من بلفور إلى ترمب

من بلفور إلى ترمب

المغرب اليوم -

من بلفور إلى ترمب

إنعام كجه جي
بقلم : إنعام كجه جي

التاريخُ منجمٌ عميقٌ، حتى لو كانَ قريباً، أي تلك الشواهد التي وقعت قبلَ نحوِ 100 عام. رسالةٌ صدرت عن سياسيّ بريطاني كانت كافيةً لإشعال منطقتنا الجغرافية على مدى عقود. يمضي جيلٌ ويأتي جيلٌ والنزاع قائمٌ. ليس هناك ما هو أشطرُ من الحروب في التناسل. تُزهق الأرواح وتتبدّد الثروات بسبب وعدٍ أطلقه رجل.

تعرفونه. اسمه آرثر بلفور. ولا بأس من التذكير به. يقول نجيب محفوظ إنَّ آفة حارتنا النسيان. كان وزيراً لـ«الخارجية» يوم تكرّم وقدّم، في خريف 1917، وعداً حمل اسمَه نزل كارثة على العرب. عانى من آثاره آباؤنا، وعانينا، ويعاني أبناؤنا، وسيعاني أحفادنا. جاء في رسالة بلفور: «تنظر حكومة صاحب الجلالة بعين العطف إلى إقامة وطن قوميّ لليهود في فلسطين». وفيما بعد لخَّص الصحافي البريطاني أرتور كوستييه، وهو يهوديٌّ من مواليد المجر، تلك الرسالة المسمومة بعبارة واضحة: «أمة واحدة وعدت أمةً ثانية بأراضي أمة ثالثة». أمَّا شاعرنا العراقي معروف الرصافي فقد خاطب صاحب الوعد ببيت شهير:

لو كنتَ من أهلِ المكارمِ لم تكنْ

من جيبِ غيرِك محسناً يا بلفُرُ

تلقف يهود الشتاتِ الرسالة مثل نصّ مقدّس. راحتِ السفنُ تنقلهم إلى أرض الميعاد. تطابق الوعدُ الدنيوي مع الوعد الديني وفقاً لأقوالهم. وما كان يمكن تفادي الاصطدام بين أهل البلاد وجحافل الطارئين. ويسجل المؤرخ والأكاديمي الفلسطيني خلدون نويهض في مذكراته غير المنشورة، أنَّه كانَ طفلاً في القماط حين انطلقت الرصاصات الأولى بين العرب واليهود في القدس، عام 1929. مواجهة دموية عرفت باسم «ثورة البراق».

حائط يعدّه الفلسطينيون وقفاً إسلامياً. فيه ربط نبيّهم دابّتَه البيضاء، «البُراق»، ليلة الإسراء. صاحَ اليهود لا، هذا حائط المبكى، تحته يقعُ هيكل نبيّهم سليمان. وكان اتفاقٌ شفاهي بين الطرفين قد قضى بألا يشيّدَ اليهود بناءً قريباً من الحائط وساحته. وظلَّ التقليد سارياً لسنوات. ثم حلّ الانتداب البريطاني وهطل المهاجرون اليهود من أوروبا. ما عادوا يحترمون الاتفاق. يضعون الكراسي في الباحة ويصلّون أمام الحائط.

في عز صيف ذلك العام، مع احتفال المسلمين بالمولد النبوي، وصل عشرات اليهود وهم يصيحون: الحائط لنا. مسيرة رتّبتها حركة «بيتار» المتطرفة، يوم الحداد على خراب هيكل سليمان. ردّ عليهم العرب بمسيرة اتجهت نحو حائط البُراق، وخطب فيها الشيخ حسن أبو السعود. بدأت المواجهات من يومها ولم تتوقف.

يقول المثل: لا يرد الكريم إلا البخيل. ففي 2019 ارتأى الرئيس الأميركي ترمب أن الجولان من حق إسرائيل. ورد عليه مسؤول فلسطيني بأن ولاية كاليفورنيا من حق المكسيك. ولّى بلفور وبقيت لوحة زيتية له معلقة في جامعة كمبردج البريطانية. ثم امَّحت اللوحة. في ربيع العام الماضي، قامت ناشطة مؤيدة لفلسطين برش الطلاء عليها وتشويهها. يمكنهم بالتأكيد ترميمها؛ لكن، من يرمم جراح الخطأ التاريخي؟

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

من بلفور إلى ترمب من بلفور إلى ترمب



GMT 15:28 2025 الجمعة ,04 تموز / يوليو

مسلم ــ شيوعي ــ يساري

GMT 15:24 2025 الجمعة ,04 تموز / يوليو

مَن يعبر مِن حرائق الإقليم؟

GMT 15:23 2025 الجمعة ,04 تموز / يوليو

«الثنائي الشيعي» و«كوفيد ــ 26»

GMT 15:21 2025 الجمعة ,04 تموز / يوليو

قتل العلماء أو قتل القوة؟

GMT 15:20 2025 الجمعة ,04 تموز / يوليو

الغباء البشري

GMT 15:19 2025 الجمعة ,04 تموز / يوليو

صلاح ومحمود «بينج بونج»!

GMT 00:48 2016 الثلاثاء ,19 كانون الثاني / يناير

شيماء الزمزمي بطلة للمغرب في رياضة الجمباز

GMT 17:43 2021 الإثنين ,01 شباط / فبراير

التفرد والعناد يؤديان حتماً إلى عواقب وخيمة

GMT 08:56 2019 الثلاثاء ,22 تشرين الأول / أكتوبر

تنصيب ناروهيتو إمبراطورا لليابان رسمياً

GMT 17:34 2017 الثلاثاء ,12 كانون الأول / ديسمبر

مصر تحتضن أول بطولة عربية في مضمار الدراجات «بي.إم .إكس»

GMT 08:59 2018 الإثنين ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

هيفاء وهبي تؤكد وجود الكثير من النساء الذين يفقنها جمالًا

GMT 04:17 2018 الأربعاء ,03 كانون الثاني / يناير

الدرك الملكي يحجز كمية مهمة من المواد المنظفة المزيفة

GMT 13:09 2012 الأربعاء ,27 حزيران / يونيو

اليمن: حملة توعية بالحديدة بأهمية حماية البيئة

GMT 15:36 2017 الأربعاء ,22 تشرين الثاني / نوفمبر

تشييع جثمان الجنرال دوكور دارمي عبد الحق القادري
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib