من «ماضي» القمم إلى اقتصاد «صانعي الدول»

من «ماضي» القمم... إلى اقتصاد «صانعي الدول»

المغرب اليوم -

من «ماضي» القمم إلى اقتصاد «صانعي الدول»

إياد أبو شقرا
بقلم : إياد أبو شقرا

لننسَ لبُرهة حقيقة أن رئيس الولايات المتحدة هو الزعيم «السياسي» الأقوى في العالم، والقائد الذي بإمكانه إفناء البشرية بكبسة زر، والتسبب في إفلاسها بـ«أمر جمهوري»!

لبرهة دعونا ننسى هذا الواقع ونركز على حقيقتين مهمتين مفروضتين علينا، نحن العرب، في هذه الأيام الاستثنائية من تاريخنا المعاصر.

الحقيقة الأولى تتصل بواقعنا العربي كما هو لا كما نودّ أن نراه، والحقيقة الثانية تتعلّق بالسرعة المذهلة في التغيرات الاقتصادية والتقنية والتحالفية والفكرية على امتداد كوكبنا.

الدول العربية التقت أمس في «قمة» استضافتها العاصمة العراقية بغداد، التي كانت ذات يوم أعظم عاصمة لأعظم إمبراطورية في التاريخ. لكن للأسف جاءت هذه القمة العربية الـ34 في «ظروف» غير مؤاتية، تؤكد عجزنا كـ«أمة» أكثر مما تُظهر قدرتنا على مواجهة التحديات الوجودية.

بدايةً، جاء التمثيل متواضعاً، والاقتناع السائد اليوم في عدد من العواصم العربية بأن الرهان على جدوى أي «عمل عربي مشترك» سقط، إن لم يكن على «هوية عربية واحدة»، ولكن لا مصلحة لأحد في إعلان ذلك وتحمّل تبعاته.

وحقاً، يشعر أي راصد عاقل للوضع العربي بوجود شكوكٍ عميقة يتأجّج جمرها «تحت الرماد»، حيال العديد من القضايا والاستحقاقات الإقليمية. بيد أن الخبرة الطويلة في «التمويه» و«الإنكار» و«التجاهل» والتغاضي» سمحت بالتستر على الحقائق، الأمر الذي أفقد معظم المبادرات والمقاربات السياسية أي قيمة حقيقية.

هذا تماماً ما يتجلّى اليوم في الإخفاق العربي المستمر بمعالجة بؤر التأزم المُزمنة. ولئن ظهرت، بخجل تباشير انفراج لافت في سوريا ولبنان، فقد بدا واضحاً أن لا وجود لاستراتيجية عربية واحدة موحّدة تخفّف من معاناة الفلسطينيين في غزة والضفة الغربية، ولا للتعامل البراغماتي في شأن النفوذ الإيراني، سواءً المستجدّ في اليمن... أو الموروث في العراق، حيث لا يزال النفوذ الأكبر على الأرض لميليشيات طهران. وبالتأكيد، لا مؤشرات في الأفق على نهاية وشيكة للفوضى الليبية، والمحنة المتفاقمة في السودان، والنزاع المتمادي بين الجزائر والمغرب.

لكل ما سبق وغيره، ارتأى أصحاب القرار أن لا حاجة لتحميل «مؤسسة» القمة ما لم يعد بإمكانها تحمّله خارج إطار الإعراب اللفظي السخي عن مشاعر الأخوة والتضامن... وفي المقابل، أداء واجب الاستنكار والشجب.

أما فيما يتعلق بالحقيقة الثانية، أي السرعة المذهلة في التغييرات الاقتصادية والتقنية والتحالفية والفكرية فإنها ستمسّنا. بل بدأت بالفعل في التأثير على حياتنا في العالم العربي والفضاء الإنساني الأوسع منه. وعندما بدأت مقالتي هذه بالقول إن الرئيس الأميركي هو الزعيم «السياسي» الأقوى في العالم، فإنني كنت أمهّد لمستجدات علينا توقّعها والتعايش معها...

في رأيي المتواضع كان ثمة مَن هو أهم بكثير من «السياسي» ترمب على الرغم من نجاح جولته الخليجية «الثلاثية».

إنهم صانعو مستقبل أميركا ونفوذها و«مؤسستها السياسية». والقصد، كوكبة قادة التكنولوجيا والاستثمار في التقنيات المستقبلية والذكاء الاصطناعي من مستوى إيلون ماسك - الذي صار أكبر من «صانع رؤساء» - وتنفيذيو شركات عملاقة بينها إنفيديا وغوغل وأوبن إيه آي وبلاكروك وأوبر وبلاكستون... وغيرها من كبريات شركات أميركا المُدرجة في قائمة الـ«فورتشن 500».

هؤلاء هم الذين يقودون هجمة أميركا في «حربها» ضد مُتحدّيها المستقبليين، وعلى رأسهم الصين.

ولكن إذا كانت الصين تجمع في «ترسانتها التقنية - الاقتصادية» خُلاصة جهود القطاعين العام (الحكومي) والخاص، فإن «واشنطن ترمب» تبدو اليوم وكأنها تسير متسلّحة بقوى القطاع الخاص وحده، في الإلغاء التدريجي لأي دور غير استهلاكي (أو شرائي) للإنسان.

بكلام أوضح، واشنطن الحالية لا تريد معوّقات ولا كوابح ولا معايير تقييدية للاستثمار، تحت أي مسمى «تنظيمي» قانوني. وهي ضد أي أنظمة وتشريعات معيارية قد تبطئ تسارع «الانفتاح» و«التحرير» الاقتصادي. ومن هنا يكتسب الصراع على المستقبل، وخاصة مع الصين، بعداً مهماً له تداعيات سياسية في زمن تراجع «الفكر» أمام «المصلحة».

مفهوم «الدولة» نفسه بات في الميزان...

منطق «المحاسبة» صار عبئاً على النجاعة...

مبدأ «الحريات العامة» غدا وجهة نظر...

فكرة «الديمقراطية» المحمية بحكم الدستور أضحت مسألة خلافية، وفي أفضل الحالات، جدلية استنسابية...

كيف لا... عندما تربو ميزانيات شركات عملاقة تخوض هذا الصراع الكوني، بأضعاف، على ميزانيات دول مستقلة؟! وهذا ما يعيدني لتكرار مقولة أميركية كنت سمعتها في سنتي الجامعية: «إذا كانت الآيديولوجيا سلاح حرب القرن الـ20 فالتكنولوجيا هي سلاح حرب القرن الـ21».

ومن ثم، ليس من قبيل المفارقة أن تكون مقولة «شأن أميركا هو التجارة» America’s business is business، منسوبة – ولو بسياق مختلف – إلى الرئيس الأميركي الجمهوري كالفن كوليدج (حكم بين 1923 و1929)، الذي كان من كبار المؤمنين بتقزيم دور الدولة في الاقتصاد، وبارتباط نجاعة الحكومات بإحجامها عن التدخل في آليات السوق!

في عالم المستقبل، المقبل علينا بسرعة ما كنا مستعدين لها، أخشى ألا تتمكن مجتمعاتنا، ولا الحالة الراهنة لثقافتنا ونمط تفكيرنا، من استيعاب التغيير من دون آلام وأكلاف باهظة.

نضجنا سيكون مكلفاً جداً...

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

من «ماضي» القمم إلى اقتصاد «صانعي الدول» من «ماضي» القمم إلى اقتصاد «صانعي الدول»



GMT 14:43 2025 الأحد ,26 تشرين الأول / أكتوبر

سوريا الأستاذ وديع

GMT 14:41 2025 السبت ,25 تشرين الأول / أكتوبر

في حب الصحراء: شريان الحياة

GMT 14:38 2025 الأحد ,26 تشرين الأول / أكتوبر

الرئيس والممسحة

GMT 14:33 2025 الأحد ,26 تشرين الأول / أكتوبر

السلاح... أو حين يكون المكسب صفراً والهزيمة مطلقة

GMT 14:28 2025 الأحد ,26 تشرين الأول / أكتوبر

من سيلحق بكندا... في «التعامل بالمثل» مع ترمب؟

GMT 14:24 2025 الأحد ,26 تشرين الأول / أكتوبر

ترمب وخصومه في «حيْصَ بيْص»

GMT 14:23 2025 السبت ,25 تشرين الأول / أكتوبر

سموتريتش وحقد الجِمال

GMT 14:19 2025 السبت ,25 تشرين الأول / أكتوبر

القطبية الصينية ومسار «عالم الغابة»

رحمة رياض تتألق بإطلالات متنوعة تجمع بين الأناقة والجرأة

الرياض - المغرب اليوم

GMT 16:43 2025 الثلاثاء ,28 تشرين الأول / أكتوبر

منع دخول مغاربة إلى تونس يثير موجة شكاوى واستياء
المغرب اليوم - منع دخول مغاربة إلى تونس يثير موجة شكاوى واستياء

GMT 11:40 2025 الثلاثاء ,28 تشرين الأول / أكتوبر

تصميمات رخامية تُعيد إحياء الحمّامات الرومانية في قلب بيروت
المغرب اليوم - تصميمات رخامية تُعيد إحياء الحمّامات الرومانية في قلب بيروت

GMT 19:13 2025 الأربعاء ,29 تشرين الأول / أكتوبر

ملف الصحراء المغربية يعود للواجهة ومؤشرات حسم دولية قريبة
المغرب اليوم - ملف الصحراء المغربية يعود للواجهة ومؤشرات حسم دولية قريبة

GMT 17:33 2025 الأربعاء ,29 تشرين الأول / أكتوبر

باراغواي تعلن فتح قنصلية عامة في الصحراء المغربية
المغرب اليوم - باراغواي تعلن فتح قنصلية عامة في الصحراء المغربية

GMT 16:35 2025 الثلاثاء ,28 تشرين الأول / أكتوبر

الذكاء الاصطناعي يساعد الأطباء على منع السكري قبل ظهوره
المغرب اليوم - الذكاء الاصطناعي يساعد الأطباء على منع السكري قبل ظهوره

GMT 17:49 2025 الأربعاء ,29 تشرين الأول / أكتوبر

بحضور النجوم إليسا تحتفل بعيد ميلادها
المغرب اليوم - بحضور النجوم إليسا تحتفل بعيد ميلادها

GMT 16:47 2022 الجمعة ,14 كانون الثاني / يناير

حزب التجمع الوطني للأحرار" يعقد 15 مؤتمرا إقليميا بـ7 جهات

GMT 07:54 2020 الثلاثاء ,06 تشرين الأول / أكتوبر

حظك اليوم برج الأسد الجمعة 30 تشرين الثاني / أكتوبر 2020

GMT 12:35 2020 السبت ,26 أيلول / سبتمبر

حظك اليوم برج السرطان السبت 26-9-2020

GMT 15:36 2020 الإثنين ,01 حزيران / يونيو

تنفرج السماء لتظهر الحلول والتسويات

GMT 19:02 2020 الجمعة ,01 أيار / مايو

أبرز الأحداث اليوميّة

GMT 15:31 2020 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

تنجح في عمل درسته جيداً وأخذ منك الكثير من الوقت

GMT 12:47 2017 السبت ,16 كانون الأول / ديسمبر

تعرف على أهم المعالم السياحية لمدينة "نامور" في بلجيكا

GMT 03:54 2016 الإثنين ,28 آذار/ مارس

فوائد المستكة لحماية الفم من البكتيريا

GMT 09:49 2024 الخميس ,31 تشرين الأول / أكتوبر

أفكار لاستغلال زوايا المنزل وتحويلها لبقعة آسرة وأنيقة

GMT 17:15 2014 الإثنين ,21 إبريل / نيسان

education interview testing

GMT 06:40 2017 الخميس ,26 تشرين الأول / أكتوبر

موضة الفستان الأسود لشتاء 2018 لإطلالة مفعمة بالدفء

GMT 15:21 2022 الخميس ,06 كانون الثاني / يناير

ليونيل ميسي يضع شرط الخروج السريع من باريس سان جيرمان

GMT 02:12 2019 الثلاثاء ,05 تشرين الثاني / نوفمبر

سان لوران يعتمد على الجرأة والإثارة فى عرض ديور وسان لوران

GMT 11:30 2018 الأحد ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

"سامسونغ" تستعد إلى الكشف عن تلفاز جديد بدقة 8K
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
RUE MOHAMED SMIHA ETG 6 APPT 602 ANG DE TOURS CASABLANCA MOROCCO
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib