بقلم - سليمان جودة
يحتفل الدكتور مراد وهبة فى ١٣ الشهر المقبل بعيد ميلاده التاسع والتسعين، وعندها سيكون قد عاش قرناً من الزمان إلا عاماً واحداً.
نمسك الخشب وندعو له بالصحة وطول العُمر، ونتمنى لو يعود ليخاطب جمهوره من خلال هذه الصحيفة كما عاش يخاطبه على صفحاتها طوال السنوات الأخيرة. فلقد بقى صوتاً للعقل فى أجواء من النادر أن يكون للعقل فيها مكان.
كنت قد رافقته ذات مرة فى رحلة إلى منتدى أصيلة الثقافى الدولى فى المغرب، وهناك عرفته عن قرب لأيام بعد أن كنت قد عرفته من قبل قارئاً لما يكتبه، وفى المنتدى بدا واجهة مصرية مضيئة ووجهاً يُشار إليه بين المدعوين والضيوف.
وعندما كتب سيرته الذاتية اختار أن يكون عنوانها مرتبطاً بالعقل والفكر، لا بالشخص ولا حتى بالحياة التى عاشها الشخص بكل مراحلها منذ أن جاء الدنيا فى ١٣ أكتوبر ١٩٢٦. كان عنوان سيرته «مسار فكر» فكأنه أراد بها أن يأخذ القارئ من يده، ثم يخطو معه على طريق ذلك المسار خطوة من وراء خطوة إلى منتهاها.
ولابد أن حال الدكتور مراد اليوم كحال العقاد يوم سأله ناشر مؤلفاته عما سيكتبه إذا كتب الله له أن يُتم المائة عام. كان العقاد يومها دون الستين، وكان يقول إنه لا يتوقع أن يعيش حتى يبلغ المائة، وأنه يمكن أن يعيش إلى ما قبل الثمانين، فكأنه كان يقرأ عُمره الحقيقى فى كف يده. فهو عندما غادر الدنيا فى ١٣ مارس ١٩٦٤ كان فى الخامسة والسبعين، ولكنه مع ذلك أخبر الناشر بأنه إذا عاش إلى سن المائة فسوف يكتب كتاباً عنوانه: قرن يتكلم.
ومَنْ يدرى؟.. فربما تكتب الأقدار للدكتور مراد أن يكتب الكتاب الذى لم يتمكن العقاد من كتابته، ويومها سيكون كتاباً من نوادر الكتب. ورغم أن الرجل دارس للفلسفة، ومنشغل بها مدى حياته، ورغم أن القضايا الفلسفية الكبرى ظلت شاغله الأول فى كل ما عاش يكتبه، إلا أنه قضية التعليم كانت تشارك الفلسفة فى قائمة أولوياته. كان ذلك منذ وقت مبكر، وهو يذكر فى سيرته أن الأستاذ أحمد بهاء الدين طلب منه يوم أن كان رئيساً لتحرير مجلة «المصور»، أن يطرح قضية التعليم على صفحات المجلة، وأن يكون ذلك بهدف أن يحصل التعليم على مكانه الطبيعى فى قائمة أولويات صانع القرار.
وقد راح يكتب فى المجلة تحت عنوان «المدرس هو القضية الأساسية فى التعليم» وهو عنوان يلخص قضية التعليم كلها فى ست كلمات. حدث هذا قبل أكثر من نصف قرن، ولو أنك جربت أن تسأله اليوم السؤال نفسه عن التعليم، فلن تخرج الإجابة عن الكلمات الست بأى حال. فمن دون مدرس كما يقول الكتاب لا تعليم فى المدرسة ولا فى الجامعة.