحسب المنظور الأميركيّ.

وفي بنما تبدو الصين وكأنها تضع يديها فوق القناة المهمة للتجارة العالمية والشريان العالمي ذي الأهمية الفائقة بين المحيطين الأطلسي والهادئ، وهو أمر لا يمكن الصمت عليه، ولهذا لجأ إلى مسالة الحقوق التاريخية الأميركية بوصفها هي من قام ببناء تلك القناة.

المثير هنا أن الردَّ الروسي على ترمب استبق الردّ الصيني، فقد حذرت موسكو واشنطن من محاولة السيطرة على القناة أو التدخل في بنما بشكل ساحق ماحق، وجاء الردّ الصيني – الروسي، عبر فيديو كونفرنس بين بوتين وشي جين بينغ، أكّدا فيها عمق تحالفهما، وذلك بعد ساعات من تنصيب ترمب.

ضمن الملامح العالمية التي واكبت تنصيب ترمب، حالة القلق التي لم ينجح القادة الأوربيون في أن يخفوها من جراء مطالبات ترمب بنحو 5% من الناتج القومي الإجمالي لكل دولة أوروبية كمساهمة في ميزانية حلف الناتو.

سيد البيت الأبيض يقطع بأن بلاده تدفع سنويًّا نحو 200 مليار دولار أكلافًا للناتو، في حين تتمتع أوروبا بحماية الناتو من القيصر الروسي بصورة شبه مجانية.

بلغت تهديدات ترمب للأوروبيين حدّ تلميحه بأنه لن يتوقف أمام غرور بوتين وشطحاته حال أراد التقدم نحو دول أوربا الشرقيه مرة جديدة، إن لم يساهم الأوربيون بما يراه نسبة عادلة من موازنة الناتو، ما جعل أولاف شولتز وإيمانويل ماكرون في وضعٍ مأزوم في قادم الأيام.

كيف ستمضي السياقات الأميركية – الروسية؟

البداية كانت ناعمة، والأحاديث وردية مخملية عن محاولة أميركية لإيقاف الحرب الأوكرانية منذ اليوم الأول في الرئاسة الجديدة، وقد رد الروس بما يشبه الموافقة.

غير أنه سرعان ما بدأ التحول في لهجة ترمب بالقول إن بوتين يضيّع الوقت ويهدر فرصة ثمينة بعدم عقد صفقة سلام، في حين أن القيصر يدرك أنه لن يهزم أبدًا، وعليه فهو غير متسرّع أو متلهف على صفقة لا تحقق له تأكيدات النصر لا احتمالات الهزيمة.

ضمن الأوامر التنفيذية الأولى لترمب، فوجئ العالم بانسحاب الرجل من اتفاقية باريس للمناخ، ومن عضوية منظمة الصحة العالمية؟

أيّ ملامح لعالم يشكله ترمب، وماذا عن بقية الملفات الشقاقية والفراقية حول البسيطة لا سيما الصراع مع الصين، وهل من أمور وفاقية تجاه معضلات العالم المعاصر؟

إلى قراءة متمّة ومكملة.

 

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

هل سيغير ترمب شكل العالم هل سيغير ترمب شكل العالم



GMT 14:43 2025 الأحد ,26 تشرين الأول / أكتوبر

سوريا الأستاذ وديع

GMT 14:41 2025 السبت ,25 تشرين الأول / أكتوبر

في حب الصحراء: شريان الحياة

GMT 14:38 2025 الأحد ,26 تشرين الأول / أكتوبر

الرئيس والممسحة

GMT 14:33 2025 الأحد ,26 تشرين الأول / أكتوبر

السلاح... أو حين يكون المكسب صفراً والهزيمة مطلقة

GMT 14:28 2025 الأحد ,26 تشرين الأول / أكتوبر

من سيلحق بكندا... في «التعامل بالمثل» مع ترمب؟

GMT 14:24 2025 الأحد ,26 تشرين الأول / أكتوبر

ترمب وخصومه في «حيْصَ بيْص»

GMT 14:23 2025 السبت ,25 تشرين الأول / أكتوبر

سموتريتش وحقد الجِمال

GMT 14:19 2025 السبت ,25 تشرين الأول / أكتوبر

القطبية الصينية ومسار «عالم الغابة»

رحمة رياض تتألق بإطلالات متنوعة تجمع بين الأناقة والجرأة

الرياض - المغرب اليوم

GMT 19:13 2025 الأربعاء ,29 تشرين الأول / أكتوبر

ملف الصحراء المغربية يعود للواجهة ومؤشرات حسم دولية قريبة
المغرب اليوم - ملف الصحراء المغربية يعود للواجهة ومؤشرات حسم دولية قريبة

GMT 17:33 2025 الأربعاء ,29 تشرين الأول / أكتوبر

باراغواي تعلن فتح قنصلية عامة في الصحراء المغربية
المغرب اليوم - باراغواي تعلن فتح قنصلية عامة في الصحراء المغربية

GMT 17:49 2025 الأربعاء ,29 تشرين الأول / أكتوبر

بحضور النجوم إليسا تحتفل بعيد ميلادها
المغرب اليوم - بحضور النجوم إليسا تحتفل بعيد ميلادها

GMT 19:34 2025 الأربعاء ,29 تشرين الأول / أكتوبر

الشيخة حسينة تتحدث لأول مرة منذ الهروب
المغرب اليوم - الشيخة حسينة تتحدث لأول مرة منذ الهروب

GMT 15:55 2020 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

أعد النظر في طريقة تعاطيك مع الزملاء في العمل

GMT 02:18 2018 الثلاثاء ,23 كانون الثاني / يناير

سهام العزوزي تتوج بلقب مسابقة "ميس أمازيغ" في دورتها الخامسة

GMT 14:13 2016 الإثنين ,31 تشرين الأول / أكتوبر

فرقة «رضا» تتألق في الأقصر عاصمة السياحة لعام 2016

GMT 23:59 2021 الأحد ,07 شباط / فبراير

تعرف على تفاصيل طلاق "أبو جاد" وزوجته سارة

GMT 19:07 2019 السبت ,22 حزيران / يونيو

الكرنب يحتوي على مغذيات تحارب مرض الخرف

GMT 13:24 2019 السبت ,01 حزيران / يونيو

ودي تكشف عن موديلات S من سياراتها Q5 وA6 وA7

GMT 14:44 2019 الثلاثاء ,01 كانون الثاني / يناير

حرّاس صدام حسين يكشفون تفاصيل اللحظات الأخيرة في حياته

GMT 07:20 2018 الأحد ,07 تشرين الأول / أكتوبر

الأغذية منخفضة الكربوهيدرات تسهم في علاج السكري

GMT 16:22 2018 الأربعاء ,03 تشرين الأول / أكتوبر

العروبة الإماراتي يتعاقد مع ياسين الصالحي لموسم واحد

GMT 20:51 2018 الثلاثاء ,02 تشرين الأول / أكتوبر

قطر تستعد لتنظيم بطولة العالم للجمباز بمشاركة إسرائيلية
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
RUE MOHAMED SMIHA ETG 6 APPT 602 ANG DE TOURS CASABLANCA MOROCCO
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib