«اللطافة والخفافة مذهبي»

«اللطافة والخفافة مذهبي»!!

المغرب اليوم -

«اللطافة والخفافة مذهبي»

طارق الشناوي
بقلم - طارق الشناوي

ما الذى يدفعنا لعشق كل ما هو قديم، ونتسامح حتى مع عيوبه، أو ربما نعتبرها حسنات تزيده جمالًا، فى العالم كله تعيش الشعوب دائمًا حالة من (النوستالجيا)، أنه الحنين للماضى وأصل الكلمة يونانى كانت تعنى فى البداية الألم الذى يعيشه المريض، للابتعاد عن البيت وخوفه من ألا يعود، ثم أصبحت مع الزمن تحمل اعتزازًا بالماضى ممزوجًا بشيء من البهجة وخفتت تمامًا حدة الألام والكأبة.

تختلف درجة عشق القديم من مجتمع إلى آخر ومن حقبة إلى أخرى، إلا أننا فى عالمنا العربى صار لدينا خاصة فى ما يتعلق بالأدب والفن، ما نُطلق عليه (زمن الفن الجميل)، وهو توصيف مخادع جدًا، بل ويصل إلى حدود الكذب. أننا فى العادة نحكم ليس على كُل القديم، ولكن على ما أبقته الأيام منتصرًا على عوامل الفناء، من يقاوم النسيان هو الأجمل بالضرورة، ولكن لا يعنى ذلك أن الإبداع كله كان جميلًا ـ وأرجو ألا يعتقد البعض مثلًا أن الفنان مهما بلغت مكانته لا يتورط خلال مشواره من تقديم أعمال متواضعة، أم كلثوم (سيدة الغناء العربى)، فعلتها فى أغنية أو اثنتين، الحقيقة الموثقة، أن شاعرها الأثير أحمد رامى كتب لها فى قالب غنائى وهو «الطقطوطة»، كلمات (اللطافة والخفافة مذهبى) على نفس إيقاع ووزن وموسيقى كلمات أخرى تقول فيها (الخلاعة والدلاعة مذهبي)، ولم تكن أم كلثوم مدركة ربما بسبب صغر عمرها وقتها رداءة مستوى الكلمات، بينما رامى كان حريصًا على نقاء ثوبها الغنائى، الإذاعة المصرية الرسمية كانت، وأتمنى أن تظل تقدم أغنية عبد الوهاب (فيك عشرة كوتشينة/ فى البلكونة/ بصرة باشكة/ عادة مجنونة/ لاعبنى عشرة/ إنما برهان).

كتبها الشيخ يونس القاضى، مؤلف نشيدنا القومى (بلادى بلادي)، طقطوقة (عشرة كوتشينة) تحمل دعوة صريحة للعب القمار، ولكننا نتعامل معها فى إطار النكتة، وأرجو ألا أجد من يطالب بمصادرتها، بعد أن يحاكمها واقعيًا، المجتمع الذى يصادر (القفشة)، عليه أن يستعيد مجددًا مرونته.

الماضى أو العودة إليه، لها تنويعات عديدة منها بالطبع تلك الفرق الغنائية التراثية المنتشرة فى العالم كله، وفى دُنيا المسرح نجد (الريبورتوار)، هناك دائمًا بجوار ذلك تنويعة أخرى نُطلق عليها (نوستالجيا) لونية، وهو الحنين للأبيض والأسود، أتحدث عن تلك الأفلام التى نراها تغزو العالم كله وتشكل الآن قسطًا لا بأس به، لقد انخفضت نسبة أفلام الأبيض والأسود منذ سبعينيات القرن الماضى إلى أقل من ٣٪، بل أن عددًا من أفلام الأبيض والأسود القديمة وعن طريق معالجة كيميائية تم تلوينها.

السينما بطبعها ترنو إلى آخر صيحة فى التقنيات، وهكذا بدأ الاتجاه إلى أفلام الأبعاد الثلاثة فى ازدياد، كما أن استخدام الشاشة الثرية بالحركة واللون والإبهار والصوت الدولبى سيطر على الموقف، إلا أنه وعلى الجانب الآخر رأينا نوعًا من المقاومة اللاشعورية ـ هناك إحساس داخلى يرنو بين الحين والآخر للعودة للماضى. عدد من الأفلام التى شاهدتها مؤخرًا فى المهرجانات، تعيدنا لزمن الأبيض والأسود بنسبة تقترب من ٢٥ فى المائة.

الماضى يتيح لك مرة أن تقفز فوق السور لتطل على الحاضر، وتستطيع على الجانب الآخر أن تراه بزاوية عكسية، من الحاضر إلى الماضى.

الحياة ملونة ومجسمة بالأبعاد الثلاثة طول وعرض وعمق، وهكذا توافق معها الشريط السينمائى، ولكن من قال إن الأبيض والأسود يخلو من التباين اللونى؟ فى أحيان كثيرة يضيف عشاق القديم بعيونهم ومشاعرهم ألوانًا وأعماقًا وأبعادًا للأبيض والأسود بدرجاته المتعددة.

أنت تصنع العمل الفنى بإرادتك وتضيف إليه أحداثًا لم يكتبها المؤلف، وتعيد (الكادر) برؤية إخراجية لم يفكر فيها المخرج، تمنحه ظلالًا وألوانًا، وتأويلًا!.

 

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

«اللطافة والخفافة مذهبي» «اللطافة والخفافة مذهبي»



GMT 20:14 2025 الجمعة ,31 تشرين الأول / أكتوبر

بيروت والكلام المغشوش

GMT 20:11 2025 الجمعة ,31 تشرين الأول / أكتوبر

التغييرات المناخية... الأمل بالطيران في بيليم

GMT 20:05 2025 الجمعة ,31 تشرين الأول / أكتوبر

انتحار الصِغار و«رقمنة» اليأس

GMT 20:00 2025 الجمعة ,31 تشرين الأول / أكتوبر

الحبل السُّرِّي بين العالم العربي وحل الدولة الفلسطينية

GMT 19:47 2025 الجمعة ,31 تشرين الأول / أكتوبر

عالم من الضواري

GMT 14:43 2025 الأحد ,26 تشرين الأول / أكتوبر

سوريا الأستاذ وديع

GMT 14:41 2025 السبت ,25 تشرين الأول / أكتوبر

في حب الصحراء: شريان الحياة

GMT 14:38 2025 الأحد ,26 تشرين الأول / أكتوبر

الرئيس والممسحة

رحمة رياض تتألق بإطلالات متنوعة تجمع بين الأناقة والجرأة

الرياض - المغرب اليوم

GMT 20:08 2025 الجمعة ,31 تشرين الأول / أكتوبر

مجلس الأمن يؤيد مقترح المغرب للحكم الذاتي في الصحراء
المغرب اليوم - مجلس الأمن يؤيد مقترح المغرب للحكم الذاتي في الصحراء

GMT 13:39 2025 الخميس ,30 تشرين الأول / أكتوبر

حميدتي يعترف بانتهاكات قوات الدعم السريع في الفاشر
المغرب اليوم - حميدتي يعترف بانتهاكات قوات الدعم السريع في الفاشر

GMT 13:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 19:09 2022 الخميس ,13 تشرين الأول / أكتوبر

مارك زوكربيرغ يفقد أكثر من 118 مليون متابع على فيسبوك

GMT 16:18 2024 الخميس ,01 شباط / فبراير

الوداد يُعلن عّودة إسماعيل الحداد

GMT 06:06 2012 السبت ,15 أيلول / سبتمبر

تراجع معدلات النمو العالمي إلى 2.7 %

GMT 09:31 2017 الأربعاء ,19 تموز / يوليو

حادث سير مروّع بين 3 سيارات في طريق الناظور

GMT 23:52 2023 الأحد ,31 كانون الأول / ديسمبر

زياش يطلب مغادرة نادي "غلطة سراي"

GMT 09:50 2023 الجمعة ,21 تموز / يوليو

عجز الميزانية يصل إلى 27.8 مليار درهم

GMT 11:52 2020 الجمعة ,03 إبريل / نيسان

شركة تبغ في طور اختبار مادة مضاد لفيروس كورونا
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
RUE MOHAMED SMIHA ETG 6 APPT 602 ANG DE TOURS CASABLANCA MOROCCO
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib