سكة من يذهب ولا يعود

سكة من يذهب ولا يعود!

المغرب اليوم -

سكة من يذهب ولا يعود

عبد المنعم سعيد
بقلم - عبد المنعم سعيد

وفقاً للأدب الشعبي المصري حول سُبل واختيارات البشر والأمم، وبعد «سكة السلامة» التي يسود فيها العقل والحكمة، و«سكة الندامة» التي ينبغي فيها تجنب النزق لدى الإنسان والآيديولوجيات التي تعمي الأمم، فإن «سكة الذي يذهب ولا يعود» ينكسر فيها الأمل، ويحدث فيها الانزلاق إلى الرمال الناعمة التي كلما تحرك فيها المعني بالاختيار، يغوص أكثر ويكون الغرق والاختناق نصيبه. عدد من الدول العربية وقعت في هذا الاختيار، فالأصل أنه منذ مطلع القرن العشرين فإن الدول العربية، مثل كثير من الدول المُستعمرة سواء كانت من الدول الاستعمارية الغربية أو من الخلافة العثمانية، استغلت الحربين العالميتين الأولى والثانية، وتهاوي الإمبراطوريات العالمية فيها، وفرص جرى انتهازها في تحقيق الاستقلال، وإقامة دول عربية حديثة عند منتصف القرن العشرين. وللأسف فإن الاستقلال أو إقامة الدولة لم يكن كافياً للحفاظ على ما تحقق، وعرفت دول عربية، مثل لبنان، الحرب الأهلية، وبدا أن أخريات ليس لديها من خيار بين العيش في إطار قبضة حديدية أو الانفراط إلى شيع وأحزاب وأقاليم وطوائف. كانت «الهوية الوطنية» إما هشة وضعيفة، وإما أنها تقفز إلى الأمام في هوية أكبر منها قومية أو دينية.

الدول التي عرفت «الربيع العربي» تعرضت لاختبارات السلامة والندامة والذهاب إلى ما رجعة فيه ولا مراجعة. وبعد عقد ونصف من السنوات، فإن مصير دول، مثل لبنان وسوريا واليمن والسودان وليبيا، لا يزال معلقاً بين ندامة انقسام الدولة بين ميليشيات مسلحة وحكومات ناقصة السيادة على إقليمها، وسلامة الخروج من هذا التناقض كما يحاول العراق من خلال تاريخ حضارته، ونفوذ الثروة النفطية، والخروج من الإرهاق الذي أصاب كل الشيع والجماعات. الذين سَلِموا من اختبار «الربيع» كان شهادة على حكمة قادة دول الخليج والملكيات في عمومها شاملة الأردن والمغرب، أما مصر فقد تغلبت على «الإخوان المسلمين» نتيجة الالتفاف حول الدولة وقرنين من الحداثة، وكان في تضحية المليون ونصف المليون شهيد ما يكفي لكي تبقى الرابطة الجزائرية قائمة.

الحالة التي استعصت على كل شيء كانت الفلسطينية التي شاركت في «الثورة العربية الكبرى» التي انتهت بتقسيم «سايكس بيكو» الذي كان استعمارياً في ناحية، ونواة لدول وطنية في ناحية أخرى، ليس فقط بعيداً عن الإمبراطورية العثمانية، وإنما من مشاريع، مثل سوريا الكبرى أو الهلال الخصيب. أصبح لكل دولة في المشرق العربي نخبتها الوطنية التي انتقلت من «الحماية» إلى «الانتداب» إلى الاستقلال من خلال نخب وطنية مزجت المقاومة الشعبية بالمفاوضات، وبناء مؤسسات الدولة حتى الاستقلال. تحقق ذلك من خلال نخب سياسية وطنية نجحت في التفاوض داخلها لكي تقوم الدولة ذات الإقليم والمؤسسات والاعتراف الدولي. النخبة السياسية الفلسطينية وحدها كانت الفاشلة من يوم مولدها بعد الحرب العالمية الأولى وحتى الآن. كان من سوء حظ فلسطين أن حركتها الوطنية ولدت في الوقت نفسه تقريباً الذي ولدت فيه الحركة الوطنية الصهيونية لكي تجمع اليهود في العالم داخل أرض فلسطين. كانت معاداة السامية اليهودية ناجمة عن رغبات كامنة داخل الدول الأوروبية للخلاص من اليهود، بالدفع إلى الخارج الذي بات فلسطين، أو بالقتل الجماعي من خلال الاضطهاد القاسي «البوغروم»، أو القتل الصريح «الهولوكوست». لم تعد قضية النخبة الفلسطينية الوطنية مع بريطانيا دولة الانتداب، وإنما مع الحركة الصهيونية رغم الفرصة التي أتاحها «اتفاق فيصل وايزمان» في مؤتمر باريس للسلام 1919 الذي تضمن السعي نحو العيش المشترك. وعلى مدى قرن من الزمان تحركت الحركة الوطنية الفلسطينية من فشل إلى آخر نتيجة الانقسام الفلسطيني الدائم بين العائلات (الحسيني والنشاشيبي)، ثم المذاهب الوطنية (القومية العربية والماركسية والفلسطينية، والحالية بين السلطة الوطنية الفتحاوية و(حماس) وحلفائها من التنظيمات)، وعملياً بين قطاع غزة والضفة الغربية. والمزايدة الدائمة التي لا تعرف حسابات القوى المحلية والإقليمية والعالمية، بحيث يكون الفشل نصيب الفرص التي لاحت في مشروع لجنة بيل التي تلت الثورة الفلسطينية 1936، وقرار التقسيم 1947، وإنشاء منظمة التحرير الفلسطينية 1965، وفي أعقاب حرب أكتوبر (تشرين الأول) 1973 ودخول المنظمة مراقباً في الأمم المتحدة، وأعلاها قيمة اتفاق أوسلو 1993 الذي أعطى الفلسطينيين أول سلطة فلسطينية على الأرض الفلسطينية في التاريخ. في أعقاب الاتفاق وإنشاء السلطة الوطنية بدأ الانقسام داخل السلطة، وقامت «حماس» بعمليات انتحارية في القلب الإسرائيلي كانت سبباً في وضع أول مسمار في جسد التحول إلى دولة فلسطينية مستقلة؛ وكانت هي التي وضعت المسمار الثاني بفصل غزة عن الضفة، وأخيراً في 7 أكتوبر 2023 بدأت «حماس» حرباً لم تعد فيها القضية منع إسرائيل من الاستيلاء على الأرض الفلسطينية، وإنما مقاومة عملية التهجير القسري للفلسطينيين. دخل الفلسطينيون إلى الطريق الذي لا يعود منه أحد.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

سكة من يذهب ولا يعود سكة من يذهب ولا يعود



GMT 17:07 2025 الأربعاء ,16 تموز / يوليو

ثمن على لبنان دفعه...

GMT 17:06 2025 الأربعاء ,16 تموز / يوليو

تخلف قسري

GMT 17:04 2025 الأربعاء ,16 تموز / يوليو

حقاً هل نعرفهم؟

GMT 17:02 2025 الأربعاء ,16 تموز / يوليو

الخيط الذي يقودنا للإصلاح

GMT 17:01 2025 الأربعاء ,16 تموز / يوليو

ابن برّاك وقنبلته «الشاميّة»

GMT 16:59 2025 الأربعاء ,16 تموز / يوليو

«العمّال الكردستاني» إذ يستفزّ ثقافة المنطقة

GMT 16:58 2025 الأربعاء ,16 تموز / يوليو

متى... «كاليدونيا» الفلسطينية؟

GMT 16:57 2025 الأربعاء ,16 تموز / يوليو

لميس وخيري خارج نطاق الخدمة!!

GMT 10:45 2025 الثلاثاء ,10 حزيران / يونيو

تاه جاهز للعب مع بايرن في مونديال الأندية

GMT 15:33 2023 الجمعة ,13 كانون الثاني / يناير

استقرار مؤشرات الأسهم اليابانية في ختام التعاملات

GMT 10:19 2022 الجمعة ,18 شباط / فبراير

الرجاء المغربي ينهي استعداداته لقمة وفاق سطيف

GMT 13:30 2021 الثلاثاء ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

"هواوي" تطرح أجهزة رائدة في السوق المغربية

GMT 07:05 2020 الخميس ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

بعد إصابتها بـ”كورونا” الفنانة المصرية نشوى مصطفى تستغيث

GMT 13:00 2020 الأربعاء ,05 شباط / فبراير

أحدث صيحات فساتين الزفاف لعام 2020

GMT 12:10 2019 الثلاثاء ,01 تشرين الأول / أكتوبر

تعرفي علي حقيقة صورة محمد هنيدي مع إعلامي إسرائيلي

GMT 00:44 2018 الخميس ,05 تموز / يوليو

بولهرود يغير وجهته صوب "ملقا الإسباني"
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib