واشنطن ــ شيكاغو الطريق إلى «غوثام»

واشنطن ــ شيكاغو... الطريق إلى «غوثام»

المغرب اليوم -

واشنطن ــ شيكاغو الطريق إلى «غوثام»

إميل أمين
بقلم - إميل أمين

هل باتت كبريات المدن الأميركية؛ واشنطن، شيكاغو، نيويورك، تبدو وكأنها في الطريق إلى أن تصبح مدن «غوثام» الحقيقية لا الهوليوودية؟

مدينة «غوثام» ليست مدينةً حقيقيةً، بل خيالية في عالم «دي سي كوميكس»، وهي المقر الرئيس لشخصية «باتمان»، ومن مصادفات القدر أنه تم بناؤها من مزيج غريب لمدن أميركية عدة، وأبرزها نيويورك وشيكاغو وديترويت، وتجسد الجانب المظلم والمنحرف للمدن الكبرى، حيث الفساد والجريمة المتفشيان، ما يدفع «باتمان» إلى محاولة استنقاذها.

يتساءل الأميركيون اليوم: هل تملكت الرئيس الأميركي دونالد ترمب قناعةٌ بأنه «باتمان» العصر والأوان، والساعي سريعاً لإنقاذ واشنطن العاصمة والبقية تأتي؟

في 14 أغسطس (آب) 2025 زحف مئات الجنود من «الحرس الوطني» إلى كافة أرجاء المدينة التي تحكم العالم غالب الأمر، حيث البيت الأبيض، و«الكابيتول هيل»، الفائق قوةً ونفوذاً نظيره الروماني، وذلك بعد أن أعلن ترمب أن المدينة «خارجةٌ عن القانون».

لاحقاً، وفي تصريحات للصحافيين في البيت الأبيض، صبَّ ترمب جامَ غضبه على حاكم ولاية إلينوي، وفتح الباب واسعاً لانتشار عسكري مشابه في مدينة شيكاغو، ثالث أكبر المدن الأميركية.

كان من الطبيعي أن تثير توجهات ترمب التساؤل حول هذا السلوك الذي يطوّع من خلاله قدرات الجيش على ذاك النحو، في مواجهة المدنيين.

التساؤل الأهم والأخطر: هل تجاوز ترمب القوانين الأميركية المرعية والقواعد الفرعية في الآداب المدنية والمعاملات العسكرية؟

تبدو الولايات المتحدة اليوم أمةً في أزمة، حول الحدود بين السلطة العسكرية والسلطة المدنية، ما يقودنا إلى التساؤل هل الأمر يستحق القلق بالفعل، لا سيما إذا تحولت تلك المدن الأميركية الاستراتيجية إلى «غوثام» معاصرة؟

الجواب يقودنا مباشرةً إلى المبادئ التي تحكم استخدام الجيش الأميركي محلياً، ذلك أنه عندما صاغ المؤسسون الدستور، كانوا مهتمين بتقييد سلطة مارقة، ومنع وجود جيش دائم كبير الحجم، وضمان حكومة مدنية وجيش محايد، وحماية الحقوق والحريات المدنية، ومنذ ذلك الحين وحتى الآن، نعلم أن أحد المكونات الأساسية للحرية والديمقراطية هو الافتراض القوي ضد تطبيق الجيش للقانون المدني، أي ببساطة لا ينبغي للجيش أن يراقب المدنيين.

بالمزيد من الحفر عميقاً، نجد أن هناك قانوناً أميركياً يعود إلى عام 1878 يسمى «Posse Comitatus Act»، وهي كلمة لاتينية معناها «قوة البلد»، ويحظر على الجيش والقوات الفيدرالية إنفاذ القانون المحلي، ما يعني أن تصرفات قرارات ترمب الأخيرة تهدد المعايير الدستورية وتزيد من مخاطر العنف في البلاد، لا سيما في حال رفض المدنيون رؤية أفراد عسكريين يقومون على تنظيم شؤون حياتهم في مدن ذات إرث ليبرالي، لا فاشياً.

لم يكن غريباً أن تنطلق مسيرة صغيرة مؤخراً في واشنطن، من ساحة دوبونت حول البيت الأبيض، يطالب أصحابها برحيل ترمب هاتفين: «خطر! خطر! هناك فاشي في البيت الأبيض».

هنا، وحسب ما يقوله النشطاء والديمقراطيون على المستوى الوطني، فإن الاستيلاء على إدارة شرطة العاصمة واشنطن، وتدفق القوات الفيدرالية على تخومها، دليل لا يقبل الشك على تصاعد مرحلة جديدة من الاستبداد في الداخل الأميركي، وطريق ليس لمدن «غوثام» فحسب، بل مسار مغاير تنتقل فيه البلاد من زمن الجمهورية، التي لم يقدّر للأميركيين الحفاظ عليها، كما توقع ذلك بنجامين فرانكلين غداة كتابة الدستور الأميركي، إلى مرحلة الإمبراطورية، حيث سيد البيت الأبيض أقرب ما يكون إلى الحاكم الأوحد.

قبل أيام، كتب مايكل شافر، المحرر وكاتب العمود الرئيسي في مجلة «بولتيكو» الأميركية، يقول: «باتت واشنطن مدينة يشعر فيها العديد من سكانها بغضب واضح من وصف الرئيس المضلل للمدينة بأنها جحيم وموبوءة بالجرائم».

الأسبوع الماضي، فتح ترمب باب المخاوف واسعاً، حيث أشار إلى أن «الكثيرين من الأميركيين، ربما يرغبون في ديكتاتور، وإن أضاف أنا لست ديكتاتوراً، أنا رجل يتمتع بقدر كبير من الحس السليم والذكي».

لكن النهار عينه حمل علامة مؤكدة من علامات الشمولية، بعد أن وقع أمراً تنفيذياً يقضي بالسجن لمدة عام لمن يقوم بإحراق العلم الأميركي، من دون إمكان الإفراج المبكر، بالرغم من وجود حكم صادر عن المحكمة العليا في عام 1989 ينص على أن مثل هذا الفعل يقع ضمن دائرة حرية التعبير وهو حق أساسي يحميه الدستور.

ترمب يطالب كذلك، وغالباً سيفعل، بتغيير اسم وزارة الدفاع الأميركية، إلى وزارة الحرب، الاسم الذي كانت تحمله بين عامي 1789 و1949.

هل من خلاصة؟

عدم قانونية أوامر الرؤساء والقادة العسكريين سيعرض تلاحم الجيش والشعب الأميركيين لمخاطر جمة، ويقوض البنية الدستورية عماد وحجر أساس الحياة المدنية الأميركية.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

واشنطن ــ شيكاغو الطريق إلى «غوثام» واشنطن ــ شيكاغو الطريق إلى «غوثام»



GMT 14:43 2025 الأحد ,26 تشرين الأول / أكتوبر

سوريا الأستاذ وديع

GMT 14:41 2025 السبت ,25 تشرين الأول / أكتوبر

في حب الصحراء: شريان الحياة

GMT 14:38 2025 الأحد ,26 تشرين الأول / أكتوبر

الرئيس والممسحة

GMT 14:33 2025 الأحد ,26 تشرين الأول / أكتوبر

السلاح... أو حين يكون المكسب صفراً والهزيمة مطلقة

GMT 14:28 2025 الأحد ,26 تشرين الأول / أكتوبر

من سيلحق بكندا... في «التعامل بالمثل» مع ترمب؟

GMT 14:24 2025 الأحد ,26 تشرين الأول / أكتوبر

ترمب وخصومه في «حيْصَ بيْص»

GMT 14:23 2025 السبت ,25 تشرين الأول / أكتوبر

سموتريتش وحقد الجِمال

GMT 14:19 2025 السبت ,25 تشرين الأول / أكتوبر

القطبية الصينية ومسار «عالم الغابة»

رحمة رياض تتألق بإطلالات متنوعة تجمع بين الأناقة والجرأة

الرياض - المغرب اليوم

GMT 19:13 2025 الأربعاء ,29 تشرين الأول / أكتوبر

ملف الصحراء المغربية يعود للواجهة ومؤشرات حسم دولية قريبة
المغرب اليوم - ملف الصحراء المغربية يعود للواجهة ومؤشرات حسم دولية قريبة

GMT 17:33 2025 الأربعاء ,29 تشرين الأول / أكتوبر

باراغواي تعلن فتح قنصلية عامة في الصحراء المغربية
المغرب اليوم - باراغواي تعلن فتح قنصلية عامة في الصحراء المغربية

GMT 22:34 2025 الأربعاء ,29 تشرين الأول / أكتوبر

نتنياهو يؤكد أن قطاع غزة لن يشكل تهديدا لإسرائيل
المغرب اليوم - نتنياهو يؤكد أن قطاع غزة لن يشكل تهديدا لإسرائيل

GMT 17:49 2025 الأربعاء ,29 تشرين الأول / أكتوبر

بحضور النجوم إليسا تحتفل بعيد ميلادها
المغرب اليوم - بحضور النجوم إليسا تحتفل بعيد ميلادها

GMT 19:34 2025 الأربعاء ,29 تشرين الأول / أكتوبر

الشيخة حسينة تتحدث لأول مرة منذ الهروب
المغرب اليوم - الشيخة حسينة تتحدث لأول مرة منذ الهروب

GMT 15:55 2020 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

أعد النظر في طريقة تعاطيك مع الزملاء في العمل

GMT 02:18 2018 الثلاثاء ,23 كانون الثاني / يناير

سهام العزوزي تتوج بلقب مسابقة "ميس أمازيغ" في دورتها الخامسة

GMT 14:13 2016 الإثنين ,31 تشرين الأول / أكتوبر

فرقة «رضا» تتألق في الأقصر عاصمة السياحة لعام 2016

GMT 23:59 2021 الأحد ,07 شباط / فبراير

تعرف على تفاصيل طلاق "أبو جاد" وزوجته سارة

GMT 19:07 2019 السبت ,22 حزيران / يونيو

الكرنب يحتوي على مغذيات تحارب مرض الخرف

GMT 13:24 2019 السبت ,01 حزيران / يونيو

ودي تكشف عن موديلات S من سياراتها Q5 وA6 وA7

GMT 14:44 2019 الثلاثاء ,01 كانون الثاني / يناير

حرّاس صدام حسين يكشفون تفاصيل اللحظات الأخيرة في حياته

GMT 07:20 2018 الأحد ,07 تشرين الأول / أكتوبر

الأغذية منخفضة الكربوهيدرات تسهم في علاج السكري

GMT 16:22 2018 الأربعاء ,03 تشرين الأول / أكتوبر

العروبة الإماراتي يتعاقد مع ياسين الصالحي لموسم واحد

GMT 20:51 2018 الثلاثاء ,02 تشرين الأول / أكتوبر

قطر تستعد لتنظيم بطولة العالم للجمباز بمشاركة إسرائيلية
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
RUE MOHAMED SMIHA ETG 6 APPT 602 ANG DE TOURS CASABLANCA MOROCCO
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib