اعتقال نتنياهو بين الخيال والواقع

اعتقال نتنياهو بين الخيال والواقع

المغرب اليوم -

اعتقال نتنياهو بين الخيال والواقع

جبريل العبيدي
بقلم : د جبريل العبيدي

هل سيبقى اعتقال رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، ضرباً من الخيال، أم سيتحول إلى واقع بعد صدور مذكرة «طلب امتثال» أمام محكمة الجنايات الدولية بحقه هو وتابعه السابق وزير دفاع جيش حرب إسرائيل يوآف غالانت، وكل منهما متهم بجرائم انتهاك للقانون الدولي وارتكاب جرائم حرب وإبادة في غزة؟

نتنياهو استخدم التجويع سلاحاً في الحرب، فجاء قرار المحكمة ليتهمه بجرائم ضد الإنسانية، متمثلة في القتل، والاضطهاد، مع تقييد ومنع وصول الإمدادات الطبية والأدوية للمدنيين.

يقول بيان المحكمة: «وجدت الدائرة أسباباً معقولة للاعتقاد بأن نتنياهو وغالانت يتحملان المسؤولية الجنائية» عن توجيه هجوم متعمد ضد السكان المدنيين، وإن الشخصين كليهما «حرما السكان المدنيين في غزة عمداً وعن علم من الأشياء التي لا غنى عنها لبقائهم على قيد الحياة، بما في ذلك الغذاء والماء والأدوية والإمدادات الطبية، وكذلك الوقود والكهرباء، وذلك من 8 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، على الأقل إلى 20 مايو (أيار) 2024».

بعد قرار المحكمة ليس من المستغرب فقط صدور المذكرة والإشارات الحمراء، بل الأغرب أيضاً تصريحات الدول التي تعدّ دائماً الداعم لقادة إسرائيل، ومنها دول أوروبية عدة، برغم أن فرنسا تحدثت عن حصانة يتمتع بها نتنياهو. في المقابل، تركت بريطانيا الباب موارباً، لكنها تعهدت بالتزام قرار المحكمة واعتقال نتنياهو وغالانت في حال دخول أراضيها أو المرور بها. والغريب كذلك أن القرار صدر من محكمة لطالما اتُّهمت بالانحياز لقضايا دون أخرى، بل وصفها البعض بأنها «محكمة العالم الثالث».

لعل مذكرة اعتقال نتنياهو وغالانت تعدّ خطوة أولى نحو تحقيق العدالة للضحايا ولو شكلياً، فصدور المذكرة في حد ذاته نقلة نوعية في مجال ملاحقة مجرمي الحرب وصانعي الحروب وإبادة الشعوب، وقد حركت المياه الراكدة في ملف إدانة قادة إسرائيل، بل وجعلتهم في شبه عزلة دولية.

نتنياهو مسرف في القتل والدمار بين غزة ولبنان من دون رادع حقيقي لما يفعل في الحرب وإطالة عمرها، ليتمكن من الفرار من ملاحقات بقضايا فساد في إسرائيل، ولكن اليوم أصبح الأمر أكثر شدة عليه؛ لأنه ملاحق محلياً ودولياً، مما قد ينعكس على حالة الهياج والسعار المصاب بها من الحرب والقتل والدمار والاختباء خلف أشلاء القتلى ودماء الأبرياء وركام دمار البيوت في غزة ولبنان.

أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، أنه لن يعترف بقرار المحكمة الجنائية الدولية، وأنه يدرس خيارات الرد عليها، حيث قال في مؤتمر صحافي: «اليوم هو يوم أسود في تاريخ الشعوب»، متناسياً أن الشعوب فرحة بالقرار ولا تراه يوماً أسود. فنتنياهو المنفصل عن الواقع يرى في القرار «إفلاساً أخلاقياً ويمس بالدول الديمقراطية»، بينما الواقع يثبت العكس، وأن الإفلاس الأخلاقي منبعه سياسته التي أصبحت أداة إبادة حتى للرهائن في مخبئهم، حيث قتل عشرات الرهائن الإسرائيليين بسبب تسويفه ومكابرته بقراره استمرار حرب الإبادة والتجويع والدمار.

عنجهية نتنياهو ما كان لها أن تستمر وتتمادى لولا «صك الغفران» الممنوح له من الرئيس الأميركي المنتهية ولايته جو بايدن الذي وصف قرار «المحكمة» بـ«الشائن»، مما يعكس استمرار بايدن وإدارته في دعم جرائم نتنياهو، وكذلك يعدّه مكتب نتنياهو قراراً «معادياً» للسامية؛ التهمة الجاهزة لكل من لا يوافق على حرب الإبادة التي يخوضها جيش نتنياهو مدججاً بأحدث الأسلحة والقنابل ضد شعب لا يمتلك ما يسد جوعه.

بعيداً عن رفض نتنياهو وأنصاره قرار «المحكمة»، فإن صحيفة «هآرتس» نقلت عن مسؤولين عسكريين إسرائيليين تخوفاً وقلقاً من أنه سابقة قد تؤدي إلى إصدار مذكرات اعتقال ضد شخصيات عسكرية أخرى رفيعة المستوى شاركت في الحرب. ولعل هذا التخوف حالة صحية قد تدفع بكثير من جنرالات نتنياهو إلى التخلي عنه، وإلا أصبحوا معه في زنزانة واحدة؛ حتى ولو في الحلم أو الخيال. ولكن مجرد صدور القرار، وعزم دول كبرى بحجم بريطانيا وإيطاليا وفرنسا تنفيذه، سيكون لهما أثر مهم في كبح جماح كثير من جنرالات حرب نتنياهو وعطشهم لدماء الفلسطينيين، بعد أن كانوا في مأمن من العقاب، الأمر الذي أصبح غير متوفر لهم مستقبلاً بعد سابقة إصدار مذكرات اعتقال لأول مرة في حق قادة إسرائيليين بحجم نتنياهو.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

اعتقال نتنياهو بين الخيال والواقع اعتقال نتنياهو بين الخيال والواقع



GMT 15:42 2025 الإثنين ,08 أيلول / سبتمبر

سيارات على طريق القدس

GMT 15:40 2025 الإثنين ,08 أيلول / سبتمبر

اختفاء موسى الصدر... المجد للصحافة

GMT 15:38 2025 الإثنين ,08 أيلول / سبتمبر

قمة شنغهاي وإقامة نظام عالمي جديد

GMT 15:36 2025 الإثنين ,08 أيلول / سبتمبر

القرار والأخطار والمستشار

GMT 15:35 2025 الإثنين ,08 أيلول / سبتمبر

بيولوجيا السياسة... شي وبوتين

GMT 15:32 2025 الإثنين ,08 أيلول / سبتمبر

معادلة برّي: تطبيع ما هو غير طبيعي

GMT 15:30 2025 الإثنين ,08 أيلول / سبتمبر

طب الفاتيكان كمان وكمان

GMT 15:28 2025 الإثنين ,08 أيلول / سبتمبر

القضية فى ست كلمات

داليدا خليل تودّع العزوبية بإطلالة بيضاء ساحرة وتخطف الأنظار بأناقة لا تُنسى

بيروت ـ المغرب اليوم

GMT 22:09 2025 الإثنين ,08 أيلول / سبتمبر

سيلينا غوميز تحتفل بمرور عشر سنوات على ألبوم Revival
المغرب اليوم - سيلينا غوميز تحتفل بمرور عشر سنوات على ألبوم Revival

GMT 15:40 2017 الإثنين ,17 إبريل / نيسان

جمهور "الرجاء" ضمن أفضل عشرة مشجعين في العالم

GMT 02:22 2014 الخميس ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

شركة "DFSK" تطرح السيارة "K01" في مصر بـ46 ألف جنيه

GMT 10:13 2023 الأحد ,29 تشرين الأول / أكتوبر

ترامب يُؤكد أنه يقف بنسبة 100 بالمئة إلى جانب إسرائيل

GMT 16:52 2022 الجمعة ,25 تشرين الثاني / نوفمبر

منتخب البرازيل يعلن مدة غياب نيمار عن الملاعب

GMT 18:23 2022 الإثنين ,10 كانون الثاني / يناير

المغرب يعلن اكتشاف كمية مهمة من الغاز قبالة سواحل العرائش

GMT 06:33 2021 الثلاثاء ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

تضاعف الاستثمارات الخارجية للمغرب 5 مرات مع نمو الصادرات

GMT 18:10 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

يبدأ الشهر بيوم مناسب لك ويتناغم مع طموحاتك

GMT 06:05 2020 الجمعة ,12 حزيران / يونيو

أحذية رجالية بتصاميم استثنائية من "ستيف مادن"

GMT 20:18 2020 الإثنين ,27 إبريل / نيسان

مطعم أسترالي ينقل البيتزا بالطائرة دليفري
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
RUE MOHAMED SMIHA ETG 6 APPT 602 ANG DE TOURS CASABLANCA MOROCCO
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib