شرف الدّقة

شرف الدّقة

المغرب اليوم -

شرف الدّقة

سمير عطا الله
بقلم - سمير عطا الله

في الصحافة الغربية وظيفتان أساسيتان لم تعرفهما الصحافة العربية وقد لا تعرفهما أبداً. الأولى وظيفة المحامي، الذي تُعرض عليه المواضيع الدقيقة التي قد تُحيل الصحيفة إلى المحاكمة. كلمته، وليست كلمة رئيس التحرير، هي الفاصلة في النشر.

الوظيفة الأخرى هي «مدقق الحقائق»، بعكس المحامي الذي تُحال إليه مواضيع معينة. تُحال إلى المدقق جميع المواضيع دون استثناء. وفي بعض الصحف والمجلات العريقة عراقة لا مثيل لها، يكون التدقيق أحياناً حالة شبه مرضية. أشهر حوادث التدقيق مرّت في مجلة «نيويوركر»، التي يعدّها البعض أهم وأجمل مجلة أسبوعية عرفها العالم. وأنا من هذا البعض منذ ستة عقود، أتمتع كل أسبوع برسومها الكاريكاتورية الساحرة، وتحقيقاتها المطوّلة، التي قد يستغرق إعدادها في بعض الأحيان نحو نصف سنة. لا مشكلة في الأمر. فهي تدفع لصاحبها أجراً يتجاوز خمسين ألف دولار، أو راتب نصف عام.

كان فلاديمير نابوكوف أشهر كاتب روسي باللغة الإنجليزية. وهو صاحب رواية «لوليتا» التي جعلت شهرته تطير في أنحاء العالم في الخمسينات. غير أن أهميته الأدبية كانت في عمله الأكاديمي وأبحاثه المرجعية وتحليله للأدب الروسي، الذي كان هو جزءاً مهماً منها. الشهرة التي نالها جعلته متشاوفاً وعلى عندٍ شديد. ولطالما أدّى ذلك إلى خلافاتٍ ونزاعات مع ناشريه. غير أن طبيعة عمل المدقق تقضي بأن تكون له الكلمة الأخيرة إذا ما حدث خلافٌ ما. وإلا فلا معنى لوظيفته بالأساس. وقعت إحدى أشهر معارك التدقيق بين نابوكوف وشابٌّ من قسم التصحيح في مجلة «نيويوركر». وقد يكون ذلك أمراً متوقعاً وعادياً لأن حجم الكاتب لا يعفيه من الخطأ مثل أي إنسانٍ آخر. الذي لم يكن مألوفاً هو موضوع الخلاف. فقد أرسل الكاتب الروسي إلى المجلة قطعة أدبية يصفُ فيها مرفأً في مدينة جنيف ويُشير إلى جدارٍ عريض أزرق اللون. غير أن المدقق قال إن الجدار رمادي فاتحٌ وليس أزرق على الإطلاق. رفض نابوكوف التصحيح وأصرّ على زُرقة اللون قائلاً: إنه يعيش في سويسرا ويعرف المكان أكثر من أي شخصٍ آخر. وأصرّ المدقق على موقفه وقال إنه ذهب بنفسه للتأكد من الأمر. حاول رئيس التحرير الوصول إلى حلٍّ وسط بين الأكاديمي العجوز والمصحح الشاب. عبثاً حاول. نابوكوف رأى في المسألة إهانة شخصية لهالته وسمعته، والفتى العنيد رأى في موقف الروائي الشهير خروجاً على قواعد الصواب وأصرّ على كرامة وظيفته. وفي النهاية، حُلت المسألة بأن سحب نابوكوف المقال، وفاز الشاب بالنقاط.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

شرف الدّقة شرف الدّقة



GMT 08:38 2025 الأحد ,09 شباط / فبراير

اختلاف الدرجة لا النوع

GMT 20:02 2025 الأحد ,19 كانون الثاني / يناير

عالم جديد حقًا!

GMT 06:19 2025 الأحد ,12 كانون الثاني / يناير

جانب فخامة الرئيس

GMT 19:43 2025 السبت ,11 كانون الثاني / يناير

أصول النظام السياسى

GMT 19:56 2025 الثلاثاء ,07 كانون الثاني / يناير

عيد سعيد!

GMT 10:45 2025 الثلاثاء ,10 حزيران / يونيو

تاه جاهز للعب مع بايرن في مونديال الأندية

GMT 15:33 2023 الجمعة ,13 كانون الثاني / يناير

استقرار مؤشرات الأسهم اليابانية في ختام التعاملات

GMT 10:19 2022 الجمعة ,18 شباط / فبراير

الرجاء المغربي ينهي استعداداته لقمة وفاق سطيف

GMT 13:30 2021 الثلاثاء ,16 تشرين الثاني / نوفمبر

"هواوي" تطرح أجهزة رائدة في السوق المغربية

GMT 07:05 2020 الخميس ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

بعد إصابتها بـ”كورونا” الفنانة المصرية نشوى مصطفى تستغيث

GMT 13:00 2020 الأربعاء ,05 شباط / فبراير

أحدث صيحات فساتين الزفاف لعام 2020

GMT 12:10 2019 الثلاثاء ,01 تشرين الأول / أكتوبر

تعرفي علي حقيقة صورة محمد هنيدي مع إعلامي إسرائيلي

GMT 00:44 2018 الخميس ,05 تموز / يوليو

بولهرود يغير وجهته صوب "ملقا الإسباني"
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib