أميركا العظيمة حقاً الماضي والحاضر

أميركا العظيمة حقاً... الماضي والحاضر

المغرب اليوم -

أميركا العظيمة حقاً الماضي والحاضر

إميل أمين
بقلم : إميل أمين

بدا شعار «MAGA» عن عظمة الولايات المتحدة التي ينبغي استعادتها مشاغباً للعقول الأميركية مع عودة الرئيس ترمب إلى البيت الأبيض، وهو صنو ومرادف لفكرة أميركا التي لا يمكن الاستغناء عنها (Indispensable)، بل ربما يتجاوزها.

هل عرفت أميركا أوقاتاً من العظمة الحقيقية غير المزيفة في أوقات سابقة؟

في مايو (أيار) الماضي، تصدّى للجواب، المونسنيور ستيورات سويتلاند، من ولاية كانساس، خريج البحرية الأميركية، الذي خدم 6 سنوات بصفته ضابط صف في بحرية بلاده، قبل أن يضحي رجل دين، متحدثاً عن أميركا التي كانت عظيمة حقّاً ذات مرة.

العظمة الحقيقية تأتي من الفضيلة، وأميركا لا يمكن أن تكون عظيمة إلا عندما تكون جيدة، هكذا يُحدثنا سويتلاند، وكأنه يتكلَّم عن أميركا الأخرى، حين كان الود لغة النسيج المجتمعي الأميركي، لا التناحر الحزبي، أو الصراع العرقي، وحيث كان الالتزام بالصالح العام العلامة المميزة، بعيداً عن المحاصصات الفئوية والمنافع البراغماتية القصيرة النظر.

كان ذلك في وقت الحرب العالمية الثانية؛ حيث ضحَّى الأميركيون بأربعمائة ألف جندي في المعارك، وعلى الرغم من ذلك تقبَّل الأميركيون نظام الحصص الغذائية، وتخلوا عن كثير من وسائل الراحة. اشتروا سندات حرب بأرقام قياسية، وزرعوا حدائق النصر، ونظفوا مطابخهم وأحياءهم بحثاً عن الخردة المعدنية. غادرت النساء منازلهن للعمل في المصانع وغيرها من الوظائف، عوضاً عن الرجال الماضين إلى المعارك.

بدت أميركا في الفترة من 1939 إلى 1945 راغبة في شيء يفوق التمحور أو التمركز حول الذات، وصولاً إلى عبادتها، على الرغم من أنه «لا خير في الحرب، إذ كل حرب هزيمة للبشرية».

قبل نحو ثمانية عقود، اعتقد الأميركيون في مفهوم الحرب العادلة، حسب توماس أكويناس، الفيلسوف الإيطالي الأشهر، وآمنوا بأنه لا بد من تضحيات جسام لوقف الهجمات النازية والفاشية، عطفاً على الطموحات النارية اليابانية، للهيمنة على العالم.

أشعلت الحرب الكونية الثانية في نفوس الأميركيين أمرين: المبادرة، والاجتهاد، وهما الركيزتان الرئيسيتان لغنى الأمم وتطور الشعوب.

لا تستقيم المقاربة بين أميركا الماضي والحاضر، بين مفاهيم ذات ثراء أخلاقي وعائد ومردود اقتصادي إنتاجي حقيقي، واقتصاد يقوم على فرض تعريفات جمركية على معظم دول العالم بطريقة فوقية إمبريالية استعلائية، وبقرارات تنفيذية قد تبطلها المحكمة العليا في منتصف أكتوبر (تشرين الأول) المقبل.

أميركا العظيمة بعد الحرب العالمية الثانية هي التي قامت بجهود إعادة البناء في الدول التي دمَّرتها الحرب، حتى الأعداء، مثل اليابان، وفَّرت لهم فرص إحياء مجتمعاتهم اقتصادياً وإنسانياً.

في الوقت عينه، ضمنت خطة مارشال وصندوق مارشال الألماني بقاء وتعافي جزء كبير من العالم. ورغم أن أميركا استفادت بشكل متحضر من التعافي العالمي، فإن سخاءها بعد الحرب تجاه الأصدقاء والأعداء على حد سواء كان غير مسبوق.

ربما لم تكن ساعتها أميركا يوتوبية بالمطلق، لكنها آمنت بأن فعل السخاء، يعني توسيع مدارك العقل نحو أمور عظيمة، في مقدمها الرحمة والتسامح ومحاولة انتشال الأعداء من سقطاتهم، ناهيك بنبذ روح الانتقام، وأفكار السلطوية القيصرية الرومانية.

تبدّت عظمة أميركا وقتها في ميكانيزمات العلاقات الدولية، خصوصاً مع الذين تغلَّبت عليهم، وقد يسَّر لهم الأمر جيل من القادة الأميركيين العظام، مدنيين وعسكريين، أولئك الذين جعلوا من اليابان الضلع الثالث للرأسمالية العالمية، ومن ألمانيا قاطرة أوروبا الاقتصادية، ودفعوا إيطاليا للعودة إلى رمزيتها الروحية، بعيداً عن أوهام الدوتشي موسوليني.

شتان الفرق بين هذه الرؤية وما جرى لاحقاً في فيتنام، فالصومال، مروراً بأفغانستان، وصولاً إلى العراق، وخطط تغيير ملامح الدول، وإعادة رسم خرائط الشعوب، وأزمنة الربيع المغشوش، وبقية ملامح مسكونية الكراهية.

القبة الحربية الذهبية، والتعريفات الجمركية، فضلاً عن أحدث آلات الدمار الشامل، وقنبلة الجاذبية النووية، لن تجعل أميركا عظيمة مرة جديدة.

ما سيعود بأميركا إلى مربع القدر الاستثنائي الواضح، ويشعل فتيل المصباح فوق الجبل، فضائل الحب الاجتماعي للذات وللآخر، بنظرة وجدانية للمعوزين ومنكسري الروح، بإعفاء الدول الفقيرة من ديونها، وتخصيص أعمال البنك والصندوق الدوليين للإنماء لا الإفقار، وتوفير الدواء والغذاء لسكان الأرض، وقبل كل ذلك رفع رايات العدالة، ونسج شعارات السلام في القلوب الرحيمة.

هذه هي الفضائل التي لا غنى عنها لأمة طامحة حقّاً إلى العظمة، وشعب قادر على مواجهة جبل اليأس بصخرة الأمل.

ستُصبح أميركا عظيمة حين تعيش المعنى الحقيقي لخطبة غيتسبيرغ لأبراهام لنكولن؛ حيث البشر كلهم سواسية أمام الخالق.

حين يجري الحق كالمياه، والبّر كنهر دائم، ستعود أميركا إلى مدارك العظمة، من غير قبعات حمراء... صنعت في الصين.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

أميركا العظيمة حقاً الماضي والحاضر أميركا العظيمة حقاً الماضي والحاضر



GMT 14:43 2025 الأحد ,26 تشرين الأول / أكتوبر

سوريا الأستاذ وديع

GMT 14:41 2025 السبت ,25 تشرين الأول / أكتوبر

في حب الصحراء: شريان الحياة

GMT 14:38 2025 الأحد ,26 تشرين الأول / أكتوبر

الرئيس والممسحة

GMT 14:33 2025 الأحد ,26 تشرين الأول / أكتوبر

السلاح... أو حين يكون المكسب صفراً والهزيمة مطلقة

GMT 14:28 2025 الأحد ,26 تشرين الأول / أكتوبر

من سيلحق بكندا... في «التعامل بالمثل» مع ترمب؟

GMT 14:24 2025 الأحد ,26 تشرين الأول / أكتوبر

ترمب وخصومه في «حيْصَ بيْص»

GMT 14:23 2025 السبت ,25 تشرين الأول / أكتوبر

سموتريتش وحقد الجِمال

GMT 14:19 2025 السبت ,25 تشرين الأول / أكتوبر

القطبية الصينية ومسار «عالم الغابة»

النجمات العربيات يجسّدن القوة والأنوثة في أبهى صورها

أبوظبي - المغرب اليوم

GMT 16:43 2025 الثلاثاء ,28 تشرين الأول / أكتوبر

منع دخول مغاربة إلى تونس يثير موجة شكاوى واستياء
المغرب اليوم - منع دخول مغاربة إلى تونس يثير موجة شكاوى واستياء

GMT 11:40 2025 الثلاثاء ,28 تشرين الأول / أكتوبر

تصميمات رخامية تُعيد إحياء الحمّامات الرومانية في قلب بيروت
المغرب اليوم - تصميمات رخامية تُعيد إحياء الحمّامات الرومانية في قلب بيروت

GMT 16:35 2025 الثلاثاء ,28 تشرين الأول / أكتوبر

الذكاء الاصطناعي يساعد الأطباء على منع السكري قبل ظهوره
المغرب اليوم - الذكاء الاصطناعي يساعد الأطباء على منع السكري قبل ظهوره

GMT 22:06 2017 الجمعة ,27 تشرين الأول / أكتوبر

الفيفا يهدد يإنزال الرجاء إلى دوري الدرجة الثانية

GMT 06:33 2017 الأربعاء ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

معرض فني بمركز الأطفال المعوقين في عسير

GMT 01:55 2023 السبت ,03 حزيران / يونيو

العصبة تصدر عقوبات بالجملة في حق الأندية

GMT 19:17 2018 الخميس ,06 أيلول / سبتمبر

تعرف على أفضل وأرقى المطاعم في العالم العربي

GMT 11:15 2018 الثلاثاء ,31 تموز / يوليو

الحذاء "الكاجوال" وطرق تنسيقه مع الملابس

GMT 03:47 2018 السبت ,28 تموز / يوليو

تركيا تخشى تكرار سيناريوهات الجنوب الغربي

GMT 07:35 2018 الثلاثاء ,24 تموز / يوليو

سعر سامسونج جلاكسي نوت 9 المنتظر

GMT 20:46 2018 الأربعاء ,20 حزيران / يونيو

نبيل درار يفتح النار على الحكم الأميركي غيغر
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
RUE MOHAMED SMIHA ETG 6 APPT 602 ANG DE TOURS CASABLANCA MOROCCO
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib