الهررة الآمنة

الهررة الآمنة

المغرب اليوم -

الهررة الآمنة

سمير عطا الله
بقلم : سمير عطا الله

كل حضارة تقريباً، لجأت إلى تفسير حياة الحيوان من أجل أن تفسر طباع البشر. ونسب مؤلفو الروايات الخيالية قصصاً على لسان الحيوانات تستهدف في الحقيقة عرض عيوب الناس ونقائصها، أو التعلم من أمثولاتها. من ابن المقفع إلى لافونتين صاحب الصرصور والنملة، إلى جورج أورويل في «مزرعة الحيوان» التي كانت أهم أعماله في المعركة ضد الشمولية بعد روايته (1984).
كلما اشتد الحصار النفسي أو الروحي على البشر لجأوا إلى الحيوان بحثاً عما يفتقدونه في عالمهم. لطالما عرفت مدى تعلق الفرنسيين بالحيوانات الأليفة، لكن الظاهرة تزداد ظهوراً في مناخات الأزمة. في معظم قوافل اللاجئين الهاربين من أوكرانيا كنت ترى عدداً من العائلات ومعها كلابها وهررها ثم أطفالها، وبعضها فضلت البقاء تحت القصف لكي لا تترك حيواناتها وحيدة.
أحياناً يعكس هذا الاهتمام غير المألوف في بلداننا، حياة العزلة التي يعاني منها الأوروبيون في صورة عامة. وأحياناً هي مجرد سلوى أو حماية، لكن في الأغلب الهدف هو «الرفقة» - أو «الاستحوان» على وزن «الاستئناس» - أو الشفقة المجردة كما هو شائع كثيراً في أوروبا، حيث تهتم العائلات بالحيوانات التائهة أو المتروكة.
واتفق لنا مرة أن أمضينا فترة الصيف في جوار عائلة من عائلات العطف على الهررة المشردة. وكان علينا للوصول إلى مكاننا، المرور بجحافل من القطط المستلقية هانئة في كل مكان. ومن دون نية أو قصد، تحولتُ مع الأيام إلى عالم من علماء الإيتولوجيا، أكرمك الله - أي علم اللغة، أو التفاهم الحيواني - وأخذت ألاحظ رغماً عني عادات القطط، جميعها تحذر الغرباء، وكلما اقتربت منها هربت منك. ثم تقف وتتطلع إلى الوراء، فإذا توقفت أنتَ أيضاً هدأت وخفضت ذنبها واستراحت، أما إذا أكملت خرق سيادتها، فرَّت ولم تعد تتطلع جهة الإزعاج.
قطط من جميع الألوان؛ بعضها ملون وبعضها من لون واحد. ولا عنصرية في عالمها؛ الأبيض نائم قرب المبقع، والمبقع قرب الخليط، والخليط قرب الأسود. وجميعها هادئة لا تعتدي على بعضها البعض، جميع كبارها رابضة، وجميع الحديثي الولادة تتلاعب طوال الوقت، لا تهدأ ولا تستريح إلا وقت النوم. وفي هذا المكان الكلي الهدوء في جبال فرنسا، تهدأ الطيور والعصافير والفراشات في وقت واحد تقريباً، لأن الشمس تتأخر في الغياب، تاركة للناس أن تفيد من نهاراتها الطويلة، مرددة مع الخيام: «فما أطال النوم عمراً ولا قصرَ في الأعمار طول السهر».
تفضل القطط، على ما يبدو، «السلام الدائم» الذي تحمل اسمه ساحة «تين آن مين» في بكين، على نظرية «الحرب الدائمة» التي طلع بها موسوليني، وكان أول من خسر الحرب العالمية الثانية. القطط تعرف أكثر.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الهررة الآمنة الهررة الآمنة



GMT 08:38 2025 الأحد ,09 شباط / فبراير

اختلاف الدرجة لا النوع

GMT 20:02 2025 الأحد ,19 كانون الثاني / يناير

عالم جديد حقًا!

GMT 06:19 2025 الأحد ,12 كانون الثاني / يناير

جانب فخامة الرئيس

GMT 19:43 2025 السبت ,11 كانون الثاني / يناير

أصول النظام السياسى

GMT 19:56 2025 الثلاثاء ,07 كانون الثاني / يناير

عيد سعيد!

الكروشيه يسيطر على صيف 2025 ونانسي عجرم والنجمات يتألقن بأناقة عصرية

بيروت ـ المغرب اليوم

GMT 15:02 2017 الخميس ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

يسرا سعيدة بإهداء دورة مهرجان القاهرة السينمائي لشادية

GMT 01:36 2014 الثلاثاء ,28 تشرين الأول / أكتوبر

"لارام" تلغي الخط الجوي الرابط بين الحسيمة والدار البيضاء

GMT 00:59 2016 الإثنين ,18 كانون الثاني / يناير

10 نصائح للفوز بفستان زفاف أنيق يوافق المرأة في سن الأربعين

GMT 23:42 2024 الجمعة ,26 كانون الثاني / يناير

نيللي كريم تُصرح أن جائزة جوي أووردز كانت مفاجأة

GMT 01:12 2024 الأربعاء ,03 كانون الثاني / يناير

إشبيلية يفشل في تأجيل سفر النُصيري

GMT 16:35 2023 السبت ,29 تموز / يوليو

ديكورات لحفلات الزفاف الخارجية لصيف 2023

GMT 23:09 2023 الأربعاء ,11 كانون الثاني / يناير

السعودية تجمع 10 مليارات دولار من إصدار سندات

GMT 16:37 2022 الأحد ,09 كانون الثاني / يناير

4 غيابات للأسود في أولى مباريات "الكان

GMT 21:54 2020 الأحد ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

توقّعات العرّافة البلغارية العمياء بابا فانغا لعام 2021

GMT 22:53 2020 الإثنين ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

الاتحاد الأوروغوياني يعلن إصابة لويس سواريز بـ فيروس كورونا
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
RUE MOHAMED SMIHA ETG 6 APPT 602 ANG DE TOURS CASABLANCA MOROCCO
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib