مفكرة القرية الناي والغنمات

مفكرة القرية: الناي والغنمات

المغرب اليوم -

مفكرة القرية الناي والغنمات

سمير عطاالله
سمير عطاالله

إنه المساء، خطوطه تتسارع وغروبه عاجل. وهو موعد العودة من الأمكنة إلى البيوت. «يأوون»، يقال في القرى، تقديراً لما في الإيواء من دفء وهناء وراحة. أقدم علامات العودة هو الراعي الكبير، الذي يتكرر مع الأجيال. ومع حركة الغدو السريع والعودة الهادئة. هو وفرسه المتعبة واصفرار بياضها الملوح بالشمس والأمطار.

يناديها «وفا»، تقديراً لأتعابها. وفي الصباح تكون وفا، مثله، ممتلئة حيوية وتوثباً. وتأبى بعنقها الطويل بحركات تعبر عن رغبتها في الانطلاق. ويهامسها مهدئاً. ويستكمل عدة الرحلة اليومية إلى الحقول. خبز وجبن وناي ورثه عن والده ولا يزال يعزف عليه أناشيد الغنم وحنائن المساء.

في المساء، إذ يعودون، يكونون جميعاً متعبين. وفا وهو والناي والغنمات، الصغرى والوسطى والبكر، مثل عاشقات ابن أبي ربيعة. واليوم الجميع يسرعون الخطى. أبلغهم البرد أن اليوم أول أيام الشتاء، الذي تأخر على جميع مواعيده هذا العام. بدأت المسألة رذاذاً خفيفاً لكن في صوت حاد وغاضب. إذن، ها هو أخيراً أتى. وها كل شيء يتلبد، وكل غيمة سوداء تهمي والأديم صار حلبة سباق وتصادم بين ناقلات المطر.

وتكاد السماء تبدو قريبة وهي تثقل بأحمالها. وفجأة بعد غياب طويل، يعوي ابن آوى من مكان قريب، خائفاً من كثرة الظلام وقلة المؤونة وطول الشتاء على الفقراء أمثاله. وقد بلغته بالتتابع أنباء عن جوع ضرب المدينة ويتصل إلى القرى ولا يتورع.

إنه المساء. الجميع يهرعون. والبيوت تضاء واحداً بعد الآخر. والذين يتأخرون هم الأقل حيلة ووفرة. كل شيء في القرى مؤونة لها حسابها. كل فصل يعد لفصل آخر، الزيوت والحطب والزبيب والجوز. والكلمة الفصل للفصول. واليوم بدأ فصل الداخل. نهاره قصير وليله مثل سياسة لبنان. والناس تتحصن خلف موقد صغير وحكايات قديمة وتسلي الليالي بالليالي وتبدد الملل بالأمل.

أكثر ما يؤسفنا في نهايات الفصول الحرة وبدايات الضيق منها، هو الطيور. مسكينة هي الطيور. أصبح ظهورها قليلاً وحركتها بطيئة، وثمة خوف جلي في رفرفة أجنحتها. أي ورق سوف يكفيها غطاء بعد اليوم، وأين ستعثر في هذا الجدب الأصفر على حبة رمان، أو حبة عنب، الأمطار قد غسلت كل بقايا القمح عن البيادر.

«مهور» يقول القريون عن الشتاء. من وهر. أو مهوار. أو خوف. أو أن «الدنيا موهرة»، أي أن عزلتها تبعث الخوف.
لكنها فترة قصيرة وتصطلح الأشياء، وتتسق العناصر، وتشرق الشمس بلا حساب، وكلما ذهب سليم للتبضع، اشترى لنفسه، ولوفا، كميات متساوية من الفاصولياء يطعمها بيده. يعاتبها. يعتذر لها طويلاً عن خطأ حدث خلال النهار. ثم يعزف لنفسه شيئاً من زهور الشباب، ويغفو.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

مفكرة القرية الناي والغنمات مفكرة القرية الناي والغنمات



GMT 14:25 2025 الأربعاء ,27 آب / أغسطس

الصحيفة.. والوزير

GMT 19:42 2025 الأحد ,17 آب / أغسطس

إنذار جريمة طريق الواحات!

GMT 15:53 2025 الإثنين ,04 آب / أغسطس

خريطة سعدون حمادي

GMT 15:34 2025 الإثنين ,04 آب / أغسطس

مصر للطيران!

GMT 20:44 2025 السبت ,19 تموز / يوليو

الطعن على الوجود

داليدا خليل تودّع العزوبية بإطلالة بيضاء ساحرة وتخطف الأنظار بأناقة لا تُنسى

بيروت ـ المغرب اليوم

GMT 22:07 2025 الثلاثاء ,09 أيلول / سبتمبر

سبع إشارات يومية قد تكون مؤشرا مبكرا لنوبة قلبية
المغرب اليوم - سبع إشارات يومية قد تكون مؤشرا مبكرا لنوبة قلبية

GMT 18:24 2025 الأربعاء ,10 أيلول / سبتمبر

إسرائيل تقصف اليمن في أطول طلعة جوية منذ بدء الحرب
المغرب اليوم - إسرائيل تقصف اليمن في أطول طلعة جوية منذ بدء الحرب

GMT 06:24 2025 الثلاثاء ,09 أيلول / سبتمبر

توقعات الأبراج​ اليوم الثلاثاء 09 سبتمبر/ أيلول 2025

GMT 18:10 2020 الإثنين ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

بداية جديدة في حياتك المهنية

GMT 17:27 2021 الجمعة ,01 كانون الثاني / يناير

يحالفك الحظ في الايام الأولى من الشهر

GMT 07:05 2025 السبت ,06 أيلول / سبتمبر

توقعات الأبراج اليوم السبت 06 سبتمبر/ أيلول 2025

GMT 15:38 2019 السبت ,30 آذار/ مارس

انفراجات ومصالحات خلال هذا الشهر

GMT 03:20 2012 الإثنين ,10 كانون الأول / ديسمبر

الوعي البيئي

GMT 00:52 2020 الخميس ,09 إبريل / نيسان

حلبة تزلج إسبانية تتحول إلى مشرحة

GMT 06:49 2019 الثلاثاء ,21 أيار / مايو

أفضل 5 أفكار لإعادة إحياء جدران منزلك التقليدي

GMT 14:17 2016 الخميس ,05 أيار / مايو

اعتني بأظافرك لتعتني بجمالك

GMT 22:21 2017 الجمعة ,07 إبريل / نيسان

إعلام "التريند"!
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
RUE MOHAMED SMIHA ETG 6 APPT 602 ANG DE TOURS CASABLANCA MOROCCO
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib