حربٌ كبرى تنتظر «الشيطان الأكبر»

حربٌ كبرى تنتظر «الشيطان الأكبر»

المغرب اليوم -

حربٌ كبرى تنتظر «الشيطان الأكبر»

غسان شربل
بقلم - غسان شربل

«هذه أخطرُ حروبِ الإقليم. حربٌ كبرى وشديدةُ الخطورة. حربٌ سترسمُ نتائجُها حدودَ الأدوار والمواقعِ ومصير خرائطَ وعواصم. اغتنم بنيامين نتنياهو طوفانَ يحيى السّنوار لإطلاقِ انقلابٍ كاملٍ على نتائجِ الانقلاب الإيراني الذي تمَّ في العقودِ الماضية. ويحظَى نتنياهو بدعمٍ أميركيّ وتفهُّمٍ غربي لتحجيمِ أذرعِ إيرانَ ومحورِها. حربٌ تستطيعُ أميركا وحدَها وقفَها في الوقتِ الذي تراه مناسباً وبعد تعبِ المتحاربين». يشعرُ الصحافيُّ بالقلقِ حينَ يسمع كلاماً من هذا النوعِ من رجلٍ معنيٍّ بمسارِ الأحداثِ وعواقبِها.

واضحٌ أنَّ الشَّرقَ الأوسطَ يحبسُ أنفاسَه. إنَّه موعودٌ بأيامٍ أدهَى. ترابطُ عواصفِ النَّارِ ينذرُ بتحوّلها إعصاراً. لم يسبق أن عاشَ حرباً متعددةَ الخرائط على هذا النحو. حرب تفيضُ عن حدود مسارحِها وفي غياب أي شرطي دولي. يترقَّب أهل المنطقة موعدَ الضربةِ الإسرائيلية المقررة ضد إيران. وتقول طهرانُ إنَّه لن يكونَ أمامَها غير خيار الرَّد. تبادلُ الضربات العابرة للخرائط يهدّد بتوسيع الحرائق.

المشهدُ جديدٌ وبالغ الخطورة. إسرائيلُ الحالية لا تشبه تلك التي كانت قائمةً قبل انطلاق «الطوفان» في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) من العام الماضي. نجحَ نتنياهو في جعلِ الحرب «حرباً وجودية» لا تمانعُ إسرائيلُ في دفع أثمانِها بشرياً واقتصادياً.

إيرانُ اليوم هي غيرُ إيرانَ التي كانت قائمةً قبل «الطوفان». استدرجَها نتنياهو إلى الخروج من «حرب الأذرع» إلى الانخراطِ المباشر في المواجهةِ على حلبة الشرق الأوسط. وهي حربٌ لا تستطيع الولاياتُ المتحدة البقاءَ خارجها. وهو ما سعت إيرانُ طويلاً إلى تفاديه. كانت طهرانُ حريصةً على الاستمرار في نسجِ سجادةِ انقلابها الكبير في المنطقة من دون الانزلاقِ إلى خطرِ الصّدام المباشرِ مع أميركا.

قبل «الطوفان» أرسلَ يحيى السنوار مَن أبلغَ «حزبَ الله» وإيران بأنَّ «شيئاً كبيراً قد يحدث». وطلبَ مواكبة العملية بأوسعِ دعم. حلم أن تكونَ شرارة «الطوفان» بدايةَ «الضربة الكبرى» التي كان يُهمس بها منذ أعوامٍ وتنصُّ على إغراق إسرائيلَ بمطر من الصَّواريخ والمُسيرات ينطلق من خرائطَ متعددة بينها إيران.

تلقَّى السنوار «وعداً بتوفير أكبرِ دعمٍ ممكن، لكنَّه لم يحصل على التزام بإطلاق الضربةِ الكبرى». خافَ من «أن تلتقط إسرائيلُ أنَّ شيئاً وشيكاً قيد التحضير فتسارعَ إلى توجيه ضربة استباقية». أطلق «الطوفان» ربما لاعتقاده أنَّ حلفاءَه سينخرطون ولو تردّدوا. لم تشارك إيرانُ مباشرةً واختار «حزب الله» في اليوم التالي الذهابَ إلى «جبهة الإسناد».

في السَّاعات الأولى من «الطوفان» بدت إسرائيلُ ضعيفةً وهشةً ومصابةً في هيبتها. قرَّرت المؤسسة العسكرية الثأرَ من التقصير. قرَّر نتنياهو إنزالَ نكبةٍ كاملة بقطاع غزة. لم يكتفِ بمعاقبة «حماس» بل أنزلَ العقابَ الأشدَّ بالبيئة التي تحتضنها، أي بالمدنيين. تظاهرَ في الفترة الأولى بقبولِه مواجهةً مخفوضة مع «حزب الله» تحت سقفِ «قواعد الاشتباك».

وبانتظار نقلِ ثقلِ الحرب إلى جبهة لبنان وعلى توقيت الانتخابات الأميركية، أحدث تغييراً خطراً تمثل في فتحِ فصل الاشتباكات المباشرة مع إيران. ولا مبالغة في القول إنَّ نتنياهو تصرَّف في غزةَ ولبنان كأنَّه يحاول إبعادَ إيران عن حدوده بعدما نجحت في المرابطة قربها. وجَّهت إسرائيلُ ضربةً قاسية إلى «حماس». وجَّهت ضربة مماثلة إلى «حزب الله». اغتالت حسن نصر الله ثم اغتالت بفضل الصّدفة يحيى السنوار.

تحدَّث نتنياهو عن إعادةِ الرهائن الذين تحتجزهم «حماس». تحدث أيضاً عن إعادة سكانِ الشمال الذين هجّرتهم صواريخ «حزب الله» ومسيَّراته. شعوره بتفوّق الآلة العسكرية الإسرائيلية دفعَه إلى تضخيم الأهداف. قال إنَّه يريد إحداث تغييرات جوهرية في الوضعِ الأمني المحيط بإسرائيل وبما يترك آثارَه لأجيال. وصلَ به الأمر حدَّ التحدث عن شرقِ أوسط جديد. وهذا يعني ببساطةٍ أنَّه يتطلَّع إلى شطبِ الحضور الإيراني على حدود إسرائيل. ولتحقيق ذلك يشترط خروجَ جبهات «الممانعة» في غزةَ ولبنان من النزاع عبر إنشاءِ أحزمة أمنية وفرض قيودٍ صارمة لمرحلة ما بعد وقف النار.

وسط مشاهدِ الوحشية التي تمارسُها الآلة العسكرية الإسرائيلية قصفاً وتشريداً، تبرز ملامحُ انقلابٍ عنيف على نتائج الانقلاب الذي نفَّذته إيرانُ وجعلها صاحبةَ الكلمة الأولى في بيروتَ ودمشقَ وبغدادَ وصنعاء.

معركةُ كسرِ عظامٍ وتغيير ملامحَ وتوازنات. وليس سهلاً على المرشد الإيراني علي خامنئي القبول بأن تترافقَ نهايات عهدِه مع التَّسليم بانحسار الدور الإقليمي الذي بناه على مدارِ عقود. من دون أن يقصد، دفع السنوار المحورَ إلى امتحانٍ صعب. لبنانُ غارقٌ في النار والنازحين، وسوريا تحاول أن تنأى بنفسها، والعراق يحاول تجنّبَ كأسِ الردود الإسرائيلية أو الأميركية على مسيّرات الفصائل.

ذكَّرني حديثُ معركةِ الأدوار بما سمعته في فيينا قبل سنوات. في 2008 زارَ مديرُ الوكالة الدولية للطاقة الذرية محمد البرادعي طهرانَ والتقى خامنئي، والرئيس محمود أحمدي نجاد، ورئيسَ البرلمان علي لاريجاني. سألت البرادعي أن يختصرَ لي الموقفَ الإيراني الذي سمعه بعبارة قصيرة، فأجاب: «نريد الاعترافَ بنا قوة إقليمية كبرى».

أوضح البرادعي أنَّ الإيرانيين يرون أنَّ «خلافهم الأساسي مع أميركا. أحمدي نجاد يريد تصفية هذه الخلافات وهدفه وحلمه أن يكونَ صاحب هذه الصفقة الكبرى، إذ يرى أنه سيكون بطلاً وطنياً إذا حقَّق ذلك، خصوصاً أنَّ نحو 80 أو 90 في المائة من الشعب الإيراني يريد علاقاتٍ طبيعية مع أميركا. أحمدي نجاد قالَ لي حرفيّاً في آخرِ سنة قبل مغادرتي الوكالة الذرية: أريد التفاوضَ مباشرةً مع أميركا فقط، ولا أريد روسيا والصين».

حربُ أدوارٍ وحدود وأحجام. وحده «الشيطان الأكبر» قادرٌ على التَّدخّلِ «لوقف الانقلاب الإسرائيلي بعد كبحِ أذرع الانقلاب الإيراني». ولكن ماذا تفعل الخرائطُ المرتجفة بانتظار تبلور ساعةِ التدخل الأميركي الحاسم؟ وماذا لو التفتت إيران إلى البيت الأبيض ووجدت فيه رجلاً اسمُه دونالد ترمب يذكِّرها بأوجاعٍ كثيرة؟

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

حربٌ كبرى تنتظر «الشيطان الأكبر» حربٌ كبرى تنتظر «الشيطان الأكبر»



GMT 15:13 2025 الأحد ,06 تموز / يوليو

وثائق وحقائق

GMT 15:11 2025 الأحد ,06 تموز / يوليو

متى يصمت المحللون والمعلقون؟!

GMT 15:10 2025 الأحد ,06 تموز / يوليو

جنازة جوتا و«إللّي اختشوا ماتوا»

GMT 15:08 2025 الأحد ,06 تموز / يوليو

عن السلم والإذلال والمسؤوليّة الذاتيّة

GMT 15:05 2025 الأحد ,06 تموز / يوليو

قسمةُ ملايين

GMT 15:03 2025 الأحد ,06 تموز / يوليو

جهة أخرى يعلمها الله!

GMT 15:02 2025 الأحد ,06 تموز / يوليو

إعلان إفلاس

GMT 17:50 2018 السبت ,27 كانون الثاني / يناير

"أون" تبدأ عرض مسلسل "أبو العلا 90 " لمحمود مرسي

GMT 13:20 2018 الجمعة ,19 كانون الثاني / يناير

الملك محمد السادس يبعث برقية عزاء في رئيس تشاد

GMT 07:47 2017 الثلاثاء ,10 كانون الثاني / يناير

بطولة الخريف

GMT 00:31 2017 الأربعاء ,06 أيلول / سبتمبر

الكشف عن تفاصيل ألبوم شيرين عبد الوهاب المقبل

GMT 13:02 2022 الأحد ,26 حزيران / يونيو

أفكار بسيطة في الديكور لجلسات خارجية جذّابة

GMT 11:33 2019 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

جريمة قتل تهزّ "سوق الجملة" في مدينة تطوان المغربية

GMT 06:41 2019 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

رئيس الكوكب المراكشي في "قفص الاتِّهام" بسبب مِلفّ السعيدي

GMT 12:37 2019 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

بوصوفة يشيد برونارد ويعتبر المدرب الأفضل بإفريقيا

GMT 05:08 2019 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

"فورد" تطلق سيارتها الحديثة "موستانغ ماخ إي" الكهربائية

GMT 11:03 2019 الأربعاء ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

إصابة اسماعيل الحداد لا تدعو إلى القلق
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib