حمولة زائدة في تل أبيب

حمولة زائدة في تل أبيب

المغرب اليوم -

حمولة زائدة في تل أبيب

سليمان جودة
بقلم - سليمان جودة

ماذا يحدث في واشنطن تجاه تل أبيب؟ ولماذا طرأ هذا التغير على طبيعة العلاقة السياسية بين العاصمتين، فجعل ما بعد السابع من هذا الشهر، ليس كمثله في العلاقة من قبل، وبالتحديد منذ بدأت إسرائيل حربها على قطاع غزة؟

أما لماذا السابع من هذا الشهر؟ فلأنه اليوم الذي شهد إطلاق دعوة من تشاك شومر، زعيم الأغلبية الديمقراطية في مجلس الشيوخ، إلى إجراء انتخابات جديدة في الدولة العبرية، وكان مما قاله شومر أن حكومة بنيامين نتنياهو لم تعد هي الحكومة التي تستجيب لحاجات الإسرائيليين!

هذا كلام جديد تماماً، والقضية ليست فقط في جدته، ولكنها في أن قائله زعيم الديمقراطيين لا الجمهوريين في المجلس، ثم إنه يهودي، وهذا في حد ذاته يعني الكثير جداً، ومما يعنيه أن ما تمارسه حكومة التطرف في تل أبيب لا يحظى بقبول اليهود أنفسهم في الولايات المتحدة، أو بقبول نسبة منهم على الأقل، وإلا ما كان السيد شومر قد جازف بالدعوة إلى ما دعا إليه.

لم يكن ليدعو إلى انتخابات جديدة، إلا وهو عارف بأن استطلاعات الرأي التي تجري في إسرائيل، تشير إلى أن الناخب الذي جاء بحكومة بنيامين نتنياهو، لم يعد مستعداً للتصويت لها مرة أخرى، ولا للإتيان بها من جديد، وأنه قد رآها تتصرف في مرحلة ما بعد هجوم السابع من أكتوبر (تشرين الأول)، فتعالج الخطأ بخطأ أكبر منه، ثم تخفق في تحقيق أي هدف مما قالت إنها ذهبت إلى الحرب لتحقيقه وإنجازه.

إن كتلة «الليكود» التي يرأسها نتنياهو حصلت في آخر انتخابات على 32 مقعداً من بين 120 مقعداً هي مجمل مقاعد «الكنيست»، ولأن ما حصلت عليه أكثرية لا أغلبية، فلقد كان لا بد من تحالف يضم أحزاب اليمين القريبة في توجهاتها من «الليكود»، وهذا ما حدث عندما تلقى نتنياهو تكليفاً من الرئيس الإسرائيلي بتشكيل الحكومة.

ولكن المشكلة أنه ما كاد يشكل حكومته حتى تحوّل من رئيس لها إلى أسير في قبضة اليمينيين فيها، وصاروا هُم الذين يقولون ويشيرون، وأصبح كلما تصرف على غير ما يريدون، وجد سيف انسحابهم من التحالف ينتظره مُشرعاً في وجهه، فلم يعد منشغلاً إلا بإرضاء تطرفهم في الحكومة، وإلا، فالبديل هو سقوطها وسقوطه معها بالضرورة، وبكل ما يترتب على ذلك من تداعيات يعرفها كل متابع لما يدور منذ بدء الحرب على القطاع.

والسؤال هو كالتالي: هل هذا التغير في التعامل من الجانب الأميركي مجرد تكتيك وقتي بطبيعته؟ أم أنه عنوان لاستراتيجية بعيدة المدى في التفكير وفي العمل؟

سبب السؤال أن الرئيس الأميركي جو بايدن سرعان ما أعلن تأييده لما قال به شومر، وكانت هذه مفاجأة أخرى؛ لأننا لا نكاد نصدق أن بايدن الذي زار إسرائيل بنفسه ليؤازرها عند بدء الحرب، والذي مرر إليها الصفقة وراء الصفقة من السلاح، وأحياناً بغير موافقة الكونغرس، لا يمكن أن يكون هو ذاته الذي يؤيد دعوة زعيم الديمقراطيين في مجلس الشيوخ إلى انتخابات جديدة ومعروفة النتيجة سلفاً!

لا نكاد نصدق، لولا أن هذا هو الحاصل، ولولا أنه معلن على الملأ، ولولا أنه قد أقام الدنيا ولم يقعدها في إسرائيل. ولن يقلل من شأن هذا كله أن يكون الرئيس بايدن قد عاد فأبدى ما يشبه الاعتذار لتل أبيب عما صدر عنه بهذا الشأن، محاولاً التملص من تأييده المعلن، فما قاله بشأن دعوة شومر قد قيل، وما صدر عنه قد صار أشبه بالرصاصة التي إذا انطلقت فإنها لا تعود ثانية إلى فوهة البندقية.

ثم اكتملت الدائرة عندما جرى الحديث عن مسودة مشروع قرار سوف تتقدم به إدارة بايدن إلى مجلس الأمن، وفيه تدعو صراحة إلى وقف فوري ودائم للحرب.

قد يكون مشروع القانون قد مرَّ في المجلس قبل أن ترى هذه السطور النور، وقد لا يكون، ولكنه في كل الحالات مؤشر على كثير، ومن بين هذا الكثير أننا لا نكاد نصدِّق هذه المرة كذلك، أن الولايات المتحدة التي استخدمت حق الفيتو ثلاث مرات من قبل ضد مشروعات قوانين في غير صالح إسرائيل، هي نفسها التي تعود لتتقدم بما كانت ترفضه وتنقضه!

ربما يكون تفسير هذا كله، أن الفريق المعاون للرئيس بايدن، قد اكتشف أن موقف الإدارة المؤيد لحكومة نتنياهو ظالمة ومظلومة، إنما يؤثر على حظ بايدن بين الناخبين الأميركيين، وأنه من الحكمة أن تستدرك إدارته سريعاً، وأن تُعدِّل من موقفها الذي يمنح الحكومة في تل أبيب «شيكاً على بياض»، حتى لا يتحمل مرشح الإدارة في سباق الرئاسة وزر ذلك كله، من هنا إلى يوم التصويت في سباق البيت الأبيض.

هذا وارد جداً، كما أنه تفسير منطقي ومعقول، وهناك تفسير آخر هو أن يهود الولايات المتحدة قد اكتشفوا هُم أيضاً، أن ما يمارسه نتنياهو ويتمسك به ويصر عليه، يضر بهم هُم أنفسهم، ومعهم بقية يهود العالم، وأنه ليس من الحكمة السياسية في شيء الاحتفاظ بواحد مثله على رأس الحكومة في الدولة العبرية.

هذا بدوره وارد، ولا شيء يرجحه إلا موقف تشاك شومر، ليس بوصفه زعيماً للديمقراطيين في مجلس الشيوخ، ولكن بالنظر إلى أنه يحمل الجنسية اليهودية.

ولهذا كله أصبح نتنياهو وكأنه حمولة زائدة، ومن الواضح مما نتابعه أن حمولته الزائدة ليست على إسرائيل وحدها، ولكنها على الولايات المتحدة، وعلى الإدارة واليهود فيها، ولأنه كذلك؛ فمن الحكمة التخلص منه عند أقرب منعطف، فالطائرات لا تقوى على مواصلة الطيران إذا كان على متنها مثل هذه الحمولة، ولا فارق بين الدول في مثل هذه الحالة وهي تتحرك على الأرض وبين الطائرات وهي تمضي في أجواء السماء.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

حمولة زائدة في تل أبيب حمولة زائدة في تل أبيب



GMT 14:15 2024 الأربعاء ,15 أيار / مايو

في ذكرى النكبة..”إسرائيل تلفظ أنفاسها”!

GMT 12:08 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

مشعل الكويت وأملها

GMT 12:02 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

بقاء السوريين في لبنان... ومشروع الفتنة

GMT 11:53 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

“النطنطة” بين الموالاة والمعارضة !

GMT 11:48 2024 الثلاثاء ,14 أيار / مايو

نتنياهو و«حماس»... إدامة الصراع وتعميقه؟

داليدا خليل تودّع العزوبية بإطلالة بيضاء ساحرة وتخطف الأنظار بأناقة لا تُنسى

بيروت ـ المغرب اليوم

GMT 22:34 2025 الثلاثاء ,09 أيلول / سبتمبر

إسبانيا تحظر دخول سموتريتش وبن غفير إلى أراضيها
المغرب اليوم - إسبانيا تحظر دخول سموتريتش وبن غفير إلى أراضيها

GMT 22:07 2025 الثلاثاء ,09 أيلول / سبتمبر

سبع إشارات يومية قد تكون مؤشرا مبكرا لنوبة قلبية
المغرب اليوم - سبع إشارات يومية قد تكون مؤشرا مبكرا لنوبة قلبية

GMT 20:41 2019 الجمعة ,06 أيلول / سبتمبر

تشعر بالغضب لحصول التباس أو انفعال شديد

GMT 13:22 2021 الجمعة ,16 تموز / يوليو

مانشستر يسعى للتعاقد مع فاران في أقرب فرصة

GMT 17:53 2020 الثلاثاء ,08 كانون الأول / ديسمبر

تستفيد ماديّاً واجتماعيّاً من بعض التطوّرات

GMT 19:14 2020 الأربعاء ,24 حزيران / يونيو

تعرفي على طرق ترتيب المنازل الصغيره

GMT 03:36 2019 الإثنين ,15 تموز / يوليو

ديكورات شقق طابقية فخمة بأسلوب عصري في 5 خطوات

GMT 14:30 2018 السبت ,06 تشرين الأول / أكتوبر

حسن يوسف يشتري الورود لشمس البارودي في عيد ميلادها

GMT 08:07 2018 الثلاثاء ,24 تموز / يوليو

اكتشفي منتجعات تضمن لك صيفا لا يُنسى

GMT 06:36 2018 الجمعة ,27 إبريل / نيسان

كاتي هولمز تتألق في فستان رقيق بلون البرقوق

GMT 22:37 2018 الإثنين ,23 إبريل / نيسان

الهنود يستهلكون كميات أقل بكثير من الكالسيوم

GMT 20:28 2018 الإثنين ,23 إبريل / نيسان

"ماسبيرو زمان" تعيد عرض برنامج جولة الكاميرا
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
RUE MOHAMED SMIHA ETG 6 APPT 602 ANG DE TOURS CASABLANCA MOROCCO
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib