في حديقة الناطقين

في حديقة الناطقين

المغرب اليوم -

في حديقة الناطقين

سمير عطا الله
بقلم - سمير عطا الله

تقول الباحثة البريطانية مارينا وارنر إن كتاب كليلة ودمنة لعبد الله بن المقفّع، الذي صدر في القرن الثامن، ترك أثره على كُل ما كُتب في العالم باللجوء إلى الاستعارة من عالم الحيوان للتحدث عن عالم الإنسان. وترى أن المقلدين لهذا الأسلوب لم يكونوا فقط من الشعراء والكُتاب الكبار في العالم، بل تأثر صانعو الرسوم المتحركة مثل والت ديزني، بذلك النمط العبقري الساحر الذي قيل إن ابن المقفع نقله عن الفيلسوف الهندي، بيدبه. تنوّع المقلدون من الشاعر الفرنسي لافونتين إلى الكاتب البريطاني جورج أورويل. وقد نقل لافونتين عن كليلة ودمنة 22 حكاية، بينما وضع أورويل كتابه «مزرعة الحيوان»، أحد أهم مؤلفات القرن العشرين.

أراد ابن المقفع تجنُّب غضب السلاطين فاستعان ببنات آوى وطفق يستنطق الذئاب والحمير والقرود والأسود وحتى الفئران. تقول وارنر إن خرافات ابن المقفع انتقلت من حضارةٍ إلى حضارة، من «بنارسي» إلى بغداد، من البصرة إلى روما، عابرةً كل الحدود في روحٍ انتقاديةٍ ساخرة وجذابة. كمثل السؤال الذي تطرحه كليلة على ثور: «كيف لك أن تجد مكاناً لنفسك في بلاط الأسد، وأنت لم تحتكّ بالحُكام ولا تعرف شيئاً عن خدمتهم أو التصرف في حضورهم؟» تُجيب دمنة أن الإنسان القوي قادرٌ على كل شيء وما من عبءٍ يمكن أن يقف في طريقه. ثم تتذكر شيئاً قد فاتها فتُضيف أنه لا بد من الذكاء أيضاً.

تتنافس وتتزاحم الطباع في دنيا الحيوان. من «طوق الحمامة» إلى «السيدة الفأرة وخيارها من الأزواج». الحيلة هي سلاح المضطهدين الأول. وليس من الضروري إطلاقاً اللجوء إلى العنف، فالسخرية حاضرة دائماً. وثمّة شبهٌ آخر في أدب الخُرافة، هو «ألف ليلة وليلة»، العمل العربي الآخر الذي ترك أثره في جميع آداب العالم. غير أن التخفّي وراء الحيوانات، كان أكثر طرافةً وإبداعاً.

كان ابن المقفع عالماً متعدد المواهب وكان والده عاملاً في جمع الضرائب.

وقد اعتُقل هذا الأخير وعُذّب وقطّعت أطرافه، أما الرجل الذي طغى أثره على آداب العالم، فقط قُتل مثله مثل الكثيرين من المفكرين والعباقرة في عهود الظلام.

ولم تكن الظلمة والقتل حكراً على العرب، فقد قُطعت رؤوسٌ كثيرة في بريطانيا وفرنسا، بل إن أبا الفلاسفة «سقراط» أُرغم على الانتحار بالسمّ في اليونان. واضطهد العالم الإيطالي غاليليو لأنه قال إن الأرض مستديرة وغير مسطحة. عندما نشاهد أطفالنا أمام التلفزيون يضحكون في متعةٍ بريئة أمام عبارات الديك والدجاجة والقرد والغيلم والأسد والثور، يشعر المرء بالامتنان لذلك الرجل الذي سجل باسمه اختراع المنطق من دون نُطق.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

في حديقة الناطقين في حديقة الناطقين



GMT 08:38 2025 الأحد ,09 شباط / فبراير

اختلاف الدرجة لا النوع

GMT 20:02 2025 الأحد ,19 كانون الثاني / يناير

عالم جديد حقًا!

GMT 06:19 2025 الأحد ,12 كانون الثاني / يناير

جانب فخامة الرئيس

GMT 19:43 2025 السبت ,11 كانون الثاني / يناير

أصول النظام السياسى

GMT 19:56 2025 الثلاثاء ,07 كانون الثاني / يناير

عيد سعيد!

هيفاء وهبي تمزج الأناقة بالرياضة وتحوّل الإطلالات الكاجوال إلى لوحات فنية

القاهرة - المغرب اليوم

GMT 06:01 2017 السبت ,02 كانون الأول / ديسمبر

النجمة غادة عبد الرازق تنشر صورة تكشف إصابتها في قدمها

GMT 10:17 2017 الإثنين ,09 تشرين الأول / أكتوبر

إنفوغراف 4

GMT 00:32 2017 السبت ,14 تشرين الأول / أكتوبر

عموتة ينفي صلته بقرار إبعاد المياغري عن فريق الوداد

GMT 12:16 2014 الأربعاء ,22 تشرين الأول / أكتوبر

عروض الأفلام القصيرة والسينمائية تتهاوى على بركان الغلا

GMT 03:49 2016 الأربعاء ,05 تشرين الأول / أكتوبر

فاطمة سعيدان تكشف أن "عنف" استمرار لتقديم المسرح السياسي

GMT 07:51 2024 الجمعة ,05 تموز / يوليو

Red Magic تطلق حاسوبها المحمول للألعاب Titan 16 Pro

GMT 13:10 2024 الأربعاء ,31 كانون الثاني / يناير

نوال الزغبي بإطلالات مُميزة بالأزياء القصيرة

GMT 18:01 2022 الخميس ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

"لامبورغيني" تفتتح صالة مؤقّتة في الدوحة حتى منتصف ديسمبر
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib