فاتورة حرب أوكرانيا وتقريع زيلينسكي

فاتورة حرب أوكرانيا وتقريع زيلينسكي

المغرب اليوم -

فاتورة حرب أوكرانيا وتقريع زيلينسكي

جبريل العبيدي
بقلم : د جبريل العبيدي

يعدّ توبيخ الرئيس الأميركي، دونالد ترمب، الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي، سابقة تاريخية، إذ قال له: «أظهرتَ قلة احترام لأميركا» وأضاف: «أنتم تقامرون بإشعال حرب عالمية ثالثة فيما لا تملكون أوراقاً للمساومة. إمّا توقيعكم على اتفاق سلام مع روسيا، وإلا فسننسحب»، كان ذلك خلال لقاء جمعهما في البيت الأبيض، فيما أكّد ترمب على ضرورة إنهاء الحرب وتقديم تنازلات من أجل إبرام اتفاق سلام، واتفاق آخر بشأن تقاسم ثروات أوكرانيا المعدنية مع أميركا.

فالرئيس ترمب يرى أنه «لا يوجد اتفاق دون تنازلات، فلذلك ستكون هناك حاجة بالتأكيد لتقديم تنازلات» كما قال بلغة قاسية وصادمة للرئيس الأوكراني الذي لطالما استُقبل في أميركا وأوروبا على أنه «HERO (بطل)»، بينما أصبح في نظر ترمب مجرد «ZERO (صفر)» كما علقت الصحافة الأميركية بمانشيت «From HERO to ZERO (من بطل إلى صفر)».

زيلينسكي غادر البيت الأبيض غاضباً بعد عاصفة من التوبيخ أطلقها ترمب، الذي غرد على صفحته بعد إلغاء المؤتمر الصحافي لهما قائلاً: «لقد أهان زيلينسكي الولايات المتحدة، ويمكنه العودة عندما يكون جاهزاً للسلام».

زيلينسكي الذي لا يزال يعاني من حالة «شيزوفرينا (فصام)» سياسية مع الواقع بسبب الاستمرار في الحسابات الخاطئة، عرض على ترمب صوراً للحرب، وقال إنه «لا مساومة مع قاتل على أراضينا»، وإن «الروس المجانين» رَحّلوا أطفالاً أوكرانيين وارتكبوا جرائم حرب خلال غزوهم.

وفي محاولة من الجانب الأوروبي لترضية زيلينسكي، قالت وزيرة خارجية ألمانيا، أنالينا بيربوك: «أوكرانيا ليست وحدها»، وقال رئيس الوزراء البولندي، دونالد توسك، إن الرئيس الأوكراني ومواطنيه «ليسوا وحدهم»، وأكد رئيس ليتوانيا، غيتاناس ناوسيدا، أن «أوكرانيا لن تسير وحدها أبداً»، وأعلنت هولندا استمرار دعمها أوكرانيا لأطول مدة ومهما كلف الأمر.

وما بين توبيخ ترمب، ومداواة وزراء أوروبا زيلينسكي، استغربت وزارة الخارجية الروسية «كيف كبح ترمب نفسه ولم يضرب زيلينسكي؟»، ووصفت الأمر بأنه «معجزة ضبط النفس»، بينما قالت صحيفة «وول ستريت جورنال»: «ترمب طرد زيلينسكي من البيت الأبيض»، الأمر الذي أكدته أيضاً صحيفة «واشنطن بوست»؛ مما يعكس نهاية شهرِ العسل بين أوكرانيا وأميركا، وقصةِ البطل الذي سيُهزم في بضعة أسابيع بمجرد تخلي أميركا عنه، وهو ما أُعلنَ عنه في لقاء الفراق بين ترمب وزيلينسكي بالبيت الأبيض.

وبعيداً عن التلاسن والتوبيخ، تبقى الأزمة الأوكرانية مع فشل معالجتها سياسياً، فتيلاً حقيقياً يمكنه إشعال الحرب العالمية الثالثة نووياً، فقد كانت الجهود الغربية والأميركية موجهة إلى إشعال الحرب بوقود السلاح الأميركي والأوروبي، ظناً منهم أن السلاح والعتاد سيهزم روسيا في جغرافيا ليست غريبة على الجيش الروسي منذ زمن الاتحاد السوفياتي، واستمرت المعالجة الغربية للحرب في أوكرانيا بوضع خطط معاقبة روسيا وإضعافها، خصوصاً اقتصادياً، ولم يكن هناك أي جهود لمنع وقوع الحرب أو التوسط لإيقافها.

الخطر النووي يعدّ من أكبر مخاوف حرب أوكرانيا، وهو ما قد يجعل العالم أمام حرب عالمية ثالثة غير معلنة، فهل سينهي الحرب المندلعة مجرد تحييد أوكرانيا، ونزع سلاحها؟ لا أعتقد أن الأمر باتت تسويته ممكنة بهذا الشكل فقط، بل سيتجاوز ذلك إلى تقسيم وتجزيء الجغرافيا الأوكرانية، التي لن تعود كما كانت قبل الحرب، فجزء من جذور الأزمة إعادة رسم خريطة المنطقة وإعادة توزيع ديموغرافيا السكان وفق المنظور الروسي المتحالف مع الانفصاليين في المنطقة، وهذا من مسببات الحرب.

الأزمة الأوكرانية لم تعالَج غربياً بشكل ينزع فتيلها، بل كانت جميع القرارات والمفاوضات الخجولة تدفع نحو مزيد من التصعيد والتعنت باتجاه استمرار الحرب، وكأن الغرب و«حلف شمال الأطلسي (ناتو)» يستهدفان جرَّ الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، نحو مستنقع الحرب في أوكرانيا، لإغراق روسيا المثقلة بوضع اقتصادي صعب، متناسيَين أن سرعة التموضع والاعتياد الروسي سيمكنانها من الاستمرار في حرب كان من الممكن منع حدوثها.

فاتورة حرب أوكرانيا تضاعفت وتجاوزت نصف تريليون دولار، ولم يعد من المنطقي الإنفاق على حرب لا طائل منها ولا أمل للانتصار فيها؛ الأمر الذي فهمه ترمب بلغة الاقتصاد والحسابات والأرقام، وجهله «البطل» سابقاً زيلينسكي، الذي لا يزال يريد من أميركا الاستمرار في دفع فاتورة الحرب بشيك مفتوح؛ الأمر الذي تسبب في مغادرة زيلينسكي، أو طرده من البيت الأبيض كما يشاع، مما يعكس حجم الخلاف بين الطرفين.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

فاتورة حرب أوكرانيا وتقريع زيلينسكي فاتورة حرب أوكرانيا وتقريع زيلينسكي



GMT 15:13 2025 الأحد ,06 تموز / يوليو

وثائق وحقائق

GMT 15:11 2025 الأحد ,06 تموز / يوليو

متى يصمت المحللون والمعلقون؟!

GMT 15:10 2025 الأحد ,06 تموز / يوليو

جنازة جوتا و«إللّي اختشوا ماتوا»

GMT 15:08 2025 الأحد ,06 تموز / يوليو

عن السلم والإذلال والمسؤوليّة الذاتيّة

GMT 15:05 2025 الأحد ,06 تموز / يوليو

قسمةُ ملايين

GMT 15:03 2025 الأحد ,06 تموز / يوليو

جهة أخرى يعلمها الله!

GMT 15:02 2025 الأحد ,06 تموز / يوليو

إعلان إفلاس

GMT 17:50 2018 السبت ,27 كانون الثاني / يناير

"أون" تبدأ عرض مسلسل "أبو العلا 90 " لمحمود مرسي

GMT 13:20 2018 الجمعة ,19 كانون الثاني / يناير

الملك محمد السادس يبعث برقية عزاء في رئيس تشاد

GMT 07:47 2017 الثلاثاء ,10 كانون الثاني / يناير

بطولة الخريف

GMT 00:31 2017 الأربعاء ,06 أيلول / سبتمبر

الكشف عن تفاصيل ألبوم شيرين عبد الوهاب المقبل

GMT 13:02 2022 الأحد ,26 حزيران / يونيو

أفكار بسيطة في الديكور لجلسات خارجية جذّابة

GMT 11:33 2019 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

جريمة قتل تهزّ "سوق الجملة" في مدينة تطوان المغربية

GMT 06:41 2019 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

رئيس الكوكب المراكشي في "قفص الاتِّهام" بسبب مِلفّ السعيدي

GMT 12:37 2019 الجمعة ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

بوصوفة يشيد برونارد ويعتبر المدرب الأفضل بإفريقيا

GMT 05:08 2019 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

"فورد" تطلق سيارتها الحديثة "موستانغ ماخ إي" الكهربائية

GMT 11:03 2019 الأربعاء ,06 تشرين الثاني / نوفمبر

إصابة اسماعيل الحداد لا تدعو إلى القلق
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib