«غيرنيكا» دعوة من أجل السلام العالمي

«غيرنيكا»... دعوة من أجل السلام العالمي

المغرب اليوم -

«غيرنيكا» دعوة من أجل السلام العالمي

إميل أمين
بقلم - إميل أمين

على مدى يومي 25 و26 أبريل (نيسان) الماضي، انطلقت من قلب المدينة الإسبانية، غيرنيكا، التي باتت المكافئ الموضوعي للبؤس الإنساني، والإبادة الجماعية، في النصف الأول من القرن العشرين، دعوة من أجل السلام العالمي، بقيادة «تحالف الأمم المتحدة للحضارات»، وبالشراكة مع منظمة «أديان من أجل السلام»، وكلاهما من الشركاء الوثيقين واللصيقين لمركز الملك عبد الله بن عبد العزيز العالمي للحوار بين أتباع الأديان والثقافات (كايسيد) في لشبونة بالبرتغال. لماذا غيرنيكا، وما الدلالات؟

قبل هيروشيما أو دريسدن، كانت هناك غيرنيكا، ففي 26 أبريل 1937، دُمِّرت هذه المدينة التجارية بالكامل في قصف جوي استمرَّ ثلاث ساعات، شنَّته طائرات نازية، حليفة للجنرال فرنكو الفاشي في الحرب الأهلية الإسبانية.

كان ذلك أول تدمير جوي كامل لهدف مدني، ما جعل من المدينة رمزاً للحرب البغيضة، وما جرى هناك، خلَّده الفنان العالمي بابلو بيكاسو في لوحته الخالدة «غيرنيكا»، التي لا تزال نسخة منها معلقة أمام مدخل مجلس الأمن في الأمم المتحدة بنيويورك، والذي أخفق طويلاً في إقناع البشر بعدم تكرار ما جرى في غيرنيكا، وعلى غير المصدق أن يولي وجهه شطر غزة.

ولعلها من مصادفات القدر أن تنطلق أعمال الدعوة بعد أيام قليلة من وفاة البابا فرنسيس، الذي وصفه الممثل السامي لتحالف الحضارات، ميغيل موراتينوس، بأنه كان «منارة للمحبة العالمية، وصوتاً للسلام في عالم غالباً ما يسوده الانقسام».

هل مستقبل البشرية مخيف إلى درجة أن هناك مَن يستحضر اليوم رمزية غيرنيكا؟

قطعاً، تلك الرمزية، تجد لها صدى أعمق اليوم من أي وقت مضى، خصوصاً في ظل عالم يزداد تمزقه بالعنف والانقسام، وتكاد حروبه تنحو من مواجهة الأسلحة التقليدية، إلى الاحتراب بالنووية، ما يعني نهاية محققة لملايين البشر.

جاءت مبادرة غيرنيكا لتذكِّرَ العالم، وبقوة، بأن السلام ليس مجرد غاية، بل هو ضرورة مشتركة، تقع مسؤوليتها على الجميع، من سياسيين وعسكريين، رجال دين ومفكرين، اقتصاديين وفنانين، وعلى جميعهم إعلاء أصواتهم نبذاً للحرب، ودعماً للقانون الدولي، تغليبا للحوار على الخلاف، وتأكيداً على الوئام في مواجهة الخصام.

على مدى يومين، شهدت المائدة المستديرة للمجتمعين في مسرح «ليسيو» بغيرنيكا، نقاشات معمقة بهدف استنقاذ البشرية من مآلات العنف، وتجنيبها مسارات النار والدم، خصوصاً في ظل عالم لا تزال تتردد فيه أصداء صراعات الماضي، وتهدد فيه حروب جديدة بابتلاع شتلات السلم الأممي.

دعوة غيرنيكا، أمر واجب الوجود، كما تقول جماعة الفلاسفة، دعوة تحثُّ على الضرورة الروحية، الإيمانية والوجدانية، بل والأخلاقية العميقة من أجل تفكيك هياكل العنف وبناء جسور التفاهم، وتأصيل ثقافة سلام عالمية، متجذرة في احترام القانون الدولي والكرامة الأصلية لكل إنسان.

النقاشات التي دارت على مدى اليومين تدعونا لاستحضار التساؤل المثير الذي طرحه الفيلسوف والمفكر الفرنسي أندريه مالرو، في ستينات القرن الماضي: «هل سيكون القرن الحادي والعشرون قرناً دينياً أم لا؟».

كانت مخاوف مالرو مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بالعلمانية الجافة التي تحدَّث عنها لاحقاً فيلسوف فرنسي آخر، ريجيس دوبرييه، لكن يبدو أن هذا القرن سيكون قرناً دينياً بامتياز، وهذا يعني الدور الفاعل والمؤثر لكل رجال الدين، في جميع الأديان، من أجل تخفيف شجون العالم، وتغيير شؤون الحرب إلى السلام.

في كلمته، أكد الدكتور فرنسيس كوريا، الأمين العام لمنظمة «أديان من أجل السلام» على الأهمية الدائمة للمجتمعات الدينية، مشيراً إلى أن «85 في المائة من سكان العالم اليوم يُعرفون أنفسهم بأنهم متدينون، وأن المجتمعات الدينية لا تزال تمثل مراكز للوحدة والترابط».

الصوت الإسلامي في دعوة غيرنيكا، مثّله مفتي سراييفو، الذي حث الأئمة والقساوسة والحاخامات، على توسيع نطاق اهتمامهم، ليشمل ما هو أبعد من مجتمعاتهم المحلية، والتعبير عن معاناة الآخرين، قائلاً بحزم: «إذا اعتبرنا الآخرين أعداء لنا فقط، فلن نحل أي مشكلة بيننا».

أما الحاخام داليا ليفنسون، رئيسة مجلس الجالية اليهودية في برشلونة، فقدمت من جانبها فهماً عميقاً للسلام، قائلة: «السلام ليس مجرد غياب الصراع، بل حضور الانسجام والاحترام والتعاون. يُبنى السلام من خلال العمل والحوار والاعتراف بإنسانية كل شخص».

دعوة غيرنيكا، تذكِّرنا بأن السلام لا يمكن أن ينفصل يوماً ما عن العدالة، وإحقاق الحقوق، ووقف نزف الدماء، وإطعام الطعام، ركن أساسي لإفشاء السلام، عطفاً على الوئام مع بيتنا الكبير، أي كوكب الأرض المهدد إيكولوجياً.

هل السلام مخاطرة أو مجازفة؟ نعم. ويتعين على الداعين له خوضها في الحال والاستقبال.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

«غيرنيكا» دعوة من أجل السلام العالمي «غيرنيكا» دعوة من أجل السلام العالمي



GMT 14:43 2025 الأحد ,26 تشرين الأول / أكتوبر

سوريا الأستاذ وديع

GMT 14:41 2025 السبت ,25 تشرين الأول / أكتوبر

في حب الصحراء: شريان الحياة

GMT 14:38 2025 الأحد ,26 تشرين الأول / أكتوبر

الرئيس والممسحة

GMT 14:33 2025 الأحد ,26 تشرين الأول / أكتوبر

السلاح... أو حين يكون المكسب صفراً والهزيمة مطلقة

GMT 14:28 2025 الأحد ,26 تشرين الأول / أكتوبر

من سيلحق بكندا... في «التعامل بالمثل» مع ترمب؟

GMT 14:24 2025 الأحد ,26 تشرين الأول / أكتوبر

ترمب وخصومه في «حيْصَ بيْص»

GMT 14:23 2025 السبت ,25 تشرين الأول / أكتوبر

سموتريتش وحقد الجِمال

GMT 14:19 2025 السبت ,25 تشرين الأول / أكتوبر

القطبية الصينية ومسار «عالم الغابة»

رحمة رياض تتألق بإطلالات متنوعة تجمع بين الأناقة والجرأة

الرياض - المغرب اليوم

GMT 16:43 2025 الثلاثاء ,28 تشرين الأول / أكتوبر

منع دخول مغاربة إلى تونس يثير موجة شكاوى واستياء
المغرب اليوم - منع دخول مغاربة إلى تونس يثير موجة شكاوى واستياء

GMT 11:40 2025 الثلاثاء ,28 تشرين الأول / أكتوبر

تصميمات رخامية تُعيد إحياء الحمّامات الرومانية في قلب بيروت
المغرب اليوم - تصميمات رخامية تُعيد إحياء الحمّامات الرومانية في قلب بيروت

GMT 16:35 2025 الثلاثاء ,28 تشرين الأول / أكتوبر

الذكاء الاصطناعي يساعد الأطباء على منع السكري قبل ظهوره
المغرب اليوم - الذكاء الاصطناعي يساعد الأطباء على منع السكري قبل ظهوره

GMT 11:38 2025 الأربعاء ,29 تشرين الأول / أكتوبر

فائزة رفسنجاني تُثير الجدل مجدداً وتؤكد أن والدها تم اغتياله
المغرب اليوم - فائزة رفسنجاني تُثير الجدل مجدداً وتؤكد أن والدها تم اغتياله

GMT 22:06 2017 الجمعة ,27 تشرين الأول / أكتوبر

الفيفا يهدد يإنزال الرجاء إلى دوري الدرجة الثانية

GMT 06:33 2017 الأربعاء ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

معرض فني بمركز الأطفال المعوقين في عسير

GMT 01:55 2023 السبت ,03 حزيران / يونيو

العصبة تصدر عقوبات بالجملة في حق الأندية

GMT 19:17 2018 الخميس ,06 أيلول / سبتمبر

تعرف على أفضل وأرقى المطاعم في العالم العربي

GMT 11:15 2018 الثلاثاء ,31 تموز / يوليو

الحذاء "الكاجوال" وطرق تنسيقه مع الملابس

GMT 03:47 2018 السبت ,28 تموز / يوليو

تركيا تخشى تكرار سيناريوهات الجنوب الغربي

GMT 07:35 2018 الثلاثاء ,24 تموز / يوليو

سعر سامسونج جلاكسي نوت 9 المنتظر

GMT 20:46 2018 الأربعاء ,20 حزيران / يونيو

نبيل درار يفتح النار على الحكم الأميركي غيغر
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
RUE MOHAMED SMIHA ETG 6 APPT 602 ANG DE TOURS CASABLANCA MOROCCO
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib