العراق والأفخاخ والأدوار

العراق والأفخاخ والأدوار

المغرب اليوم -

العراق والأفخاخ والأدوار

غسان شربل
بقلم - غسان شربل

تشعر بغدادُ بالارتياح لأنَّها «تحاشت الوقوع في أكثر من فخ». غداة انطلاق «طوفان الأقصى» في غزةَ و«جبهة الإسناد» في لبنان، راودت فصائلَ عراقيةً أحلامُ توسيع دائرة النار. لكن مزيجاً من النَّصائح الداخلية والتحذيرات الخارجية أبعدَ عن شفتي العراق كأسَ الانزلاق إلى الدوامة. كانت التهديدات الإسرائيلية صريحةً وكان لا بدَّ من التدخل الأميركي لمنع تنفيذها في مقابل «كبح حماسة بعض الفصائل».

نجت بغداد من فخ آخر. لم يخطر ببال بعضِ الفصائل العراقية أنَّ نظام بشار الأسد يمكن أن يتبخَّرَ فجأة وأن تصبحَ طريقُ طهران - بغداد - دمشق - بيروت محظورةً ومجردَ ذكرى من الماضي. وفوجئت هذه الفصائل بإطلالة أحمدَ الشرع من القصر الذي كان يجلس فيه الأسد. راودت فصائلَ محدودة أفكارُ الاستعداد لقلب الأمور ثم تبين أنَّ القصة أكبر وأخطر وأنَّ إيران تحتاج على الأقل لوقت لالتقاط الأنفاس. هكذا رأى العراق الأمور تتغير من حوله.

تدير بغداد علاقاتها الحالية مع طهران وواشنطن «بأكبر قدر ممكن من التوازن. أميركا هي أميركا ونحن نحتاج إليها في أمور كثيرة. وإيران جار تربطنا به علاقات ومصالح وروابط. والحقيقة أنَّ واشنطن أكثر واقعية من السابق. وأنَّ طهران قاآني أقل تطلباً من طهران سليماني. هامش الحركة العراقية أكبر من الماضي. المهم أن لا تحدث مواجهة عسكرية لأنَّها ستكون بمثابة الفخ الكبير للعراق والمنطقة».

في الحوارات التي تجري في بغدادَ هذه الأيام جنوحٌ نحو الواقعية فرضته دروسُ الفترة العاصفة الماضية. يمكن الحديث عن نقاط مشتركة تتكرر في الحوارات:

- اللاعب الأول في هذا الجزء من العالم كان ولا يزال اللاعب الأميركي. نحن نحب امتداح الأدوار الروسية والصينية والأوروبية لكنَّها في جزء منها وليدة تمنيات أكثر مما هي ترجمة لحقائق. القوات الروسية التي تدخلت في العقد الماضي لإنقاذ نظام بشار الأسد لم تتدخل للدفاع عنه ولم تتعهد حتى بدعمه. روسيا التي تربطها علاقات استراتيجية بإيران لم تستطع منعَ الطائرات الإسرائيلية من تدمير مواقع «الحرس الثوري» في سوريا وإرغام النفوذ الإيراني على المغادرة. تضاعف حضور اللاعب الأميركي مع وصول دونالد ترمب بفعل أسلوبه وبسبب تحول كبير في المنطقة تمثل في سقوط نظام الأسد.

- الحقيقة الثانية هي إصابة اللاعب الإيراني في الإقليم بانتكاسة كبرى. قبل سنوات قليلة ساد الاعتقاد أنَّ اللاعب الإيراني هو الأول على الأرض ولا يمكن وقفه. وأنَّه سجل اختراقات ومكاسب ثابتة ويتطلع إلى ترسيخ جذوره في خرائط إضافية. وكان من الصعب تصور سوريا خارج الفلك الإيراني وتصور طهران مضطرة إلى التعامل مع مطار بيروت وفق القواعد الدولية لا بصفة بيروت واحدة من العواصم الأربع التي تدور في الفلك الإيراني. إصابة اللاعب الإيراني ليست بسيطة على الإطلاق. فمحور الممانعة الذي سقط بسقوط حلقته السورية ولد بفعل جهود طويلة وتكاليف هائلة.

- الحقيقة الثالثة هي أنَّ إيران خسرت أيضاً في لبنان الذي كان الساحة الأولى لتوسع نفوذها في الإقليم. انتهت الحرب الأخيرة خلافاً لما كان يتمنى «حزب الله» الذي اختار فتح «جبهة الإسناد» غداة انطلاق عملية «طوفان الأقصى» في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023. خسر الحزب زعيمَه التاريخي حسن نصر الله وخسر كبار قادته. وثمة من يقول إنَّه خسر القدرة على خوض حرب ضد إسرائيل بعدما خسر العمق السوري.

- الحقيقة الرابعة هي أنَّ إسرائيل التي نحاول منذ عقود تفادي ذكر اسمها أو القبول بها فرضت نفسها لاعباً إقليمياً خطراً. إسرائيل المسلحة بالتكنولوجيا الأميركية قوة هائلة قادرة على التدخل في أراضي جيرانها المباشرين وتوجيه ضربات في مناطق أبعد. إنَّها دولة عدوانية ودولة احتلال لكنَّها واقع لم يعد ممكناً تجاهله.

- الحقيقة الخامسة هي أنَّ التحول السوري جاء أبعد وأعمق مما تصوره الكثيرون. واضح أنَّ سوريا الشرع اختارت الخروج من الشق العسكري في النزاع مع إسرائيل وهذا تطور هو الأول من نوعه منذ عقود. التفاهمات التركية - الإسرائيلية الأخيرة بشأن سوريا تحكم إقفال الساحة السورية في وجه إيران والحزب.

- الحقيقة السادسة هي تقدم الدور السعودي إلى موقع المبادرة الإقليمية والدولية وعلى قاعدة الاستثمار في الاستقرار استناداً إلى مبادئ القانون الدولي واحترام سيادة الدول والابتعاد عن سيادة تصدير النار إلى الجيران أو العالم.

يمكن القول إنَّ معظم اللاعبين الذين انخرطوا في حروب ما بعد «الطوفان» أصيبوا بجروح كثيرة وسيرجعون من هذه الحروب بخيبات كثيرة. لا مجال لإنكار أنَّ إسرائيل نجحت بقوتها التدميرية في تغيير المشهد، خصوصاً عبر الحلقة السورية، لكنَّها لن تستطيع الفرار من استحقاق حل الدولتين الذي يزداد حضوراً على الساحة الدولية. «حماس» التي أطلقت شرارة «الطوفان» سترجع بما هو أقسى من الخيبة. ستخسر وجودَها المسلح في غزة وهي حالياً ليست موضع ترحيب، لا في بيروت ولا دمشق ولا عمان. وهذا يعني أنَّها تواجه خطر «التقاعد» الإلزامي إلا إذا صعدت إلى القطار.

تراقب بغداد ما يدور حولها. المفاوضات النووية الأميركية - الإيرانية ملف حيوي بالنسبة لها. رسوخ وضع حكم الشرع في سوريا تطور مهم لا بدَّ من أخذه في الحسبان. إذا تابعت دمشق شهر العسل مع واشنطن فإنَّها مرشحة لدور أكبر ومكاسب أكبر.

تقرأ بغداد ملامح منطقة تتغيَّر تحت وطأة الحروب وإصابات اللاعبين وخيبات العائدين من المعارك. لا بدَّ من الانتظار قليلاً لإدراك حجم التغيير الذي طرأ على أدوار دول الجوار، والذي لا يمكن إلا أن يتركَ تأثيره على العراق نفسِه.

 

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

العراق والأفخاخ والأدوار العراق والأفخاخ والأدوار



GMT 14:43 2025 الأحد ,26 تشرين الأول / أكتوبر

سوريا الأستاذ وديع

GMT 14:41 2025 السبت ,25 تشرين الأول / أكتوبر

في حب الصحراء: شريان الحياة

GMT 14:38 2025 الأحد ,26 تشرين الأول / أكتوبر

الرئيس والممسحة

GMT 14:33 2025 الأحد ,26 تشرين الأول / أكتوبر

السلاح... أو حين يكون المكسب صفراً والهزيمة مطلقة

GMT 14:28 2025 الأحد ,26 تشرين الأول / أكتوبر

من سيلحق بكندا... في «التعامل بالمثل» مع ترمب؟

GMT 14:24 2025 الأحد ,26 تشرين الأول / أكتوبر

ترمب وخصومه في «حيْصَ بيْص»

GMT 14:23 2025 السبت ,25 تشرين الأول / أكتوبر

سموتريتش وحقد الجِمال

GMT 14:19 2025 السبت ,25 تشرين الأول / أكتوبر

القطبية الصينية ومسار «عالم الغابة»

رحمة رياض تتألق بإطلالات متنوعة تجمع بين الأناقة والجرأة

الرياض - المغرب اليوم

GMT 23:15 2025 الخميس ,30 تشرين الأول / أكتوبر

إسرائيل تتسلم رفات رهينتين من حماس عبر الصليب الأحمر
المغرب اليوم - إسرائيل تتسلم رفات رهينتين من حماس عبر الصليب الأحمر

GMT 13:39 2025 الخميس ,30 تشرين الأول / أكتوبر

حميدتي يعترف بانتهاكات قوات الدعم السريع في الفاشر
المغرب اليوم - حميدتي يعترف بانتهاكات قوات الدعم السريع في الفاشر

GMT 18:50 2020 الثلاثاء ,27 تشرين الأول / أكتوبر

أروى جودة تتعرض لموقف محرج في «الجونة»

GMT 21:59 2019 الإثنين ,11 آذار/ مارس

"كيا" تطلق سيارة كهربائية متطورة قريبا

GMT 02:14 2019 الجمعة ,18 كانون الثاني / يناير

برج "برواز دبي" يَجذب مليون زائر في عام واحد

GMT 21:28 2018 الثلاثاء ,25 أيلول / سبتمبر

سفير المغرب في هولندا يكرم البطل التجارتي

GMT 02:30 2018 السبت ,01 أيلول / سبتمبر

"50 فكرة عن" الاقتصاد" كتاب حول النظم الاقتصادية

GMT 02:02 2018 الخميس ,22 آذار/ مارس

عمرو عمارة يبيّن أسباب تسوس الأسنان

GMT 15:25 2018 السبت ,27 كانون الثاني / يناير

الفنادق الأكثر جاذبية في العالم خلال عام 2018

GMT 18:10 2017 الإثنين ,25 كانون الأول / ديسمبر

لعبة "أسياد الشرق" صراعات ملحميّة تحاكي صراع الجبابرة

GMT 22:51 2017 السبت ,09 كانون الأول / ديسمبر

الرجاء يرغب في استقبال الدفاع الجديدي في ملعب العبدي

GMT 04:26 2016 الخميس ,25 شباط / فبراير

حرق سعرات حرارية دون بذل مجهود

GMT 21:07 2015 الجمعة ,04 كانون الأول / ديسمبر

ميرفت أمين بين نجوم فيلم "هتقتل تسعة"

GMT 03:10 2017 الأربعاء ,04 كانون الثاني / يناير

منتجع جزيرة ميليدهو ملاذ زوار المالديف في فصل الشتاء

GMT 05:56 2015 الأربعاء ,23 أيلول / سبتمبر

أبطال مسلسل "البيوت أسرار" يكملون تصوير مشاهدهم

GMT 09:29 2016 الجمعة ,07 تشرين الأول / أكتوبر

عطور نسائية تجذب الرجال وتزيد من دفء العلاقة الحميمة
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
RUE MOHAMED SMIHA ETG 6 APPT 602 ANG DE TOURS CASABLANCA MOROCCO
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib