العروبة الجديدة مجددًا

العروبة الجديدة مجددًا!

المغرب اليوم -

العروبة الجديدة مجددًا

عبد المنعم سعيد
بقلم - عبد المنعم سعيد

يبدو أن الأخبار السارة فى بلادنا لا تفرح؛ وكثيرا ما تستبعد لكى يحل محلها الكثير من النميمة التى يجرى صياغتها فى عبارات «التوتر المخفى»، و«سباق اللقطة» والتنافس على «المنظر» ومن هو صاحب «النفوذ الإقليمى» المؤثر! الغريب أن ذلك يحدث فى وقت لم يعد فيه الإقليم مكافأة لأحد لأنه يعبر عن حالة من الثْقَل الاستراتيجى، وبقايا «الربيع العربى» المغدور؛ وحالة من التمزق والقلق والحروب الأبدية وتعرض الدول لأشباح الميليشيات التى دخلت من باب «المقاومة والممانعة» الذى يهدد الدول ويبدد الموارد ولا يحقق لا حرية ولا تعمير. «الخبر السار» وسط ذلك كله هو الاتفاق المصرى السعودى على إنشاء خط «القطار السريع» من شرم الشيخ المصرية إلى رأس الشيخ حامد السعودية مارا بجزيرة تيران من خلال جسر يربط بين آسيا وإفريقيا وما يربطهما من عرب. من الناحيتين «الجيوسياسية» و«الجيو اقتصادية» لا يختلف المشروع عن إنشاء «نفق المانش» أسفل القناة الإنجليزية رابطا بريا بين إنجلترا وفرنسا. كان النفق جزءا من المشروع الأوروبى للتكامل والاندماج والتواصل الجغرافى الذى استمر بوسائل كثيرة رغم الخروج البريطانى من الاتحاد الأوروبى. القطار السريع والجسر العربى أو جسر الملك سلمان كما سمى من قبل إبان حزمة كبيرة من المشروعات التى اتفق عليها أثناء زيارة الملك لمصر عام ٢٠١٧. التكلفة تبلغ ٤ مليارات دولار، ويغطى الجسر ما بين ٧ و١٠ كيلومترات.

الخبر لم يلق اهتماما كبيرا من وسائل إعلامية أدمنت اعتبار الأخبار الاقتصادية جزءا من «السياسات الدنيا» فى الأخبار والتعليقات؛ وهى أقل شأنا من «السياسات العليا»، حيث المذابح دائرة والاهتمامات بحركة المعارك جارية. ومع ذلك فإن ما يحدث داخل الدول العربية مهما كان تهافت التغطية الإعلامية لكل ما هو «جيو اقتصادى»، بينما هو فى النهاية ما سوف يعنى التأثير فى كل ما هو «جيو سياسى» و«جيو استراتيجى» أيضا. الخطوة لا تقف وحدها فى الساحة، وإنما هى شبكة من السياسات التى تربط ولا تفك وتكمل ولا تقسم، ومنها الشبكة الكهربائية التى تضمن الدوام الكهربى مهما كانت فروق التوقيت. هى المعبرة أيضا عن ثورة القطارات السريعة فى البلدين التى تشمل تحت الإنشاء فى مصر شبكة قطارات كهربائية سريعة بطول ٢٠٠٠ كيلومتر و٦٠ محطة تربط ما بين طابا والعريش، وما بين العلمين والعين السخنة. وفى السعودية يمتد قطار الحرمين السريع بين مكة المكرمة والمدينة المنورة ويعمل بسرعة تصل إلى ٣٠٠ كم/ ساعة. سياسة ربط الشبكات أولا تعبر عن المسار الإيجابى الذى تسير فيه رؤى ٢٠٣٠ المصرية والسعودية وما يقدمه الإعمار السعودى فى المنطقة الشرقية فى المملكة خاصة منطقة الشمال الغربى ومحافظة العلا التى تتلامس مع التوجه التنموى المصرى تجاه سيناء والشمال الشرقى. الحركة الجارية فى مجال النقل والمواصلات وبناء المدن لا تعبر الصحراوات فحسب وإنما تنقل البشر وتقرب المصالح وتخلق الدوافع نحو شكل من أشكال العروبة الجديدة ذات الطبيعة الإنتاجية.

التقارب على هذا النحو له عوائده ووعوده بالنسبة للحركة السياحية والتجارية والإنتاجية عامة ليس فقط بين البلدين، وإنما بما يبشر به فور استقرار الأوضاع السياسية فى المشرق العربى من تدفقات فى اتجاه الشرق والغرب. وبينما التجارة المصرية السعودية قد زادت بنسبة ٢٩٪ خلال عام ٢٠٢٤، فإن امتداد الخطوط السريعة بين طابا والإسكندرية يدخل السعودية إلى قلب البحر الأبيض المتوسط. حركة القطارات السريعة تكمل شبكات أخرى منها خط «سوميد» الذى ينقل البترول من البحر الأحمر إلى البحر المتوسط؛ ويكمل ستة أنفاق عظمى أسفل قناة السويس لا تكفل فقط التكامل بين الدلتا وسيناء فى مصر؛ وإنما أكثر من ذلك تفتح بابا واسعا للصادرات السعودية إلى أكبر أسواق العالم العربى فى وادى النيل. ويظهر ذلك فى حركة البشر والمنتجات، ويؤثر بشدة فى المناخ الاستثمارى بين البلدين وأكثر من ذلك بين مصر ومنطقة الخليج كلها، والسعودية وأوروبا. والواقع الآن أنه تعد الاستثمارات من الجوانب الحيوية فى تعزيز العلاقات الاقتصادية بين البلدين، حيث بلغت قيمة الاستثمارات السعودية فى مصر نحو ٢٦ مليار دولار بعدد تجاوز الـ٨ آلاف شركة، فيما بلغت قيمة الاستثمارات المصرية فى السعودية نحو ٤ مليارات دولار بعدد فاق الـ٣ آلاف شركة. التكامل ما بين القدرة الاستثمارية السعودية والقدرة السوقية المصرية يشكل سوقا أوسع للاستهلاك والتكامل الصناعى والسياحى، وبابا واسعا نحو السيطرة العربية فى البحر الأحمر والدخول إلى عالم إفريقى واسع. هل آن الأوان الآن للإعلام العربى، خاصة المصرى والسعودى، لكى يبدأ طريقا آخر ينظر بتركيز واهتمام للأخبار السعيدة ونتائجها!.

 

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

العروبة الجديدة مجددًا العروبة الجديدة مجددًا



GMT 15:28 2025 الجمعة ,04 تموز / يوليو

مسلم ــ شيوعي ــ يساري

GMT 15:24 2025 الجمعة ,04 تموز / يوليو

مَن يعبر مِن حرائق الإقليم؟

GMT 15:23 2025 الجمعة ,04 تموز / يوليو

«الثنائي الشيعي» و«كوفيد ــ 26»

GMT 15:21 2025 الجمعة ,04 تموز / يوليو

قتل العلماء أو قتل القوة؟

GMT 15:20 2025 الجمعة ,04 تموز / يوليو

الغباء البشري

GMT 15:19 2025 الجمعة ,04 تموز / يوليو

صلاح ومحمود «بينج بونج»!

GMT 00:48 2016 الثلاثاء ,19 كانون الثاني / يناير

شيماء الزمزمي بطلة للمغرب في رياضة الجمباز

GMT 17:43 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

التفرد والعناد يؤديان حتماً إلى عواقب وخيمة

GMT 08:56 2019 الثلاثاء ,22 تشرين الأول / أكتوبر

تنصيب ناروهيتو إمبراطورا لليابان رسمياً

GMT 17:34 2017 الثلاثاء ,12 كانون الأول / ديسمبر

مصر تحتضن أول بطولة عربية في مضمار الدراجات «بي.إم .إكس»

GMT 08:59 2018 الإثنين ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

هيفاء وهبي تؤكد وجود الكثير من النساء الذين يفقنها جمالًا

GMT 04:17 2018 الأربعاء ,03 كانون الثاني / يناير

الدرك الملكي يحجز كمية مهمة من المواد المنظفة المزيفة

GMT 13:09 2012 الأربعاء ,27 حزيران / يونيو

اليمن: حملة توعية بالحديدة بأهمية حماية البيئة

GMT 15:36 2017 الأربعاء ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

تشييع جثمان الجنرال دوكور دارمي عبد الحق القادري
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib