في ما خصّ السلام والحرب بين لبنان وإسرائيل

في ما خصّ السلام والحرب بين لبنان وإسرائيل

المغرب اليوم -

في ما خصّ السلام والحرب بين لبنان وإسرائيل

حازم صاغية
بقلم - حازم صاغية

كعادتهم ينأى اللبنانيّون بالنفس عن مناقشة المسائل الحيويّة في حاضرهم ومستقبلهم. وبدل النقاش، تحلّ مماحكة يُناكد فيها المتكلّمُ خصمَه، مستخدماً القضايا الكبرى في تراشق صغير. وكالعادة أيضاً، لن يكون صعباً اكتشاف مقدّمات أهليّة وطائفيّة ينطلق منها «الرأي» ويعود إليها. لهذا، ورغم تاريخنا في الحروب والدم المسفوك، لم نعرف حركة سلميّة (باسيفيّة) تناهض الحرب وتعبر الطوائف والجماعات. واستطراداً، فحين نتناول الحرب والسلام، وتسليم سلاح «حزب الله» بالتالي، نادراً ما يحضر مبدأ السلام بذاته كقيمة كونيّة.

فليس لدينا ما يعلو، ونعلو به، فوق انقسام الطوائف ومواقفها الجاهزة. هكذا ينتصب موقف يستهين أصحابُه بالعنف، وغالباً ما يمجّدونه، مقابل موقف يردّد أصحابه أسباباً كثيرة تعلّل رفضهم الحرب، لكنّهم يستنكفون عن تطوير ثقافة سلميّة أصلب وأعمق. وهذا ما يوحي بأنّ نزعة التغلّب وباطنها العنفيّ يتحكّمان بالموقفين – موقف القائلين بعدم تسليم السلاح وموقف المهدّدين بأنّ إسرائيل ستجمع السلاح إن لم يُسلَّم.

ولأنّ الأمور هكذا، فإنّ الموقف العاطفيّ، تمسّكاً به أو نبذاً له، يحتلّ موقعاً مركزيّاً في المهاترة. فالذين لا يريدون أيّ سلام مع الدولة العبريّة غالباً ما يستعيدون الصفحات السوداء في تاريخ العداء المشترك، ويشيرون بإصبعهم إلى ما ينزل بغزّة، كي يستنتجوا استحالة السلام مع «غدّة سرطانيّة». أمّا الذين يريدون السلام فيتصرّفون تصرّف بيروقراطيٍّ يجمع الأرقام ويطرحها، بعيداً من كلّ حسبة عاطفيّة مصدرها تجارب الماضي. ذاك أنّ رهانهم المعلن يقوم على المنافع والمصالح، وعلى صفحات بيضاء يخبّئها لنا مستقبل ناهض على التعاون بما يطوي ذكريات الماضي وعواطف العاطفيّين.

والسلام، في الحالات كافّة، ليس مسألة عاطفيّة، من دون أن يعني ذلك انعدام الاكتراث بالعواطف. فدُعاتُه ليسوا محكومين بالضرورة بأن يكونوا مولعين بإسرائيل، وليس من الضارّ أن يكون بينهم من يساوره القلق حيالها كجارٍ بالغ القوّة، فيربط رغبته في السلام برغبة أخرى في تطويق أسباب ذاك القلق وتجفيف مصادره.

وهناك أسباب عقلانيّة كثيرة وراء تفضيل السلم. ذاك أنّ الحرب، فضلاً عن الموت والألم اللذين تتسبّب بهما، تترك أثراً شديد السلبيّة على علاقاتنا الداخليّة، أي على القليل المتبقّي من وحدة وطنيّة. وبتنا نعرف، منذ أواخر الستينات، أنّ كلّ سلاحٍ يُحمل لمقاتلة إسرائيل سلاحٌ يقصف عيش اللبنانيّين الذي يُفترض أن يكون مشتركاً.

إلى هذا، بات الخروج من الحرب ورمي سلاحها يشرطان خلاصنا الاقتصاديّ وقدوم الاستثمارات ومباشرة التعمير وفكّ العزلة في المنطقة والعالم.

وفي المقابل، لم يعد في جعبة دعاة الحرب والسلاح ما يقترحونه سوى الحَرد وانسداد الآفاق. وبالطبع ليس ثمّة من يملك ترف الحَرَد والعيش فيه، فيما تطحن اللبنانيّين كوارثهم السياسيّة والاقتصاديّة، وهذا بعدما احترقت تماماً ورقة المقاومة وأحرقت أصابع المقاومين.

ولا ينفع، تمسّكاً منّا بحرب لا يوجد من يخوضها، اختراع «أطماع» إسرائيليّة في لبنان، أو التلويح بمخاطر وجوديّة مصدرها جارٌ شرّير سوف يبتلعنا أو يمعسنا حتّى لو اعتنقنا جميعاً مذهب المهاتما غاندي في اللاعنف.

بيد أنّ مكافحة التضخّم العاطفيّ، الذي يمضي في مناكفة العقل، لا تعني تحكيم عقل بارد يحتقر العواطف ويعزف عن مخاطبتها. فهذا أقرب إلى تبسيط مؤذٍ يندرج فيه تبشير البعض بانتقالنا، بين يومي أربعاء وخميس، إلى المتاجرة مع إسرائيل والتعاون في تطوير استخدامنا للذكاء الاصطناعيّ. ولا يفيد، كذلك، أن نحلّ المشكلة حلاًّ كلاميّاً ملوّحين بخرافة الانتقال «من الآيديولوجيا إلى التكنولوجيا»، كما لو أنّ التعويل على الأخيرة مُبرّأٌ من الآيديولوجيا. فهذه الصِيَغ المبسّطة، التي تحاكي الوعي الترمبيّ للعالم وللسياسة، يصدمها الواقع المعقّد بطرق شتّى فتشيح بنظرها عن الموت والدمار والتهجير والجروح النفسيّة الكثيرة. وربّما كان آخر تعابير صدمة الواقع ما أعلنه وزير الخارجيّة الإسرائيليّ جدعون ساعر عن السلام مع سوريّا. فهو تحدّث عن تطبيع يبقي السيادة الإسرائيليّة على مرتفعات الجولان. وعقبات كهذه قد لا تكون مستحيلة الحلّ إلاّ أنّ تجاهلها مستحيل.

لكنْ إذا كان الدفاع عن السلام لا يحجب تعقيدات السلام ومصاعبه، فإنّ التعقيدات والمصاعب لا ينبغي لها أن تستبعد الدفاع عن السلام. وفي ما خصّ العواطف التي حفّت دائماً بالنزعة الحربيّة بات من غير المفيد تجاهل الانقلاب الذي بات يطال سائر المعاني. فمن لا يريد أن يكون «انعزاليّاً» عن سوريّا وعن المنطقة، عليه أن يلاحظ أنّ «الانعزاليّ» اليوم هو حصراً من يتمسّك بالسلاح وبالحرب. أمّا «وحدة المعركة إلى جانب الإخوة» فتكشّفت عن تبخّر «الأخ» الذي يدعم «أخاه» حربيّاً، فلا إيران دعمت غزّة ولبنان ولا غزّة ولبنان دعما إيران.

أمّا في ما يتّصل بـ»التخلّي عن فلسطين»، فبات واضحاً جدّاً أنّ تحوّل لبنان، وباقي الدول العربيّة، دولاً مستقرّة ومحترمة هو وحده ما قد يساعد الفلسطينيّين في محنتهم. أمّا غيرُ هذا فيحوّل «التضامن» إلى تضامن عاجز مع عاجز.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

في ما خصّ السلام والحرب بين لبنان وإسرائيل في ما خصّ السلام والحرب بين لبنان وإسرائيل



GMT 14:43 2025 الأحد ,26 تشرين الأول / أكتوبر

سوريا الأستاذ وديع

GMT 14:41 2025 السبت ,25 تشرين الأول / أكتوبر

في حب الصحراء: شريان الحياة

GMT 14:38 2025 الأحد ,26 تشرين الأول / أكتوبر

الرئيس والممسحة

GMT 14:33 2025 الأحد ,26 تشرين الأول / أكتوبر

السلاح... أو حين يكون المكسب صفراً والهزيمة مطلقة

GMT 14:28 2025 الأحد ,26 تشرين الأول / أكتوبر

من سيلحق بكندا... في «التعامل بالمثل» مع ترمب؟

GMT 14:24 2025 الأحد ,26 تشرين الأول / أكتوبر

ترمب وخصومه في «حيْصَ بيْص»

GMT 14:23 2025 السبت ,25 تشرين الأول / أكتوبر

سموتريتش وحقد الجِمال

GMT 14:19 2025 السبت ,25 تشرين الأول / أكتوبر

القطبية الصينية ومسار «عالم الغابة»

رحمة رياض تتألق بإطلالات متنوعة تجمع بين الأناقة والجرأة

الرياض - المغرب اليوم

GMT 23:15 2025 الخميس ,30 تشرين الأول / أكتوبر

إسرائيل تتسلم رفات رهينتين من حماس عبر الصليب الأحمر
المغرب اليوم - إسرائيل تتسلم رفات رهينتين من حماس عبر الصليب الأحمر

GMT 13:39 2025 الخميس ,30 تشرين الأول / أكتوبر

حميدتي يعترف بانتهاكات قوات الدعم السريع في الفاشر
المغرب اليوم - حميدتي يعترف بانتهاكات قوات الدعم السريع في الفاشر

GMT 18:50 2020 الثلاثاء ,27 تشرين الأول / أكتوبر

أروى جودة تتعرض لموقف محرج في «الجونة»

GMT 21:59 2019 الإثنين ,11 آذار/ مارس

"كيا" تطلق سيارة كهربائية متطورة قريبا

GMT 02:14 2019 الجمعة ,18 كانون الثاني / يناير

برج "برواز دبي" يَجذب مليون زائر في عام واحد

GMT 21:28 2018 الثلاثاء ,25 أيلول / سبتمبر

سفير المغرب في هولندا يكرم البطل التجارتي

GMT 02:30 2018 السبت ,01 أيلول / سبتمبر

"50 فكرة عن" الاقتصاد" كتاب حول النظم الاقتصادية

GMT 02:02 2018 الخميس ,22 آذار/ مارس

عمرو عمارة يبيّن أسباب تسوس الأسنان

GMT 15:25 2018 السبت ,27 كانون الثاني / يناير

الفنادق الأكثر جاذبية في العالم خلال عام 2018

GMT 18:10 2017 الإثنين ,25 كانون الأول / ديسمبر

لعبة "أسياد الشرق" صراعات ملحميّة تحاكي صراع الجبابرة

GMT 22:51 2017 السبت ,09 كانون الأول / ديسمبر

الرجاء يرغب في استقبال الدفاع الجديدي في ملعب العبدي

GMT 04:26 2016 الخميس ,25 شباط / فبراير

حرق سعرات حرارية دون بذل مجهود

GMT 21:07 2015 الجمعة ,04 كانون الأول / ديسمبر

ميرفت أمين بين نجوم فيلم "هتقتل تسعة"

GMT 03:10 2017 الأربعاء ,04 كانون الثاني / يناير

منتجع جزيرة ميليدهو ملاذ زوار المالديف في فصل الشتاء

GMT 05:56 2015 الأربعاء ,23 أيلول / سبتمبر

أبطال مسلسل "البيوت أسرار" يكملون تصوير مشاهدهم

GMT 09:29 2016 الجمعة ,07 تشرين الأول / أكتوبر

عطور نسائية تجذب الرجال وتزيد من دفء العلاقة الحميمة
 
almaghribtoday

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday almaghribtoday almaghribtoday
almaghribtoday
RUE MOHAMED SMIHA ETG 6 APPT 602 ANG DE TOURS CASABLANCA MOROCCO
almaghrib, Almaghrib, Almaghrib