الرأسمالية العائلية صلاح دياب نموذجًا

الرأسمالية العائلية: صلاح دياب نموذجًا!

المغرب اليوم -

الرأسمالية العائلية صلاح دياب نموذجًا

عبد المنعم سعيد
بقلم - عبد المنعم سعيد

البداية فى وجود الرأسمالية هى «الملكية» التى بدأت فردية ثم باتت عائلية وانتهت إلى «عامة» عندما تتحول إلى شركات مساهمة. الحلقة الوسطى وُجدت فى كل العالم، وعندما نشأت عائلة «فورد» أسست لصناعة سيارات، وفى السبعينيات من القرن الماضى كان نصيبها ٥٪ من الأسهم. فى حالتنا المصرية جاء نشر مذكرات المهندس صلاح دياب «هذا أنا» فى وقتها تمامًا، حيث الطلب متزايد على «القطاع الخاص» والحديث الملح على الاستثمار الداخلى والخارجى، حتى وصل الأمر إلى حديث «تخارج» الدولة من العملية الإنتاجية لإفساح المجال. الطلب وردود الفعل ركز على دور الدولة وبيروقراطيتها، وأحيانًا الشكوى من «المزاحمة» التى تأتى من مؤسسات غير متخصصة فى «التراكم الرأسمالى»، حيث مفتاح الإنتاجية والقدرة على المنافسة؛ وكلها شروط التقدم الوطنى فى عالمنا.

ورغم الحديث عن الموضوع، فإن العملية ذاتها ومن يقومون بها مصابة بكثير من القصور عند الاقتراب من الشريحة الرأسمالية، حيث البحث العلمى لا يجد الكثير من الدراسات والمعلومات، اللهم إلا من محاولات جادة جاءت فى الثمانينيات عندما دخل إلى مجال «السياسات العامة» الدراسات التى قامت بها الدكتورة أمانى قنديل حول جماعة ومؤسسات «رجال الأعمال». لم يكن هناك الكثير من التعبير عن الجماعة من داخلها؛ وكم كنت سعيدًا عندما أهدانى صديقى صلاح دياب نسخة من مذكرات صديقه رؤوف غبور «خبرات ووصايا»، التى وضعتنى أمام أهمية تعبير هذه الشريحة الهامة إذا كنا جادين حقًا فى فهم الجماعة للقضايا المجتمعية والاقتصادية. وقتها انضممت إلى طابور طويل يطالب المهندس بكتابة مذكراته، وهو ما أهدانى إياه تحت عنوان «هذا أنا».

الحقيقة هى أننى لم أكن محتاجًا لمعرفة «من هو»، فقد شرفنى بالمعرفة والصداقة والشهامة على مدى أكثر من ربع قرن، كان فيها كريمًا فى الإفصاح عما هو من سمات شخصية تقوم على البحث الدائم عن أفكار جديدة، والطريق الذى سار فيه نجاحًا وفشلًا. وبدون الدخول فى تفاصيل السمات الشخصية، والمسارات العملية، فإن جوهر ما فعله هو التعبير عن شكل من أشكال «الرأسمالية العائلية» التى هى سمة من سمات الرأسمالية المصرية، التى تقوم على حفنة من العائلات ذات الأصول الريفية والزراعية، التى اكتسبت مكانة خاصة بما امتلكته من أرض زراعية، وأضافت لها قدرة على تعليم أولادها إما بالسفر إلى الخارج، استمرارًا لمسيرة محمد على فى خلق نخبة مصرية جمعت ما بين ملكية الأرض والعلم، فى داخل مصر أو خارجها.

ليونارد بايندر– عالم السياسة الأمريكى– فى كتابه عن مصر فى «لحظة الحماسة» أو In a Moment of Enthusiasm، تحدث عن سلطة «الشريحة الثانية»، وهم أبناء الأعيان والعمد، الذين برزوا مع بداية القرن العشرين، ويبدو أنهم استمروا معنا حتى الآن، وكونوا عائلات «البيزنس»: دياب، وساويرس، وغبور، ومنصور، وغيرهم.

الأبطال فى مذكرات صلاح دياب يقع على رأسهم صاحب صحيفة الجهاد «توفيق دياب»، الذى كان جده وأباه الثانى، فى نفس الوقت الذى تعلّم فيه فى إنجلترا، وتملك الأراضى الزراعية، وكان أحد أركان السياسة والصحافة المصرية. البطل الثانى كان الدكتور كامل دياب، خاله وأباه الثالث، وهو أيقونة العلم الذى قامت على أكتافه العلمية شركة «بيكو الزراعية»، التى خرج منها التقدم الزراعى المصرى خلال النصف الثانى من القرن العشرين. صلاح دياب بات بطلًا وممثلًا للجيل الثالث فى المذكرات، مقدمًا شخصية فريدة من نوعها على العائلة المترامية الأطراف، التى بات عليها – وهى تقاوم إجراءات التأميم ونتائج ثورة يوليو ١٩٥٢ لسبعة عقود – أن تجند واحدًا تضيفه إلى مقاعد الأصول، ولكنه يتمتع بقدرة فائقة على الحلم والخيال والمغامرة، ويصير قائدًا ومركزًا للأسرة العريقة.

ولعل واحدًا من أهم مهامه، هو كيف يتمتع بشبكة هائلة من المعارف فى السلطة وخارجها، ومن الأمراء والشيوخ، المصريين والعرب والأجانب، بما فيهم الأمريكيون. وعلى مدى قرابة ٤٠٠ صفحة، لم يتوقف صلاح دياب عن استخدام التليفون للتواصل مع شبكة واسعة من المعارف طوال الوقت، من أجل توسيع القاعدة الاقتصادية لعائلة طموحة. هذه الصفات تؤهله لما قامت عليه تركيبة العائلة وفروعها الإنتاجية الزراعية والصناعية فى البترول، واستثمارات أخرى متعددة.

ولكن أكثر ما دفع بطلنا إلى القمة، أن استخدام التليفون أسفر عن الزواج من السيدة الفاضلة «نينى الطويل»؛ من عائلة رأسمالية أيضًا، لها باع طويل فى الصناعة، وحضرية الطابع، ولديها نوع آخر من الصبر والتأنى، يختلف عن الصبر الريفى والزراعى. المُركب بينهما أسفر عن مولد «لابوار» لكى تخاطب أبناء الطبقة الوسطى فى المدينة وأعيان الريف فى الأقاليم؛ ومعها كان «توفيق» و«شهيرة» و«عصمت» جاهزين لفروع إضافية للعائلة التى أخذت فى الاتساع إنتاجيًا واجتماعيًا.

ما أضاف اللمعة للعائلة، رغم ما سببه من آلام، كان إصدار «المصرى اليوم» لكى يتصل الحاضر بالماضى، وما بين صلاح دياب وتوفيق دياب فى نوبة تسجيل لدور عائلى يناسب القرن الواحد والعشرين. كان ذلك هو الوقت الذى دخلت فيه إلى إطار العائلة التى تدور فى فلك البطل، والذى نادرًا ما يوجد معه فى إطار البطولة لا مجلس إدارة ولا سوق المال، ولا شخوص اقتربت من جوهر الفكرة والحلم. مأسسة الرأسماليات العائلية المصرية ربما هو ما ينقصها فى الواقع، وفى المذكرات أيضًا.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الرأسمالية العائلية صلاح دياب نموذجًا الرأسمالية العائلية صلاح دياب نموذجًا



GMT 20:14 2025 الجمعة ,31 تشرين الأول / أكتوبر

بيروت والكلام المغشوش

GMT 20:11 2025 الجمعة ,31 تشرين الأول / أكتوبر

التغييرات المناخية... الأمل بالطيران في بيليم

GMT 20:05 2025 الجمعة ,31 تشرين الأول / أكتوبر

انتحار الصِغار و«رقمنة» اليأس

GMT 20:00 2025 الجمعة ,31 تشرين الأول / أكتوبر

الحبل السُّرِّي بين العالم العربي وحل الدولة الفلسطينية

GMT 19:47 2025 الجمعة ,31 تشرين الأول / أكتوبر

عالم من الضواري

GMT 14:43 2025 الأحد ,26 تشرين الأول / أكتوبر

سوريا الأستاذ وديع

GMT 14:41 2025 السبت ,25 تشرين الأول / أكتوبر

في حب الصحراء: شريان الحياة

GMT 14:38 2025 الأحد ,26 تشرين الأول / أكتوبر

الرئيس والممسحة

رحمة رياض تتألق بإطلالات متنوعة تجمع بين الأناقة والجرأة

الرياض - المغرب اليوم

GMT 21:29 2025 الجمعة ,31 تشرين الأول / أكتوبر

العاهل المغربي يدعو الرئيس الجزائري إلى حوار صادق وبناء
المغرب اليوم - العاهل المغربي يدعو الرئيس الجزائري إلى حوار صادق وبناء

GMT 12:02 2025 السبت ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

دراسة كندية تكشف أن النساء أكثر عرضة لمضاعفات أمراض القلب
المغرب اليوم - دراسة كندية تكشف أن النساء أكثر عرضة لمضاعفات أمراض القلب

GMT 13:31 2025 السبت ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

شريهان تشارك في حفل افتتاح المتحف بعد غياب سنوات
المغرب اليوم - شريهان تشارك في حفل افتتاح المتحف بعد غياب سنوات

GMT 17:25 2013 الإثنين ,11 آذار/ مارس

"ماوس" تطفو اعتمادًا على دوائر مغناطيسية

GMT 09:48 2017 الخميس ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

مطعم "الشلال" يسعى إلى جذب زبائنه بشتى الطرق في الفليبين

GMT 23:15 2023 السبت ,21 تشرين الأول / أكتوبر

سان جيرمان يكتسح ستراسبورغ بثلاثية في الدوري الفرنسي

GMT 08:04 2023 الأربعاء ,18 تشرين الأول / أكتوبر

سلطنة عمان تحذر مواطنيها من خطورة السفر إلى لبنان

GMT 22:31 2023 الخميس ,12 تشرين الأول / أكتوبر

المغربي مهدي بنعطية مرشح لمنصب مدير رياضي بفرنسا

GMT 08:16 2023 الأربعاء ,13 أيلول / سبتمبر

أبرز الأخطاء الشائعة في ديكورات غرف النوم الزوجيّة

GMT 16:04 2023 الإثنين ,11 أيلول / سبتمبر

150 قتيلا جراء الفيضانات والأمطار الغزيرة في ليبيا

GMT 13:24 2023 الأحد ,18 حزيران / يونيو

''فريد غنام'' يطرح فيديو كليب ''الزين الزين''

GMT 20:55 2022 الخميس ,03 تشرين الثاني / نوفمبر

جوجل تطمح لتقديم خدماتها بألف لغة
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
RUE MOHAMED SMIHA ETG 6 APPT 602 ANG DE TOURS CASABLANCA MOROCCO
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib